ليبيا الآن، هي أهم بؤرة مشتعلة في مفترق الانتقال السياسي داخل شمال إفريقيا، لماذا؟ ما حكاية خليفة حفتر اللواء الذي رفض التقاعد وتحول إلى ابرز صانع ألعاب في المشهد السياسي الليبي؟ وماذا عن التفريعات التي لا تحصى للجماعات الإرهابية وللتيارات الإسلام السياسي؟ ما حكاية علاقة الجهاديين بالمخدرات؟ وكيف يمكن لليبيا ودول المنطقة أن تتعاطى مع الظاهرة "الجهادية"؟ هل يكفي الحل الأمني؟أسئلة عديدة حملناها إلى السيد علية العلاني الجامعي والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، فوافنا مشكورا بالحديث التالي:

كيف تصف الأوضاع الحالية في ليبيا هل تعتبر أن هناك انقلابا في الأفق؟

أولا أنا لا أعتبره انقلابا، إنما هو بداية تغيير للخارطة السياسية في ليبيا، الانقلاب لديه أصوله فهو يأتي في وقت قصير، ثم الانقلابات في ليبيا صعبة نظرا لانتشار الميليشات المسلحة، لو كان هناك جيش قوي، ربما لن تكون هناك مشاكل، إذن أصفه بتحرك مراكز قوى وقرار، هو تحرك في الاتجاهين.

ما وقع في ليبيا اليوم هو تراكم لوضعية امتدت لفترة طويلة، لا ننسى أن محاولة حفتر هي الثالثة، الأولى كانت في شهر أوت 2013 والثانية كانت في شهر فيفري 2014، والثالثة في 17 ماي 2014.

إن تراكم المشاكل الأمنية والاقتصادية في ليبيا، تضافرت معها تغيرات إقليمية في المنطقة، تضافرت معها أيضا تغيرات المعطيات الجيوبوليتكية، تضافرت معها أيضا وهذا هو الأهم غضب شعبي متنام كان نتيجة معظم ما يعيشه الليبيين من وضعية اقتصادية صعبة، ومن وضعية أمنية صعبة، هذه التراكمات عندما تتكاثف تؤدي إلى مسألتين إما الانفجار أو تدخل بعض الأفراد.

إذن هناك جماعة من المعارضين اختاروا التدخل، هذا التدخل فيه جانب مسلح، وبالتالي لا نقول انقلاب، لأنه حتى الآخرين لديهم ميليشيات مسلحة. إذن هو صراع مواقع، وصراع مراكز قوى، ومحاولات اكتساب التموقع على الأرض.

ليبيا الآن لا تحكم من جانب واحد، بل من مراكز قوى عديدة، فيها من هو معلن، وفيها ما هو وراء الستار.

 

ماهو المعلن؟

ليبيا تعيش ما يسمى بحالة اللادولة في المعنى العصري والصحيح للكلمة، إذن تعيش عصر مراكز القوى، والميليشيات، التي تتخذ الدولة الليبية غطاء.

 

والخفي؟

الخفي هي تلك القوى سواء في السلطة أو في المعارضة، في السلطة نجد جزءا هاما ممن يتحكم في دواليب شبه الدولة الليبية وهم من التيارات إما الإسلام السياسي وممثل في حزب العدالة والبناء وفي كتلة وفاء التي تعتبر في نظر بعض المحللين تيارا دينيا متشددا، ووراء هذا هناك مساندة من طرف تيارات إسلامية متشددة لا تؤمن بالمسألة الديمقراطية ولكنها تحاول أن تحتفظ بنوع من التواجد، ولهذا عندما قامت محاولة حفتر من جاء ضده في البداية؟ خلايا القاعدة أخرجوا بيانا وقالوا نحن نساند الشرعية، في حين أن خلايا القاعدة والتنظيمات الدينية المتشددة لا تعترف لا بانتخابات ولا بديمقراطية.

