اعتبر يونس ايت الحاج، رجل أعمال مختص في العلاقات الاقتصادية التركية المغربية، أنه حان الوقت لإعطاء دينامية جديدة للعلاقات الاقتصادية المغربية التركية، والاستفادة من التجربة التركية في المجال الصناعي، وتحفيز شركاتها على الاستثمار وعقد شراكات مع نظيرتها المغربية.
وأشار أيت الحاج، أن التعاون المغربي التركي على المستوى الصناعي سيتيح لمنتجات البلدين المنافسة على مستوى أسواق إفريقيا جنوب الصحراء.
وكشف عن وجود كم هائل من الوثائق التاريخية حول المغرب وعلاقاته تاريخية مع تركيا في الأرشيف العثماني وهي توثق الأهمية التاريخية للمغرب، داعيا الأكاديميين المغاربة إلى المزيد من الاهتمام بهذا الجانب ودراسته وإبرازه والاستفادة منها.
نص الحوار:
بداية كمختص في العلاقات الاقتصادية المغربية التركية، هل يمكن أن تعطينا نبذة مختصرة حول العلاقات المغربية التركية؟
يجمع بين المغرب وتركيا علاقات تاريخية جعلت مصير الشعبين العريقين يلتقي في عدة نقاط من تاريخهما وشراكات وتعاون مثمرة في العديد من المجالات خاصة في المجال الاقتصادي والثقافي وكذا علاقات توثق للعمق التاريخي الجدير بالاستكشاف، وتطورت أواصر هذه العلاقات لتصبح أكثر متانة في الوقت الحالي وفقاً لطموح البلدين في تحقيق التنمية والازدهار.
وبالمناسبة، أود أن أشير لوجود كم كبير من الوثائق التاريخية ذات الأهمية الكبيرة في مراكز الارشيف العثماني والتي تؤكد الأهمية التي يحظى بها المغرب تاريخيا وكذا ورسوخ العلاقات والمعاملات التي كانت تجمع المملكة بتركيا بلغات عدة منها اللغة العثمانية واللغة العربية وهذه الوثائق تحظى باهتمام أكاديمي واسع من طرف المؤرخين والباحثين بالجامعات المغربية وأيضا الجانب الأكاديمي في تركيا
شهدت تركيا خلال السنوات الأخيرة نهضة صناعية وتجارية في عدة مجالات، كيف تم ذلك؟
بالفعل تمكنت تركيا من تحقيق قفزة نوعية في المسار الاقتصادي في السنوات الأخيرة، وهذه النجاحات لم تأتي صدفة وإنما كانت نتيجة تطبيق استراتيجيات اقتصادية مدروسة ومضبوطة، حيث ارتفع حجم الصادرات التركية إلى أضعاف مضاعفة، بلغت 245 مليار دولار سنة2022 ، وواصلت الصادرات نموها رغم العوائق الناجمة عن جائحة كورونا.
كما استطاعت تركيا جلب الاستثمارات الأجنبية عبر تحفيز المستثمر الأجنبي مما بؤأها مكانة اقتصادية ضمن أقوى الاقتصاديات في العالم، ووفقاً لتقرير منظمة صندوق النقد الدولي، والذي يرتب الدول العالم بحسب قيمة الناتج الإجمالي المحلي لكل دولة، تحتل تركيا المرتبة 19 عالميا.
كما تصنيف تركيا اقتصادياً في المرتبة 13 من حيث الناتج الإجمالي المحلي بحسب القوة الشرائية للبلاد، والمرتبة الثالثة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
عرفت العلاقات الاقتصادية التركية المغربية، نوعا من الصعود والتراجع خلال العشرية الاخيرة، فبعد توقيع اتفاق التبادل الحر، تمت إعادة مراجعته خدمة لمصالح المغرب، ما هي المميزات التي يمكن أن تجنيها المملكة من هذا الاتفاق؟
اختلف مع التقييم الذي يعتبر تجربة التبادل الحر مع تركيا ليست مربحة بالنسبة للاقتصاد المغربي، حيث نرى مجموعة من المنتجات التركية في الأسواق المغربية لا سيما الألبسة بأثمان مقبولة ومنافسة وبجودة عالية، ولا ننسى أن العديد من الشركات التركية الكبيرة فتحت مراكز تجارية لها في العديد من مدن المملكة وتقدم سلعا بجودة عالية بأثمان اعتبرها مقبولة وفي متناول المستهلك المغربي وخلقت هذه الشركات أكثر من 12000 منصب شغل مباشر.
