قال الأستاذ الجامعي اعلية  العلاني الخبير في التنظيمات الإرهابية في حوار حصري مع بوابة إفريقيا الإخبارية إن على تونس الإعلان عن حكومة تكنوقراط جديدة تكون مسنودة من البرلمان أو الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها. 

وبخصوص ردة فعل داعش المتوقعة بعد هزيمتها المذلة في بن قردان قبل ثلاثة أسابيع قال العلاني أن داعش ستغير إستراتيجيتها دون أن تتخلى عن مخطط مثلث تونس وليبيا والجزائر وربطه بالساحل الإفريقي. 

وفي ما يلي النص الكامل للحوار 

ما ذا تريد داعش من تونس بعد بن قردان؟ 

بدأت داعش تشك في فاعلية بقائها في الرقة والأنبار وتريد أن يكون لها موطئ قدم راسخة في شمال إفريقيا. وليس أفضل من تكوين حزام جديد للخلافة مثلث الأضلاع يتكون من ليبيا وتونسوالجزائر، وهذا ما يجعلنا نفهم لماذا الإقبال على داعش لا يزال إلى اليوم متواصلا؟ ولماذا التركيز على تونس؟ وما هي مخططات التنظيم المستقبلية في شمال وغرب إفريقيا؟

إن سر الإقبال على داعش يكمن في أن هذا التنظيم نجح في استراتيجية الاستقطاب التي أعانه فيها، أولاعدد الخلايا النائمة المتزايد في فترة حكم الترويكا التي كان يقودها الإسلاميون، وثانيا ضعف قبضة السلطة على الفضاء الديني إلى اليوم، وثالثا، تضرر مصالح المهربين في الأشهر الأخيرة حيث تمت مصادرة العديد من مواد التهريب التي تعد بعشرات الملايين من الدولارات،ورابعا، وهو الأهم هو أن داعش تمكنت من اختراق النسيج الاجتماعي في بن قردان وأصبح أتباعها خاصة من الخلايا النائمة بالجهة يغدرون بأبناء منطقتهم مثلما فعل أحدهم عندما دلّ أحدالإرهابيين على منزل المسؤول الأمني والذي قُتل في الحين، وكان هذا المُخبر الذي يعمل مع داعش هو ابن عم الضحية وتحدثت الصحف المحلية عن هذا الشخص فذكرت أنه إمام جامعومتشدد دينيا وسبق أن تم إيقافه في 2009 على خلفية تورطه في الانتماء إلى تنظيمات إرهابية ولم يقع إيقافه بعد الثورة رغم أنه معروف في بن قردان باستقطابه للعديد من الشباب للقتال في بؤرالتوتر. 

وهنا نقدم  ثلاث ملاحظات أساسية تشرح الأسباب التي أوصلتنا إلى انتشار الراديكالية والتطرف والتي أدت إلى عملية بن قردان وهي العملية رقم 52 منذ 2011 إلى اليوم.

- الملاحظة الأولى هي أن هناك 13 من القتلى الإرهابيين في عملية بن قردان هم ممن تمتعوا بالعفو التشريعي العام وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أن عدم متابعة هؤلاء في عهد حكومة الترويكاومراقبتهم جعل الإرهابيين يكثفون من نشاطاتهم الارهابية من تخزين للأسلحة والقيام بتدريبات كانت تنفيها حكومة الإسلاميين آنذاك وتقول أن تلك التدريبات هي مجرد ممارسة للرياضة لتذويبالكولسترول واتضح بعد ذلك أن هؤلاء مورطين في العديد من العمليات الإرهابية.

 الملاحظة الثانية، أنه مع فترة حكم تيار الإسلام السياسي لحركة النهضة عملت هذه الأخيرة على تعميق فكرة تقسيم المجتمع التونسي إلى قسمين: علمانيين وإسلاميين مما يعني في نظر هؤلاءأن الإسلاميين هم الحاضنون الرئيسيون لكل من هو غير علماني. وقد عمقت حركة النهضة هذا الخطاب لأسباب انتخابية.

- الملاحظة الثالثة، أنه مع انتعاش التيار السلفي في عهد الترويكا كان القائمون على هذا التيار يقسمون السكان إلى كفار ومؤمنين وهو ما يبيح حسب فلسفة هذه المجموعة قتل الذين ليسوا علىمذهبهم، وقد أدى ذلك إلى انتشار فتنة دينية ومذهبية لم يشهدها التونسيون إلا في فترات محدودة من تاريخهم القديم. 

وقد رأينا نتائج هذه الموجة التكفيرية فيما حصل مؤخرا في بن قردان مع الداعشي الذي وشى بابن عمه رئيس مركز الحرس للإرهابيين ليقتلوه لأنه طاغوت في نظرهم.