السيد حفتر لا يتحرك من تلقاء نفسه، السيد حفتر له قوى تسانده، لكنها قوى ليبرالية، معروف أنّ أقوى مسانديه هو السيد جبريل، ثم بعض القبائل، وهنا نقول أن المعطى القبلي في ليبيا هو معطى محدد أكثر من أي منطقة معينة.

هناك ما يقال بمجلس الحكماء ورؤساء القبائل وزعماء القبائل، في الظاهر هو مجلس لا يحكم وليس بيده نفوذ أو جيش لكي يحكم به، لكنه يحكم معنويا، إذا حصل أي مسؤول على دعم قبائل معينة فإن القبيلة تصبح ملزمة بتعبئة قواعدها وجمهورها وجماعتها مع ذلك الشخص.

إذن السيد حفتر يحظى بدعم في الداخل، ويحظى أيضا بدعم في الخارج.

 

من يدعمه في الخارج؟

هي القوى الليبرالية وبعض الأجوار ولا تنس أن هذا الرجل قضى سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية وله علاقات جيدة في الخارج. حتى الذين هم في الحكم لديهم أيضا علاقات،

السند الذي كان موجودا في بعض الأحزاب في المعارضة اهترأ. في مقابل ذلك المساندون للسيد حفتر هم صنفيان: مساندون في الداخل ومساندون في الخارج، الداخل بدأ يتعاظم عدد المساندين له لأنهم ضجوا من حالة اللادولة واللأمن واللاقتصاد، والمساندون من الخارج يقومون بمساندة معنوية ولا يمكن أن نقول أنها مساندة مادية.

الآن على الميدان، الشق الذي وراء السيد حفتر يحظى بمساندة من الداخل بدأت تتعاظم مقارنة بما قام به في المحاولة الأولى في شهر أوت. وتتذكرون في شهر أوت عندما قام بإصدار بيان، كان السيد علي زيدان يتهكم ويقول: "هذا الشخص لا يستطيع أن يدخل المدينة".

اليوم السيد علي زيدان هو في صفه، فبالنسبة له هذه المحاولة الثالثة والأخيرة التي لها حظوظ كبيرة لتنجح. لأنها استغلت بؤس الوضع في الداخل أمنيا واقتصاديا، واستغلت بداية انهيار المساندين للحكومة وللتنظيم الدولي للإخوان والتنظيمات الجهادية، وحتى قطر أيضا لم تعد في موقع مريح لكي تستمر في دعمها لتلك المجموعات التي دعمتها في أول الثورة الليبية.

السيد حفتر يحظى بكل الدعم، إذ كل يوم يدخل معه شق إما من الجيش، وإما من الميليشيات، أو من القبائل، بالإضافة إلى الدعم الخارجي الذي يسانده.

هناك واقع قائم، وتوجد حكومة لا تزال ممسكة نظريا بشؤون الحكم، وقد طرحت في المدة الأخيرة على السيد حفتر حلا وسطا، أن تعتبر البرلمان في حالة عطلة في انتظار الانتخابات القادمة. ومع ذلك هناك رفض لهذا المقترح.

أعتقد أن هذه المطالب سواء من المعارضة أو من السيد حفتر يمكن أن تصل إلى نوع ما من التوافق، أولا لأن المجموعة التي تمسك الحكم ليس لها حل إلا أن تتنازل. ولم تعد لا التحولات الإقليمية ولا الوضع الداخلي يسمح لها بأن تفرض رأيها.

أما المعطى الثاني، فهؤلاء الذين في الحكومة سيقبلون بنتائج الحوار الوطني، إذا ما وقع الاتفاق، وقد بدأت العملية عندما جاء السيد فضيل إلى تونس، وبدأ البحث عن قنوات وعن منهجية للحوار، إذن هؤلاء الممسكون بالحكم يعرفون أن المسألة لم تعد بالإمكان أن تذهب إلى تصعيد في المواقف.