أما بالنسبة للتبادل التجاري مع تركيا فلازال قائم ولا شيء تغير رغم تعديل بنود الاتفاقية، لكن يبدو أن هناك تباطؤ في تنفيذ اتفاقية التبادل الحر نظرا لتخوفات حول غياب التنافسية، وهي إشكالية مطروحة ليس مع تركيا فقط بل على المستوى العالمي، والمغرب مطالب باستراتيجية صناعية وتقوية المنتوج المحلي ليكون منافسا وبجودة عالية، في الأسواق مفتوحة ولم يعد هناك مجال للحمائية .
هل يمكن تقييم حضور الشركات والاستثمارات التركية في المغرب وفي أية مجالات؟
شكلت 2022 سنة مثمرة في العلاقات الثنائية الاقتصادية بين البلدين، حيث جددت المجموعات التركية الكبرى ثقتها في الاقتصاد والسوق المغربي، مع افتتاح وحدات صناعية همت قطاعات مختلفة، على غرار أجزاء السيارات والمناديل الورقية والأحذية وعدة قطاعات أخرى، كما قد أقيمت عدة معارض وملتقيات تركية في المغرب تخص القطاعين التجاري والصناعي، والتي ساعدت بشكل كبير في تشجيع بعض المستثمرين الأتراك للولوج الى المغرب والاستقرار فيه أو بفتح فروع لشركاتهم في مناطق مختلفة من المملكة بما فيها أقليمنا الجنوبية، كما لعبت العديد من المؤسسات المهنية والحكومية التركية دورا مهما في ذلك حيث كانوا دائما حاضرين للاشتغال يد في يد مع نظرائهم المغاربة، ولم يقتصر الأمر على هذه القطاعات فحسب بل امتد إلى المجال الثقافي والتعليمي من خلال المعارض الخاص بالجامعات التركية الخصوصية و الحكومية.
ويلاحظ خلال السنوات الأخيرة إقبال كبير للطلبة المغاربة على الجامعات التركية خاصة وأن الحكومة التركية تخصص سنويا عددا من المنح في إطار برنامجها السنوي《منح تركيا》 (türkiyebursları) التي يستفيد منها الطلبة من جميع دول العالم ومن ضمنهم الطلبة المغاربة، حيث يخصص المغرب بدوره عددا من المنح للطلبة الأتراك في تخصصات مختلفة.
برأيك كيف يمكن إنعاش التعاون الاقتصادي التركي المغربي، خاصة على مستوى الشركات والاستثمارات المشتركة ؟
يجب استثمار الموقع الاستراتيجي للبلدين للعب دورا مهما كجسر للتقارب بين مناطق العالم في ظل المتغيرات الاستراتيجية الجارية، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من النقاط التي من خلالها خلق فرص عديدة وتقوية العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بين البلدين من خلال التعريف أكثر بالمؤهلات الاستثمارية المتاحة بالبلدين، عبر المساهمة في زيادة ربط علاقات الأعمال بين المقاولات المغربية والتركية في قطاعات إنتاجية مختلفة.
ومن جهة أخرى، صحيح أن المغرب يحرص بين فترة وأخرى على إجراء إصلاحات لتحرير التجارة الخارجية، وتهيئة الظروف المناسبة للمستثمرين الأجانب وتنويع شركائه التجاريين وجعل سوقه الداخلية أكثر جاذبية إلا أن هذا يتطلب تقديم حوافز لرجال الأعمال واعتماد إجراءات فعلية لتسهيل المساطر الإدارية والإجراءات الجمركية وتبسيط إجراءات الحصول على شواهد الجودة لبعض المنتجات.
يعتبر المغرب بوابة افريقيا، خاصة الغربية ،كيف يمكن استغلال هذا المعطى لدفع وتحفيز الشركات التركية على الاستثمار في المغرب؟
يلعب المغرب دورا كبيرا في الولوج إلى الأسواق الإفريقية جنوب الصحراء وتعد تركيا شريكا متميزا للمغرب في هذه الأسواق لكن بشكل غير مباشر وذلك من خلال تزويد الشركات المغربية بالمواد الأولية والآلات الصناعية والخبرات التقنية في العديد من القطاعات، لكن يبقى رقم المعاملات في هذا الإطار غير كافي إلى حد ما، وحان الوقت لإطلاق دينامية جديدة ترقى بهذه الشراكة إلى مستوى أفضل، وذلك من خلال فتح المجال للجانب التركي للاستثمار والدخول في شراكات مثمرة مع المستثمرين المغاربة وتشجيع سياسة اقتصادية وتجارية تنتصر لمبدأ رابح رابح.
كلمة أخيرة
أود أن أشكر الشعب التركي الشقيق على شعوره بتألق المنتخب الوطني في كأس العالم بقطر، حيث شهدنا كيف شاركوا المغاربة فرحتهم بهذا الحدث المميز، ولعل الكثيرون شاهدوا مقاطع الفيديو توثق فرحة وإشادة عدد من نواب البرلمان التركي بالإنجاز الكروي المغربي خلال كأس العالم .