مع بداية هذا العام وفي  9 يناير، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، خلال مؤتمر صحفي من العاصمة روما عن تحديد خمس دول جديدة لضمها إلى خطة "ماتي" وهي أنجولا، غانا، موريتانيا، تنزانيا والسنغال. وقالت في خطابها: " إحدى التحديات التي أمامنا في عام 2025 هي توسيع خطة ماتي، وبالتالي تحديد بلدان جديدة يمكننا أن ننقل إليها مبادراتنا ومشاريعنا".

ومنذ توليها لمنصبها، شرعت السيدة ميلوني وحكومتها للترويج لخطة "ماتي" التي تهدف في المقام الأول حسب قولها للتصدي لأمواج الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وإيطاليا. وعلى الرغم من ان الخطة في ظاهرها تحمل الحلول، إلا انها في الواقع تُحمل دول إفريقيا وعلى رأسها ليبيا عبء حل هذه المشكلة وتوطين المهاجرين في مناطق بعينها كما أكد حزب الشعب في ليبيا عن خطط روما لتوطين المهاجرين في جنوب البلاد.

وقالت ميلوني حينها أن الخطة الإيطالية مبنية على أساس خمس ركائز رئيسية: التعليم والتدريب، الزراعة، الصحة، الماء والطاقة. وتعد الركيزة الأخيرة هي أكثر ما يهم رئيسة الوزراء الإيطالية، إذ تسعى لتحويل بلادها إلى مركز للطاقة وإخضاع دول القارة العجوز للاعتماد على روما.

الشكوك حول هذه الخطة ظهرت منذ البداية بسبب الاسم الذي تحمله وهو لقب، إنريكو ماتي، مؤسس شركة النفط الإيطالية "إيني"، ناهيك عن خطط التمويل التي تم الإعلان عنها، فعلى الرغم من أن الهدف المعلن هو وقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، إلا أنه ومع مرور الوقت تبين أن الهدف هو الاستفادة من ثروات دول القارة السمراء من الغاز والنفط، وليبيا خير مثال على ذلك.

الباحث السياسي والخبير الاقتصادي، علي جبران، علق على سلبيات خطة "ماتي" منذ اليوم الأول وقال: "إن ليبيا ستعاني اقتصادياً وسياسياً من هذه الخطة وقد ينتهي الأمر بزيادة التواجد العسكري الأجنبي في البلاد بدلاً من إنهائه"، فعندما وقعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا اتفاقية بقيمة 8 مليارات دولار مع شركة "إيني" الإيطالية لمدة 25 عاماً، خلال زيارة ميلوني إلى ليبيا في يناير 2023، ومن بعدها جاء الفيلق الأوروبي غرب البلاد.

وقال جبران أن خطة "ماتي" تسعى لتعزيز التعاون بين أوروبا وإفريقيا، وبالأخص في مجالات التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، وتحمل آليات تمويل متعددة تهدف إلى دعم المشاريع الاستراتيجية في ليبيا وإفريقيا ومع ذلك، فإن هذه الآليات تحمل مخاطر قد تؤثر على السيادة الاقتصادية والمالية لليبيا.

حيث تتضمن الخطة مزيج من المنح والقروض عبر التحويلات الأوروبية عبر إعلان الشراكة بين إيطاليا وليبيا أولاً ومن ثم مع إفريقيا. هذا النوع من التمويل يحمل عدد من المخاطر أهمها أن المشاريع ستصمم بما يتماشى مع أجندات الدول الممولة بدلاً من الأولويات الوطنية واستخدام الموارد الليبية كضمان، وهو ما حدث بالفعل في ليبيا.

إيطاليا التي وقعت اتفاقاً نفطياً مع ليبيا بقيمة 8 مليار دولار، وهو رقم أكبر من الميزانية المعلن عنها في البداية على لسان ميلوني والتي تقدر بـ 6 مليار دولار، لم يقم في الواقع بدعم الاقتصاد الليبي أو حتى إنعاش قطاع النفط، بل على العكس زادت الأوضاع سوءً وانعكس الأمر بشكل واضح على الوضع الأمني في البلاد، حيث شهدت حقول النفط الليبية عدداً من الإغلاقات بسبب رفض الشعب استغلال الثروات الليبية لغير الصالح الليبي.

أما بخصوص الهدف المعلن من الخطة الرامي لمجابهة أزمة الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا، فالوضع لم يتحسن بل زاد عدد المهاجرين نحو القارة العجوز، على الرغم من ادعاء إيطاليا لتقديمها الدعم المادي والتدريبي اللازم لخفر السواحل الليبية.

وبحسب أرقام صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، فإن 31 شخصا اختفوا أو قضوا في البحر الأبيض المتوسط منذ بداية العام أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، الأمر الذي يراه الخبراء دليل على أن التواجد الإيطالي في ليبيا لا يعمل بكفاءة من أجل مكافحة الهجرة.

وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي والخبير في الشأن الداخلي الليبي، علي خلدون، أن إيطاليا وبعدما نجحت في التلاعب بحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وتوقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات وطويلة الأمد في البلاد وإدخال قوات أجنبية جديدة تُعرف بالفيلق الأوروبي تقودها روما وتعمل على حماية حقول النفط التي تعمل فيها شركة "إيني" الإيطالية، تسعى اليوم للمضي قدماً نحو دول إفريقيا بنفس الخطة ونفس المبدأ وهو تطبيق خطة "ماتي" الاستعمارية.

وخطة "ماتي" نسبة إلى الإيطالي "إنريكو ماتي"، مؤسس شركة إيني النفطية، تكشف بشكل كبير عن الأطماع التي تحملها حكومة "ميلوني" ليس في ليبيا فحسب بل في عدة دول الأفريقية، معتمدة على غطاء مكافحة الهجرة "غير القانونية" إلى أوروبا، وإن كانت هي هكذا في ظاهرها فأنها في الواقع تُحمل دول إفريقيا وعلى رأسها ليبيا عبء حل هذه المشكلة وتوطين المهاجرين في مناطق بعينها كما أكد حزب الشعب في ليبيا عن خطط روما لتوطين المهاجرين في جنوب ليبيا وقد تمتد هذه الخطة إلى عدة دول افريقية أخرى، فعلى الرغم من أن الهدف المعلن هو وقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، إلا أنه ومع مرور الوقت تبين أن الهدف هو الاستفادة من ثروات دول القارة السمراء من الغاز والنفط، وليبيا خير مثال على ذلك، وبذلك فأن الإدارة الإيطالية الجديدة تسير على نهج تلك الإدارة التي جاءت بالغزو الإيطالي إلى ليبيا قبل ما يزيد عن مائة عام عندما مهدت لاستعمار ليبيا عن طريق تغلغل "بنك دي روما" في ليبيا قبيل وصول أساطيلها وبوارجها الحربية سنة 1911.