السيد الغنوشي من خلال بياناته، أدان محاولة السيد حفتر، لكنه تراجع وقال أنه ينصح كل الفرقاء بتقديم التنازلات العديدة لأنه يعرف أن في هذه الفترة ليس من قدرة ولا من مصلحة التيار السياسي الإسلامي أن يتشدد في مواقفه.

 

هو أشاد بالجلوس إلى طاولة الحوار لكل الأطراف المتنازعة اليوم في ليبيا لعلهم يَصلون إلى حل توافقي؟

بالضبط، الآن يجب أن لا ننسى بأن السيد حفتر استعمل ورقة الداخل، ويمكن له أن يستعمل ورقة الخارج يوما ما، لكن الخارج ليس الدول الخارجية، بل هم الليبيون المتواجدون في تونس، هذه الورقة يمكن اللجوء إليها إذا ما تعفنت الأوضاع.

ثم أعتقد أن ورقة الليبيين المتواجدون في تونس هي مجرد سيناريو يلتجأ إليه يوما ما، لكن يبدو من المعطيات التي على الميدان في ليبيا عكس ذلك هناك ضغط كبير من طرف القبائل حول إيجاد عملية توافق وعدم الرجوع إلى الوضعية القديمة.

من سوء الحظ حزب العدالة والبناء أنه منذ فترة يؤكد ويرفض أن يدخل البرلمان في عطلة، وبهذا يعتبر قصير النظر، ولكن أتصور أن هذا الموقف يمكن أن يتغير من طرف حزب العدالة والبناء لأنه ليس لديه خيارات كثيرة أمامه.

 

سي علية أنت مختص وخبير في الجماعات الإسلامية، هل بإمكانك إعطاءنا فكرة حول طبيعة الجماعة الإسلامية المتواجدة في ليبيا؟

الجماعات الإسلامية في ليبيا عديدة:

هناك الإسلام الصوفي الذي عانى كثيرا من التيارات المتشددة، وهؤلاء في معظمهم تقريبا إلى جانب السيد حفتر.

 وهناك الإسلام السياسي الممثل في حزب العدالة والبناء الذي كانت له نوع من المصداقية في الانتخابات السابقة لكنه بدأ يخسر كثيرا على الميدان خاصة بعد أن دخل التنظيم الدولي للإخوان في أزمة كبيرة، ونحن نعرف أن حزب العدالة والبناء مرتبط ارتباطا قويا بتنظيم الإخوان المسلمين.

إن الصورة التي يحملها الشارع الليبي عن تنظيم الإخوان ليست جيدة، أعتقد أنه لو تكون هناك انتخابات نزيهة دون أي تدخل، لن تربح جماعة الإخوان، هي جماعة قديمة واضطهدت في عهد القذافي لكن الآن نقص بريقها وبدأت تنحصر في المرتبطين بها مصلحيا.

التيار الإسلامي السلفي يتكون من السلفية العلمية والسلفية الجهادية، السلفية العلمية هي الأكثر انتشارا في ليبيا وتبقى تيارا دعويا وتساند المرشح لأسباب قبلية ولأسباب دينية، ليس لديها تنظيم سياسي مهيكل (مثلها مثل السلفية العلمية المتواجدة في تونس كبشير بن حسن وغيره..) ولا تلتجئ إلى العنف والقتل لكن تجد داخلها أحيانا من هو متشدد في مسألة التكفير أو غير ذلك، الغالب في السلفية العلمية أنها لا تتجه إلى العنف ولا إلى الحسم العسكري.

لكن السلفية الجهادية هي المعضلة في ليبيا اليوم، فهي الأكثر قوة وهيكلة، والتيار الجهادي ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

هناك الخلايا القاعدة يتضمن عناصر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، رئيسها وأميرها أبو مصعب عبد الودود، وهناك تيار أنصار الشريعة، وأيضا الكتائب المسلحة التي لها علاقة بالقاعدة مثل كتيبة عقبة ابن نافع، هم يشتغلون مع القاعدة ولكن لديهم نوع من الاستقلالية.

