قال محلل منظمة "انترناشيونال كرايزيس غروب"، المختص في دول الساحل الإفريقي "جون هيرفي جيزيكيل" أن عودة الجماعات المسلحة إلى المناطق الريفية، شمالي مالي، وغياب هياكل الدولة الإدارية في ذات المنطقة، بالإضافة إلى فشل الوساطة الدولية تمثل كلها عقبات أمام المصالحة الوطنية في مالي، على الرغم من مرور نحو عام على العملية الفرنسية في مالي من اتفاق واغادوغو الأول للمصالحة الوطنية في 18 يونيو/حزيران 2013 وانتخاب الرئيس "إبراهيم بوباكار كايتا" في أغسطس/آب 2013 فضلاً عن استتباب الأمن في بُعديه الميداني والدستوري.

 وفي مقابلة خاصة مع الاناضول،  راى "جيزيكيل" أنه لا حل للأزمة سوى اجتماع جميع الأطراف الوطنية المالية بدون استثناء، ومن ضمنها كافة فصائل الجماعات المسلحة، حول طاولة الحوار للمضي في عملية سلام جادة.

 وإلى المقابلة:

--  انتخب الرئيس المالي "إبراهيم بوباكر كيتا" في أغسطس/آب 2013 بعد أن كان وعد بإعادة مسك الدولة بزمام الأمور على كامل تراب البلاد. كيف يمكن تقييم الأوضاع اليوم؟   

 

 سجلنا رجوعاً للإدارة ولمؤسسات الدولة، أو بالأحرى من يمثلونها إلى الشمال. لكن هذه العودة تلاقي صعوبات. في منطقة "كيدال" (شمال)، عديد الأماكن مازلت تشكو من غياب الإدارة بسبب انعدام الأمن.

 

 أما في "غاو"، فقد اعتبر قسم من الأهالي أن هذه العملية تمثل رجوع من كانوا قد رحلوا وتركوهم تحت رحمة الجماعات المسلحة. وقد لقيت هذه الإدارة صعوبةً في الخروج من المدن الكبرى ويبدو اليوم من المهم أن تكون الدولة قريبة من السكان.

 

 وضع الخدمات الحكومية مثل الخدمات الصحية والتعليمية يدعو أيضاً إلى القلق ويشكو العديد من الهنات في مناطق مختلفة.

  -- هل يجب تشجيع عودة النازحين والمهاجرين عبر إعادة تفعيل هذه الخدمات أم يجب انتظار عودتهم لإعادة الحياة للخدمات العمومية؟

 على عكس المنظمات الدولية، تعارض الدولة إعادة الخدمات الحكومية في الأماكن الخالية. هي مسألة سوف تكون حاسمةً في الأشهر القادمة.  وقد وضع اتفاق واغادوغو الموقع في يونيو/حزيران شروطاً مسبقة لمفاوضات السلام.

-- لماذا لا يطبق هذا الاتفاق إلا بشكل جزئي؟

أسباب التعطيل تتحمل مسؤوليتها جميع الأطراف. بالنسبة للجماعات المسلحة، هنالك مشكل موضوعي في الشرعية ومشكل قيادة. إذا لم يلتزموا بالمفاوضات أو رفضوها في بعض المناطق من دون توفر بعض الضمانات فذلك يعود إلى غياب خطة موحدة.  هنالك نوع من عدم التماسك بين هذه الجماعات ما يؤثر على مصداقية ممثليها المحاورين للحكومة. ويزداد الوضع تعقيداً بتشتت الوساطة الدولية ما بين دول عدة: بوركينافاسو والجزائر والنيجر والمغرب. ما يضيف على الأمر لُبساً خصوصاً وأن كلاً من هذه الأطراف له مصالحه الخاصة ويقف بجانب الجماعة المسلحة التي تواليه. هناك حاجة ماسة لإعادة الوساطة الدولية. الحكومة الحالية جاءت بعد انتخابات منحتها شرعية لا غبار عليها وهذا ما جعلها لا تشعر بأنها معنية بالاتفاق الذي وقّعته الحكومة السابقة.

هذا إلى جانب إدراك الحكومة الجديدة أن هنالك مشكل قيادة في الجماعات المسلحة لذلك هي تتبع استراتيجية تعطيل بدء المفاوضات قصد إضعاف هذه الجماعات. وهذه لعبة خطرة يمكن أن ينتج عنها ظهور مجموعات قد تفكر في اكتساب شرعية عبر حمل السلاح.  يمكن للحكومة المالية أن تبدي مرونة أكبر حيال بعض النقاط خصوصاً تلك المتعلقة بتعيين باماكو مكاناً للمفاوضات. من المهم أن تجري المفاوضات في مالي لكن اختيار باماكو يمكن مراجعته.

-- اليوم، يقع استهداف شمالي مالي بانتظام من قبل الجماعات المسلحة. هل يجب الخشية من عودتهم، عاماً بعد التدخل الفرنسي الذي قضى على أغلبهم؟

 عدد العمليات المسلحة في ارتفاع. والأمر يتعلق أساساً بإطلاق صواريخ ما يؤدي إلى ترسيخ مناخ من الخوف والتوتر إلى جانب هجومات بالعبوات الناسفة على الطرقات. وهي طريقة لتبليغ رسالة لمستعملي هذه الخطوط: "ابقوا حيث أنتم. لكم المدن ولدينا المناطق القروية". لكن لا يجب أن نبالغ في تقدير عودة الجماعات المسماة بالجهادية ولا حتى تناسق خطتها. توجد تهديدات أخرى لا تقل أهمية عن هذه المجموعات الجهادية، تلك المتعلقة بالتوترات الطائفية. أطراف النزاع يقيمون علاقات مميزة أحياناً مع المجموعات الإرهابية. المواجهات الدائرة في بعض الأحيان مرتبطة بمشاكل لم تقم الحكومة بحلها لأنها (الحكومة)  لا تستطيع العودة إلى تلك المناطق ولأن المساعدات لا تصل أيضاً.   انعدام الأمن الحالي المرتبط بتمرد الجماعات المسلحة لا يعدو أن يكون سوى أحد أشكال انعدام الأمن شمال مالي.

-- هل بمقدور الـ "مينوسما" (بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي) مواجهة التحديات الأمنية القادمة؟

في شكلها الحالي "مينوسما" ليست ملائمة للوضعية التي طرأت عليها عدة متغيرات.  منذ سنة، كان انعدام الأمن يشمل جميع المدن حيث كانت المجموعات الجهادية مستقرة وقامت بأولى العمليات الانتحارية. "مينوسما" موجودة وساهمت في تأمين هذه الأماكن وهذا ليس بالأمر الهين. لكن انعدام الأمن انتقل إلى من المدن نحو الأرياف وهو وضع لا يلائم الـ "مينوسما".  البعثات الأممية بصفة عامة تشكو من ضعف هيكلي ولا يقتصر الأمر على الـ "مينوسما". ويجب التفكير في إيجاد حل لهذه المعضلة بمناسبة الذكرى الأولى لإحداث الـ "مينوسما".