تتصاعد مخاوف بعض الدول مؤخرا من بقاء رعاياها في العاصمة الليبية، بسبب تردي الأوضاع الأمنية وتواصل التهديدات بعودة العنف مع انتشار المليشيات المسلحة في المدينة، وهو ما قد يجعل الرعايا الأجانب عرضة للاستهداف من طرف الجماعات المسلحة، ولعمليات الإختطاف والقتل على يد التنظيمات الإرهابية.
وتدفع هذه المخاوف بدول عديدة إلى تشديد منع السفر إلى لأراضي الليبية، وهو ما أكدته مجددا وزارة الخارجية البريطانية، اليوم الأحد، عبر سفارتها في طرابلس، والتي حذرت رعاياها المتواجدين في العاصمة الليبية ، من خطر شن هجمات إرهابية، داعية إياهم إلى "مغادرتها على وجه السرعة".
وأوضحت السفارة أنّ "هذه التحذيرات دأبت السفارة على توجيهها منذ العام 2014 بين الحين والآخر، وذلك على خلفية الحالة الأمنية الهشة في طرابلس، والتي يمكن أن تتطور إلى صراع مسلح واشتباكات دون سابق إنذار". وأشارت إلى أنّه من "المرجح أن يحاول الإرهابيون شن هجمات في العاصمة الليبية".
وأكدت الخارجية البريطانية أنّ "الدعم القنصلي غير متوفر من قبل الحكومة البريطانية في ليبيا، حيث لاتزال السفارة البريطانية في طرابلس مغلقة، وبالتالي فإن الخارجية البريطانية غير قادرة على تقديم الدعم القنصلي، أو أي شكل من أشكال المساعدة". كما نصحت الخارجية البريطانية مواطنيها بضرورة اللجوء إلى القسم القنصلي البريطاني في تونس، عبر رقم تم وضعه في موقع الخارجية البريطانية.
وكانت السفارة الأمريكية، قد حذرت قبل ذلك من وقوع عمليات إرهابية في العاصمة الليبية. وأشارت إلى وجود طرود مفخخة أمام البريد المركزي بطرابلس، داعية المواطنين الامريكيين الى عدد من الإجراءات الواجب اتخاذها منها تجنب المناطق المحيطة بالحكومة والمباني والمؤسسات الوطنية الأخرى خاصة قرب مكتب البريد المركزي . كما طالبت السفارة رعاياها بمتابعة وسائل الإعلام الليبية المحلية للحصول على التحديثات الإعلامية للاوضاع الأمنية في محيطهم ، وفقاً لنص ذات الرسالة.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت تشير فيه تقارير متتابعة إلى وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش أو لجماعات متشددة أخرى تتصيد الفرصة المناسبة لشن هجمات ارهابية تستهدف تقويض الأمن وارباك عمل القوات الليبية. ورغم أن وتيرة العمليات الإرهابية إنخفضت في بشكل كبير في ليبيا، إلا أن خطر الإرهاب لايزال يتربص بعدد من المناطق مهددا باراقة المزيد من الدماء.
وسبق أن تعرضت العاصمة الليبية لهجمات ارهابية استهدفت مؤسسات حكومية، على غرار الهجوم الارهابي على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بغوط الشعال طرابلس، والهجوم على مقر المؤسسة الوطنية الليبية للنفط في العاصمة، واستهداف مقر وزارة خارجية حكومة الوفاق الوطني الليبي، في شارع البحر وسط طرابلس. وقد أسفرت هذه الهجمات عن خسائر بشرية ومادية كبيرة وألقت الضوء على تجدد العنف.
وتشهد العاصمة الليبية، بين الحين والآخر إشتباكات عنيفة في ظل تواصل إنتشار الميليشيات المسلحة فيها. وكان آخرها ما شهده محيط منطقتي السياحية وجنزور غرب العاصمة الليبية، خلال الأيام الماضية، من توتر أمني في ظل الإشتباكات العنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين الميليشيات المسلحة في أحدث مؤشر على انهيار الهدنة الهشة التي رعتها البعثة الأممية بين الأطراف التي تتنازع على مناطق النفوذ والسلطة طرابلس.
ورغم الحديث عن تحسن في الأوضاع الأمنية، جراء سقوط العديد من التنظيمات الإرهابية وتراجع نفوذ الميليشيات المسلحة، إلا أن أحداث العنف مازالت تغلف المشهد الليبي مع تواصل سقوط الضحايا هنا وهناك جراء تجدد العنف. ومطلع الشهر الجاري، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إنها وثقت مقتل وإصابة 21 شخصًا من المدنيين في أعمال عنف شهدتها مناطق متفرقة من ليبيا خلال شهر يناير الماضي.
ولم تستقر الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا بعد، وإن كانت حدة المواجهات المسلحة قد خفت حدتها كثيرا عن ذي قبل، إلا أن لعنة العنف والفوضى مازالت تعيق أي محاولة لإخراج البلاد من أزمتها، في ظل تواصل وجود الجماعات المسلحة التي تمارس أنشطتها الإجرامية مستغلة حالة الإنقسام وغياب سلطة الدولة والقانون.
وتعتبر عملية استهداف الرعايا الأجانب واختطافهم شيئا مثيرا للقلق الشديد في ليبيا، فبعد الهجمات التي تعرضت لها مختلف البعثات الدبلوماسية في ليبيا وعمليات الخطف التي استهدفت موظفيها منذ العام 2011، وبسبب ازدياد أعمال العنف ضدها، قامت العديد من السفارات والبعثات الدبلوماسية بمغادرة الأراضي الليبية.
ويرى مراقبون أن اختطاف الأجانب ارتبط في ليبيا بكونه وسيلة للحصول على المال من الرهائن الأجانب لصالح الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة عن طريق طلب الفدية، وفي بعض الأحيان يمثّل وسيلة ضغط على السلطات لتنفيذ مطالب سياسية أو إطلاق سجناء، أو الحصول على امتيازات معينة خاصة إذا تعلّق الأمر باختطاف دبلوماسيين.
ورغم المؤشرات الايجابية التي باتت تظهر جليا في المشهد الليبي، إلا أن الانفلات الأمني والانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، مازال يلقى بظلاله على البلاد، مع استمرار التحذيرات من تجدد العنف الذي يطال الجميع، في ظل تواصل حالة الفوضى نتيجة انهيار مؤسسات الدولة وانتشار السلاح فيها.
وبالرغم من التفاؤل الكبير الذي يتصاعد مؤخرا في ظل الحديث عن إجراء الملتقى الجامع والذي ينتظر منه الذهاب الى إنتخابات تشريعية ورئاسية في البلاد، والذي تخللته اجتماعات عديدة وتحركات دبلوماسية محليا وإقليميا ودوليا للوصول إلي تسوية شاملة، فإن إستمرار العنف الذي يغذيه الإنتشار الكبير للسلاح وتواصل وجود الميليشيات المختلفة، يهدد بتقويض كل مساعي الإصلاح وينذر بأوضاع شبيهة بالسنوات السابقة.