إزاء انحسار الخيارات أمام تونس للحصول على المساعدات المالية لسد الفجوة المالية لغلق ميزانية 2021، اختلف خبراء الاقتصاد حول سبل تجاوز هذه الأزمة الخانقة

ولئن رأى بعض منهم ضرورة إيجاد حلول على المدى القصير داخليا وخارجيا، فقد قدر البعض الآخر أنّ المسالة تعالج على المدى البعيد بقرار سياسي ولا سيما من خلال تغيير منوال التنمية واعتماد خيارات اقتصادية وسياسية جديدة قادرة على إثارة اهتمام الشركاء الماليين الدوليين.

ضرورة تفعيل حزمة من الحلول الداخلية والخارجية، لتجاوز الازمة

اكد الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الاسبق، محسن حسن، انه مما لا شك فيه ان تونس تعيش اليوم ازمة كبرى على مستوى المالية العمومية فالعجز في الميزانية حسب وكالة "موديز" لسنة 2021، سيكون في حدود 5ر7 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، اي ان الحاجة الى تمويل الميزانية تقدر ب18 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي لهذه السنة، وهو ما يعنى تعبئة موارد مالية مرتفعة وغير مسبوقة خاصة في ظل التغيرات الجيواستراتيجية والسياسية التي تعرفها تونس.

واستدرك حسن بقوله "هذا لا يعني غياب الحلول، هناك حزمة من الحلول الداخلية والخارجية يمكن تفعيلها لتجاوز أزمة المالية العمومية، على المستويين الداخلي والخارجي.

واقترح حسن على المدى القصير وعلى المستوى الداخلي اتخاذ إجراءات تتمثل في التحكم في نفقات الحكومة وترشيد الإنفاق في مجالات عدة تهم نفقات التسيير وغيرها، وتأجيل الزيادات في الأجور المبرمجة وكذلك المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام.

كما يقترح في اطار تقاسم الشعب التونسي للتضحيات، تشجيع الاستخلاص الجبائي ودفع المؤسسات والأفراد على القيام بواجبهم الجبائي علاوة على إبرام صلح جبائي مع من لهم ديون جبائية مثقلة ممن ليست لهم القدرة المالية على الإيفاء بالتزاماتهم الجبائية.

ويتوجب، وفق تقديره، أيضا، العمل على بلوغ مستويات قصوى من إنتاج الفسفاط والبترول والغاز واعتبار ذلك مسألة أمن قومي.

ورأى حسن ان ترشيد توريد المواد الاستهلاكية يعد أهم اجراء مشيرا في هذا الصدد الى امكانية اخضاع توريد بعض المواد الاستهلاكية التي لا تستحقها الدورة الاقتصادية كالمواد الاولية ومواد التجهيز الى كراس فنية.

ودعا الى ضرورة مراجعة اتفاقية التبادل التجاري الحر مع تركيا مرة اخرة للحد من توريد المواد الاستهلاكية وكذلك اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي، اذ يتعين حماية بعض القطاعات الوطنية والحد من التوريد، مثل قطاع المربعات الخزفية الذي يعرف حالة من احتضار في حين ان التوريد من اسبانيا وايطاليا لهذه المنتجات في ازدياد مطرد، لذلك وجب مراجعة الاتفاقية والترفيع في المعاليم الديوانية الموظفة على بعض المنتجات لحماية بعض القطاعات الوطنية التي تعرف صعوبات.

كما طالب بانتهاج سياسية حمائية مؤقتة لتقليص العجز في الميزان التجاري وبالتالي تقليص العجز الجاري والحد من الضغوطات المسلطة على ميزان الدفوعات حتى نقلص من اللجوء الى التداين واستنزاف العملة الصعبة.

وعلى المستوى الخارجي، شدد حسن على ضرورة الاقرار بان تونس في حاجة الى تعبئة موارد خارجية سواء لسداد خدمة الدين الخارجي او لتمويل الشراءات والى غير ذلك...

وابرز انه في ظل الوضع السياسي و الجيواستراتيجي الحالي، ليس امام تونس من حل سوى التوجه ببرنامج إصلاحات متكامل لدفع النمو وتحقيق التوازنات المالية الكبرى، الى صندوق النقد الدولي للتوافق حول برنامج للإصلاحات وآخر للتمويل

وافاد ان التوصل الى هذا الاتفاق من شانه ان يفتح الباب للحصول على تمويلات من بقية المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي..ولم لا ييسر امكانية الخروج على السوق المالية العالمية خاصة اذا توضحت الرؤية سياسيا واقتصاديا.

وشدد المتحدث على اهمية مواصلة تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية على المستوى الثنائي، علها تساعد تونس في الحصول على تمويلات من الدول الصديقة والشقيقة.

وخلص الى القول بان الوضع على المدى القصير دقيق وخطير جدا وان الحل في وحدتنا الوطنية وتعويلنا على إمكانياتنا الذاتية وتقاسم التضحيات.