الطيف الجهادي في شمال إفريقيا كله انصب في ليبيا، والذي جعل هؤلاء الجهاديين يجدون في ليبيا الملاذ، الإستراتيجية التي وضعتها القاعدة منذ بداية الربيع العربي والتي مع الأسف لم تنتبه إليها حكومة الترويكا أو لربما لم تقدر التقدير الجيد هذه الوضعية الجديدة.

بعد الربيع العربي قررت القاعدة أن تنشأ بما يسمى المثلث الجهادي الذي يربط تونس وليبيا والجزائر.

 

ما مدى تأثير ما يحدث في ليبيا على الجزائر سيما أن الكل يعرف أن هناك أطماعا خفية لجهات خفية؟

أعتقد أن الربيع العربي بدأ بريئا ولكنه بعد أسابيع قليلة وقع توظيفه من الداخل والخارج، الشعب التونسي عندما خرج كان صادقا في رغبته في بناء الدولة الديمقراطية والتغيير، لكن بعد ذلك دخلت القوى العظمى ودخلت التيارات الدينية لتغير مجرى هذا الربيع العربي.

هذا الربيع العربي الذي أراد له التونسيون أن يكون تونسيا يؤدي إلى الديمقراطية هو ليس الربيع العربي الذي تنظر له بعض القوى الدولية أو بعض القوى الإقليمية.

 

كيف تنظر القوى الدولية للربيع العربي؟

هؤلاء ينظرون للربيع العربي على أنه سيمكنهم من وضع اليد على منطقة شمال إفريقيا.

المغرب قامت بتغييراتها مبكرا ونقحت الدستور ومكنت حزب العدالة والتنمية من أن يكون في الحكم. في تونس الظروف خدمت لصالح النهضة لعدة أسباب معروفة منها حل الحزب الحاكم، أيضا النهضة كانت تحظى بنوع من التعاطف الشعبي.. إلى غير ذلك، ليبيا بطبيعة الحال لم يقع زعزعتها إلا بتدخل الناتو، كان هناك مخطط واضح لإخضاع المنطقة، ليبيا لم تحرر بسهولة يجب أن تحرر بقوة، والملاحظ هنا أنّ الدول التي كان فيه تدخل خارجي كانت هي الأصعب، في الوقت الحاضر لم تستطع لا بناء دولة ولا بناء ديمقراطية.

وهو نفس الشيء نقيسه في سوريا، لا نتصور أن سوريا حتى ولو وقعت انتخابات ستصبح دولة ديمقراطية، انظروا إلى العراق، نفس الشيء، رغم أن العراق بدأ يتعافى من مشاكله القديمة لكن دفع ثمنا باهظا حتى يعيد بناء دولته ومؤسساته، من بين الأهداف التي كانت منصبة في هذا الربيع العربي هو الوصول إلى الجزائر البلد الغني بالثروات النفطية وبالغاز وربما بمواد أولية أخرى. والجزائر من حسن حظها أنها جربت هذه التيارات الدينية في أول التسعينات، وحصل نوع من التلقيح الشعبي مع العلم أن الجزائر تحتاج إلى إصلاحات هامة في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لكنها في رأيي لا تحتاج إلى ربيع عربي مثلما شهدته ليبيا أو مناطق أخرى، فالذي كان مقصودا بهذا الربيع العربي هو أن تكون لك يد في هذه القارة تبدأ من شمال إفريقيا.

 

هل تعتبر أن تونس هي نقطة عبور بالنسبة للجماعات الإسلامية؟

أنا أعتقد بنسبة أكثر من 60% أن تونس كانت كمنطقة عبور، أولا هم يعرفون أن القاعدة لا يمكن لها أن تستقر في تونس. وكما قلت منذ قليل المثلث الجهادي يستهدف الجزائر بدرجة أولى، لأنهم يعرفون أن القاعدة لا يمكن لها أن تستقر في تونس، باعتبار الجغرافيا لا تسمح بذلك، وهذا المثلث الجهادي تم بمباركة من الظواهري، وقد قام هذا الأخير بتصريحات يشكر فيها هذا الربيع العربي، وكان لهم أمل أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي أصبحت تحكم في تونس وفي ليبيا وفي مصر ستساهم كثيرا في عمل هذه المجموعات السلفية.

