في محاولة لإنقاذ الأرواح، تخطط منظمات الإغاثة في جمهورية أفريقيا الوسطى لما يعتبر أول محاولة لها لإعادة توطين الجالية المسلمة داخل البلاد بدلاً من خارجها.

وقد دأبت هيئات الإغاثة، بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لعدة أشهر على مساعدة المسلمين لمغادرة البلاد، ولكنهم يقومون الآن بتنظيم عملية الانتقال الداخلي.وتستهدف الخطة ما يقرب من ألف مسلم الذين حوصروا داخل مجمع مدارس في بوسانغوا (350 كيلومتراً شمال العاصمة بانغي) وتهديدهم من قبل ميليشيات مكافحة البالاكا، لتتم إعادة توطينهم في بلدة باوا التي تقع على بعد نحو 175 كيلومتراً إلى الشمال الغربي وحوالي 70 كيلومتراً من الحدود التشادية.

وأخبر عبده دينغ، منسق الشؤون الإنسانية لجمهورية أفريقيا الوسطى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) خلال زيارة لباوا في 15 مارس: "أمام هؤلاء الناس خياران فقط. إما أن يبقوا حيث هم وقد يتعرضون للقتل أو أن يتم نقلهم. لكنهم أعربوا عن رغبتهم الشديدة في الخروج من بوسانغوا، وعندما سألناهم أين يودون الذهاب أشاروا إلى بلدة باوا".وأضاف قائلاً:" لقد تحدثنا إلى السلطات المحلية في باوا للحصول على موافقتهم لاستضافة هؤلاء وحصلنا عليها، وحددوا مكاناً يمكنهم الذهاب إليه. نحن في مرحلة التخطيط ونأمل خلال الأيام أو الأسابيع القادمة أن نكون قادرين على مساعدة هؤلاء الناس في الخروج من بوسانغوا".وعلى عكس معظم المدن الأخرى في غرب جمهورية أفريقيا الوسطى أياً كان حجمها، لم تشهد باوا قتالاً بين مقاتلي السيليكا السابقين الذين يشكل المسلمون غالبيتهم، وميليشيات مكافحة البالاكا الذين ينتمون في غالبيتهم للمسيحية أو المذهب الروحي، خلال الأشهر القليلة الماضية، وتجنبت العنف الطائفي.

وذكرت مصادر محلية أنه كرد فعل للعنف في المناطق المجاورة، غادر معظم المسلمين في باوا (الذين قدر عددهم بنحو ألف شخص في 2013) إلى تشاد أو الكاميرون، ولكن بقي حوالي 50 من أرباب الأسر، وعاد عدد قليل آخر.وقال عمر محمد، وهو تاجر مسلم في سوق باوا: "إن الوضع الأمني جيد هنا. وسيكون المسلمون من بوسانغوا موضع ترحيب".وتشير تقارير وكالات الأمم المتحدة أن المدارس لا تزال تعمل في باوا، على النقيض من معظم منطقة شمال غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، ويبدو أنه يتوفر في السوق المحلية مجموعة متنوعة من المواد الغذائية.

كما لا تزال القليل من الماشية ترعى على العشب الجاف في المدينة، في حين اختفت الماشية من العديد من المدن الأخرى في غرب جمهورية أفريقيا الوسطى بعدما طردها الرعاة المسلمون بعيداً أو حرضوا على سرقتهم.وأخبر دينغ شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه لا بد من القيام بتحضيرات من أجل مساعدة المسلمين في إعادة التوطين هناك. وأضاف: "نحن بحاجة للعمل على مجالات مثل الوصول إلى المياه والتعليم، وإعطاء هؤلاء الناس فرصاً للحصول على وظائف أو للعمل في الزراعة، ولكننا نعتقد أننا وجدنا حلاً لإنقاذ هذه المجموعة".وتتواجد حالياً أربع منظمات غير حكومية دولية في البلدة. وقال بيتر نوسل من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن هناك حاجة لتنفيذ تعهدات التمويل حتى يتمكنوا من توسيع نطاق وجودهم.

ملاذ آمن

وعندما سئل لماذا لم تتعرض باوا لهذا النوع من العنف الذي اجتاح بقية غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، ذكرت المصادر المحلية عاملاً آخر يميز البلدة عن غيرها وهو أن لها جماعة متمردة خاصة بها.ويعتقد أن جماعة ثورة العدالة Révolution Justice تتألف من حوالي 200 مقاتل كانوا فيما سبق جزءاً من جماعة مسلحة يطلق عليها اسم APRD تشكلت في عام 2003 عندما هاجمت قوات الرئيس فرانسوا بوزيزيه الذي أسقطه المتمردون هذه المنطقة.

وقد عزت رئيسة لجنة السلام والوساطة المحلية، سيلين ناديكوما، الاستقرار في المنطقة لقوتين: بعثة المساندة الدولية التي يقودها أفارقة في جمهورية أفريقيا الوسطى وبعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي التي نشرت قوات من 150 جندي في باوا، وجماعة ثورة العدالة التي أشارت إلى أنها ثقل مقابل لجماعة السيليكا، التي استولت على الحكم في بانغي في مارس 2013 وفقدت السيطرة على غرب جمهورية أفريقيا الوسطى خلال الشهرين الماضيين.وأضافت سيلين قائلة: "هذا هو السبب في محاولة جماعة السيليكا تأديب مقاتليهم هنا ومراقبة انتهاكاتهم، لأن مجموعة أخرى كانت تتصدى لهم هنا".ويعني ضبط النفس الذي تقوم به جماعة السيليكا نسبياً في باوا أن السكان أقل ميلاً إلى الانتقام من المسلمين عندما غادرت جماعة السيليكا وأن جماعة ثورة العدالة كانت قادرة على منع تحريض ميليشيات مكافحة البالاكا على العنف.

من جهتها، أثنت بريسكا نجافوجرا، مسؤولة برنامج المفوضية في البلدة، على عمل لجنة السلام والوساطة المحلية، التي أنشئت بتشجيع من قائد جماعة السيليكا المحلية وساعدت على مراقبة الانتهاكات.وقد أقرت أن جماعة ثورة العدالة قد ساهمت أيضاً في تحقيق الأمن، من خلال كونها ثقل مقابل لجماعة السيليكا والميليشيات المناهضة للبالاكا.وأضافت: "نعم، هذا صحيح. تقول هذه المجموعة أنها حامية للمدنيين وحتى الآن سمعنا تقارير قليلة جداً عن الانتهاكات التي ترتكبها".مع ذلك، قال مصدر بالأمم المتحدة أن حادثة وقعت مؤخراً قامت جماعة ثورة العدالة بتنفيذ عملية انتقامية في قرية بعد مقتل أحد أفراد الميليشيا هناك، "وكان هناك ضحايا من المدنيين