ويعتبر حسن على المديين المتوسط والبعيد، ان حكومة نجلاء بودن مطالبة اليوم بالاعلان عن وثيقة توجيهية للخيارات الاقتصادية والرؤى التنموية لتونس خلال السنوات القادمة.

ويتعين ان تركز هذه الوثيقة على الاصلاحات الاقتصادية والسياسات القطاعية وتاهيل المنظومات الانتاجية بالاضافة الى تطوير مناخ الاعمال من اجل دفع الاستثمار والتصدير علاوة على الإصلاحات للمالية العمومية وخاصة في جانبها الجبائي والدعم والمؤسسات العمومية وغيرها،

ويتوجب، وفق قوله، تبويب هذه الإصلاحات ووضع جدول زمني ملزم مع دراسة كلفتها الاقتصادية والاجتماعية وآثارها المحتملة مع التأكيد في الجانب الاجتماعي على اعطاء الاولوية المطلقة لدعم الاسر المحتاجة والمحافظة على قدرتها الشرائية

الدعوة الى حوار وطني حول منوال اقتصادي ونظام اقتصادي جديد

رئيس حلقة الماليين التونسيين، عبد القادر بودريقة، اكد من جانبه، أنّ حل هذه الأزمة، التي وصفها "بالمشكل الهيكلي وليس الظّرفي"، يجب أن بتم على المدى البعيد وليس القصير.

ولفت الى ضرورة الدعوة الى حوار وطني حول المنوال الاقتصادي والنظام الاقتصادي الجديد في تونس واسترجاع ثقة المواطن ورجل الأعمال والمستثمر والثقة في الدولة.

واعتبر أنّ تحقيق ذلك، يكون بقرار سياسي بالأساس، وقتها يمكننا الذهاب الى مفاوضات مع شركاء تونس سواء بلدان او مؤسسات مانحة.

وأوضح بودريقة أن الحوار الذي يقترحه سياسي بالأساس، لان الحل في المرحلة الراهنة لا يمكن ان يكون إلاّ سياسيا. وأضاف ان الأمور تقنيا سهلة لكن يتوجب توضيح الرؤية السياسية والاقتصادية والتي تضبط الأهداف والتوجهات.

ومضى مؤكدا ان الحوار مع صندوق النقد الدولي لم يعد تقنيا وكذلك الحوار مع الدول الصديقة والشقيقة، ففي المرحلة الراهنة رئيس الدولة هو الوحيد القادر على المخاطرة واتخاذ القرارات الجريئة ورسم التوجهات وليس رئيسة الحكومة.

وقال إنّ تونس تأخرت اليوم كثيرا في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي بقوله :" لو تحركنا قبل شهرين من الان، حينها كان الحديث عن حل تقني ممكنا، لكننا، اليوم، بلغنا مرحلة الحل فيها سياسي في كل النواحي".

ولاحظ بودريقة انّ إيجاد الحل لمشكل آنيّ، اي غلق الميزانية قد يكون ممكنا، بيد انه يجب التفكير في التحولات الاقتصادية على غرار التفكير في التحولات السياسية.

وذكر بدعوته في العديد من المرات، منذ 25 جويلية 2021، الى تنظيم مؤتمر وطني او استشارة وطنية في الجانب الاقتصادي كما تلك التي ستتم في الجانب السياسي، بحكم الارتباط الوثيق بينهما ومن ثمة الانطلاق في العمل وتقديم رؤية للأطراف التي نتعامل معها وتحديد الأهداف المنشودة والتضحيات المشتركة التي يتعين على التونسيين تقاسمها.

وتعليقا على علاقة تونس بالتوزانات الكبرى الجيوسياسية في العالم، اكد بودريقة ان لتونس ثوابت تاريخية وعلاقة كبيرة مع الجانب الاوروبي لا يمكن التغاضي عنها، بحكم توجه ما بين 70 او 80 بالمائة من صادراتنا اليه.

واردف "علينا الاقرار بعدم قدرتنا على مزاحمة الصين والهند، فليس بامكاننا التصدير الى الصين والهند مثلا وعلى العكس يمكننا التصدير الى اوروبا او افريقيا، واذا كنا سنخسر شريكنا الاستراتيجي التجاري والاقتصادي، على حساب حصولنا على مساعدة ظرفية، فانا لست متاكدا ان هذا الخيار هو الاسلم استراتيجيا".

واسترسل بقوله "بمعنى اخر الافضل لنا هو العودة الى العمل وتوضيح الخيارات الاقتصادية وما هو المنوال الاقتصادي الجديد وماهي التحولات الكبرى التي نتطلع الى الى القيام بها في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي".

واكد انه بامكان تونس التحاور مع صندوق النقد الدولي اذا ما كان لديها برنامج واضح لسنوات يرسم التحولات الكبرى التي تسعى الى تحقيقها.

وشدّد على ان الرغبة في تحقيق تحولات على المستوى الاقتصادي او السياسي او تغيير النظام الاجتماعي، يترتب عنه امران، اولها تغيير المؤسسات والاطار التشريعي اي تغيير قواعد اللعبة.

* المصدر: وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)