إن التركيز على تونس في عملية بن قردان كان يهدف كذلك إلى تعزيز موقع التيارات الإرهابية في ليبيا التي يتواجد بها عدد كبير من التونسيين ومن جنسيات عربية وإفريقية أخرى.

ماهي الخطط المستقبلية لداعش حسب رأيكم وماهي الوسائل المتاحة للتصدي لها ؟ 

هي خطط رهيبة تقوم على مواصلة سياسة الهجوم والتفجير، لكنها بعد عملية بن قردان ستُعدّل داعش من استراتيجيتها لأنها فوجئت بردة فعل الأهالي الرافضة لأطروحاتهم حول الإمارةالداعشية، كما فوجئت بقوة الجاهزية الأمنية والعسكرية وعدد القتلى المرتفع في صفوف الإرهابيين (اكثر من خمسين قتيلا لحد الآن وعشرات الموقوفين).

ومخطط داعش في المنطقة هو المضي قدما في إحداث مثلث تونس – ليبيا – الجزائر وربطه بساحل إفريقيا وغربها من خلال تمتين التحالف مع  بوكو حرام، فهل هي مرحلة الفوضى الخلاقة فيشمال وغرب إفريقيا التي يتم الإعداد لها؟ وهل هي محاولة جديدة لإقحام الجزائر فيما يسمى بالربيع العربي بعد أن فشلت المحاولة الأولى؟

إن المطلوب بإلحاح لكي تتم مقاومة خطر داعش وخطر القاعدة الذي عاد إلى السطح من جديد بعد عملية الكوت ديفوار في 12 مارس 2016 هو الإسراع بإصلاحات جوهرية في القارةالإفريقية: إصلاحات سياسية تقضي على الرشوة والفساد وتُكرّس استقلالية القضاء، وإصلاحات تربوية تصنع عقولا تفيد البلد والإنسانية لا عقولا مدمرة،  وإصلاحات في الخطاب الديني يقطعالطريق أمام أحزاب لا تزال تتاجر بالدين من أجل حسابات سياسوية.

إن عملية بن قردان يمكن أن تكون الأخيرة، ويمكن أن تكون لها ما بعدها. فإذا أسرع المسؤولون التونسيون بجملة من الإجراءات المستعجلة فإنّ تجاوز الأزمة يصبح ممكنا. ماهي أبرز هذهالإجراءات الإصلاحية التي على تونس اتخاذها لتجاوز الخطر؟ 

اعتقد انه من أوكد وأسرع  الإجراءات التي يتوجب اتخاذها : 

- حكومة جديدة تتركب كلها من تكنوقراط ومستقلين حقيقيين ذوي كفاءة عالية في كل الاختصاصات، وتبقى هذه الحكومة مدة 5 سنوات، وتحظى بدعم البرلمان الحالي.

- تكون لهذه الحكومة خارطة طريق واضحة في دحر الإرهاب وإعادة الانتعاش للاقتصاد بضمان حق الشغل ومنع أي إضراب في القطاعات الحساسة مثل البترول والفسفاط والكهرباء طيلةالخمس سنوات من عمر هذه الحكومة. وتعمل هذه الحكومة على إعادة النظر في كل التعيينات الإدارية المشبوهة في عهد حكومة الترويكا، وتعيد هيكلة الفضاء الديني وخاصة المساجد حيث مازال عدد هام من الأئمة موالون إما لتيار الاسلام السياسي من حركة النهضة أو للتيار السلفي. 

وتحتاج هذه الإجراءات إلى قرار سياسي جريء. وقد تحدثت بعض الصحف المحلية عن وثيقة يتم تداولها داخل الحزب الحاكم "نداء تونس" وحصلت على عشرات الإمضاءات من قياديين فيالحزب تطالب بفك التحالف الحكومي مع حركة النهضة ولا يعرف إن كانت هذه الوثيقة ستجمع العدد الكافي من الإمضاءات أم لا)

وفي صورة معارضة بعض الأحزاب لهذه الإجراءات يمكن لرئيس الجمهورية التفكير في صيغة دستورية للدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تحت بند مواجهة الإرهاب الذي أصبح يشكل خطراحقيقيا على الأمن القومي وسيجد السند القانوني والسند الشعبي لذلك.

ولكي لا تتكرر مثل عملية بن قردان  لا بد من إقرار قانون جديد للأحزاب يمنع قيامها على أساس عرقي أو ديني أو لغوي. وبذلك تفشل خطط داعش المستقبلية على أرض تونس، لأنها أرضأنبتت ولا تزال الأمل والحضارة.