أعتقد أن الحرب الأهلية هي إحدى السيناريوهات المطروحة في ليبيا، ولكنها إلى حد الآن سيناريو ضعيف، وهناك سيناريوهان للخروج من الأزمة الليبية:

الأول: هذه التطورات الأمنية والصراعات ستأخذ أسابيع وبهذا تصبح الأمور تحت السيطرة، عندما تصبح عملية حسم النزاعات لمدة أشهر عند ذلك يمكن أن يكون لها تداعيات على تونس، ويمكن أيضا أن تقود إلى حرب أهلية.

لكن في ظل الأخبار الحالية هناك قرارات من بعض الجهاديين بالخروج من البلاد، وهناك مساع تبذلها بعض شخصيات إخوانية ومن بينها في تونس لإقناع حزب العدالة والبناء بالدخول في التفاوض الجدي أي في تقديم تنازلات. في صورة إذا وقعت هذه المبادرات يمكن أن لا يتجاوز الصراع بضعة أسابيع ولكن النهاية في آخر المطاف ستكون حتما لصالح التيارات الديمقراطية والليبرالية.

 

لماذا جَزَمْتَ بأن النهاية ستكون لصالح التيارات الديمقراطية والليبرالية؟

أولا أنا قلت لك التحولات الإقليمية لا تسمح، أجوار ليبيا لن يسمحوا بحكم شبيه بالحكم الحالي في المستقبل، الإسلاميون الذين كانوا هم وكتلة وفاء الأغلبية في المؤتمر الوطني ستكون شعبيتهم أقل، لهذا هم الذين يرفضون قرار بوسهمين بإعطاء عطلة للبرلمان، لماذا؟ لأنهم يعرفون أنّه في حالة إعادة الانتخابات سوف يخسرون.

أكثر من ذلك، قبل أن يقوم السيد حفتر بمبادرته الأخيرة، لديّ معلومات، أن التحضيرات للانتخابات البلدية في ليبيا لو وقعت سوف يخسر التيار الإسلامي.

فلهذا قلت لك الخارطة السياسية في ليبيا الآن ستتغير، لكن ما هو مطلوب من التيار الإسلامي الذي يحس أنه فقد شعبية أو نقصت شعبيته؟ هنا سوف يأتي الرهان الكبير، هل يقبل التنازلات مثلما فعلت النهضة في تونس، أو يأخذ جانب التصعيد، ويحمي أكتافه بأنصار الشريعة ظنا منه أن هؤلاء يستطيعون أن يوصلوه إلى بر الأمان؟

الآن هناك نقاش حول هذا، لأن الذين يتواجدون في المؤتمر الوطني ليسوا هم الجهاديون، هناك بعض الجهاديين لكن هم من التيارات المهيكلة مثل تيار العدالة والبناء الإخواني ومثل أيضا وفاء.

هؤلاء من الناحية الشعبية فقدوا الكثير، وبالتالي هم يفكرون: هل أن هذه التنازلات التي يقدمونها ستحميهم وستجعلهم حزبا أقلية في ليبيا أو لا؟ هذا هو الذي تحاول فعله بعض القوى التي تتوسط في النزاع، ويحاول بعض زعماء القبائل التدخل لإقرار نوع من التوافق. لأن المتوقع أنّ جماعة حفتر أو غيرهم لا يرفضون صندوق الاقتراع. لو كانوا يخافون لقاموا بالعملية العسكرية وأكدوا أنهم سيبقون في إطار مجلس قيادة ثورة، لكنهم يعرفون أنه على الميدان هناك ضرورة وحاجة كبيرة لتغيير الوضع الحالي في ليبيا، وتجاوز الطبقة السياسية الحالية الحاكمة والتي تتركز في معظمها حول كتلة العدالة والبناء وكتلة وفاء.

ولهذا نحن قلنا مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة أصبحت تكتنفه نقاط استفهام كبيرة. إن إمكانية سقوط هذا النموذج في ليبيا تجعل الإسلام السياسي يدخل إلى طور المعارضة وسيصبح أول تجربة فاشلة للحكم بعد الربيع العربي.

 

هل ترى اليوم بعد كل هذا المشهد الذي رأيناه في سوريا وفي ليبيا وفي مصر وفي تونس أيضا أن التشبث بعدم اللجوء إلى الحل الأمني يبقى واردا؟

أنا أعتقد أن الحلول الأخرى أكثر من مُلحة وهذا ولا يتضارب مع بقاء الحل الأمني، لكن قلت أن الحل الأمني ليس هو الخيار الأوحد، الحل الأمني يبقى ضرورة، فالذين يعودون من سوريا أو من ليبيا إلى تونس لا يجب أن نتعامل معهم مثلما كنا نتعامل في السابق، يعني يقع الإفراج عنهم من السجون دون ملاحقة. لا، كل هؤلاء الجهاديين الذين يعودون إلى أرض الوطن مهما كان البلد الذي مارسوا فيه الجهاد سواء العراق أو ليبيا أو سوريا أو غير ذلك، يجب أن يخضعوا إلى تحقيق أمني دقيق مع الحفاظ على حقوق الإنسان بدون إهانة وبدون تعدٍّ على الحقوق. يجب أن يكون هناك تحقيق لمعرفة الأسلحة التي تدربوا عليها؟ وما هي الأماكن التي قاتلوا فيها؟ وما هي المجموعات التي كان ومنضوين تحتها؟ لأنه هناك فرق بين أن تحارب مع الجيش الحر أو مع النصرة أو مع داعش إلى غير ذلك.

يجب إجراء تحقيق أمني مفصل في كل صغيرة وكبيرة حول مسارهم الجهادي، ثم يبقون تحت الرقابة الأمنية لمدة معينة تقدرها السلط الأمنية. ليس بالشكل المزعج لكن يبقى دائما مطلوبا، إذ يجب أن يروهم مرة كل شهر ويتحدثوا معهم..

فالذين يتعاملون مع التيارات الجهادية يتعاملون معهم بأساليب شتى، مثلا يخدرونهم بالقنب الهندي (الزطلة) أو المخدرات، وهناك من يقومون لهم بغسيل دماغ، هناك العديد من الأشياء يمكن أن يقع التأثير بها على هذا الجهادي.. إنه عالم كامل.

أنا كانت لي الفرصة بأن أستمع إلى اعترافات تونسيين عائدين من سوريا، من صحفيين أجانب، وسأكتب عن ذلك الكثير، لأنه فيها أشياء تستطيع أن تفهم هذه التركيبة ولماذا هؤلاء الأشخاص يصبحون أشداء في القتل وفي الذبح.

 

لماذا؟

من بين هذه الأسباب: غسيل الدماغ، القنب الهندي (الزطلة) زد عليهم الأمور المادية، سيعيشون في هذه الحالة ضمن مجتمع مصغر.

 

هل الزطلة أيضا تدخل في الحساب؟

طبعا، معظمهم يتعاطون الزطلة ، هذا بشهادة تونسي سمعته.

 

يقع ترويضهم بالزطلة؟

ربما أنا لا أعمم على الكل، لكن ما سمعته من البعض هذا هو الموجود، لدى تسجيلات صحفيين أجانب، تفهم من خلال هذا أن هؤلاء الذين خضعوا لعملية غسل الدماغ والزطلة والمال والتهديد.. وبالتالي لا يصبح لديهم خيار إلا ذاك الطريق، ولهذا السبب هناك أشخاص عندما وجدوا إمكانية للهروب، هربوا، وهذا لم يكن متوفرا إلا في الأشهر أو الأسابيع الأخيرة.

 هذه الظاهرة لم يكن يعلمها التونسيين كثيرا، لأنه يوجد تجار الموت، أنا سميتهاl’industrie jihadiste أي الصناعة الجهادية. الناس الذي ينتدبون هؤلاء الشباب يعطون إليهم وإلى عائلتهم أموالا.

المقاربة الأمنية تبقى قائمة، لكن يوجد أشخاص تنفع معهم المقاربة الإيديولوجية، نحن لا نؤمن أن كل الناس الذين خضعوا للمراجعات الداخلية أصبحوا تائبين، يوجد جزء من الجهاديين مغرر بهم، الأشخاص الذين بيدهم خيوط اللعبة ليسوا هم من يجاهدون، إذن إذا يجب إقناع هؤلاء الناس بالتخلي عن هذه الفكرة، والقيام معهم بمراجعة للأفكار هذا ما يسمى بالتأهيل الإيديولوجي. أما التأهيل الاجتماعي فيمثل في أن تمكنه من رأس مال (ما بين 30 أو 40 ألف دينار) لكي يبعث مشروعا ولا يظل مهمشا. إذا حسبنا الجهاديين في تونس فإنهم لا يتجاوزون 3 آلاف مجاهد، ما قيمة 3 آلاف بالنسبة لدولة تخصص لكل واحد منهم 50 ألف دينار؟ يبقى منهم 15 أو 20 ألف متمسكين بأفكارهم، هنا تكون كدولة حيدت 80% أو أكثر. وهذا ينقص العديد من المشاكل، ووقتها في مقدورك أن تطبق القانون بصرامة على كل شخص، وتكون أيضا فتحت الباب لكي تؤهلهم لأن جزء منهم ضحايا التهميش الاجتماعي والاقتصادي والفكري.

وهناك ناس غرر بهم من خلال خطاب الأئمة في الجوامع، كان الأجدر أن يطبق على هؤلاء الأئمة القانون ويحاسبون لأنهم يقومون بتجيشهم ويرسلونهم إلى الجهاد، وبعد خروج مئات الأشخاص للجهاد الدولة أخذت قرار بمراقبة الأئمة !!

المراجعة الداخلية للأفكار تتم بحضور علماء دين وعلماء اجتماع وعلماء النفس، وتصدر عنها بيانات وتقع الموافقة عليها، وقتها تكون ضمنت الـ 3000 أو 2800 جهادي بأن يعود إلى نفس الطريق.

أنا أعتقد أيضا بالنسبة للوضع في ليبيا، ورغم الظلام والعقد الكبيرة، هناك بصيص من الأمل، لأن الشعب الليبي مثل الشعب التونسي يحب أن يعيش، يحب أن يتلاءم مع الحداثة. صحيح أن القدافي ديكتاتور لكن الليبيين الذين نعرفهم لا يبتعدون عنا في تصورنا للحياة، وبالتالي هؤلاء في كل الأحوال لن يذهبوا إلى التطرف. الحسابات الجيواستراتيجية في المنطقة بدأت تتغير، من كان يتخيل أن تصرح أمريكا بأن الحرب في سوريا سيكون لها حل سياسي وليس عسكريا؟ ومن كان يتخيل أن سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية يستدعي وزير الخارجية الإيراني؟ من كان يتخيل أن مصر بعد حكم مرسي ستقف الند للند للغرب وأمريكا، عندما نعود إلى عام للوراء لم يكن هذا موجودا. نفس الشيء بالنسبة لشمال إفريقيا وبالنسبة إلى ليبيا. الآن أعتقد أن العجلة دارت ولن تعود إلى الوراء، ولن يعود النظام السياسي القديم إلى حاله، ستكون هناك توافقات وشبح الحرب الأهلية مازالت حظوظه ضعيفة.