رغم مرور عدة أسابيع، على وصول الخبراء الأجانب إلى نيجيريا، للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ الجارية للتلميذات اللاتي اختطفهن عناصر جماعة "بوكو حرام" منذ إبريل/ نيسان الماضي في ولاية بورنو (شمال شرق)، لا يبدو أن هناك تقدما ملموسا حتى الآن قد تم إحرازه.

فخبراء الأمن الأجانب على خلاف مع قادة الجيش النيجيري بشأن أفضل سبل القتال مع عناصر "بوكو حرام"، وفقا لمصادر عسكرية. وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال مصدر في مقر وزارة الدفاع النيجيرية: "بينما يعتقد ضيوفنا، ولا سيما الأمريكيين والإسرائيليين، أننا لا ينبغي أن نتفاوض مع الإرهابيين.. فإن قادتنا هنا يعتقدون أن التفاوض هو السبيل الوحيد لإنقاذ جميع الفتيات وهن على قيد الحياة".

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم كشف هويته كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، "نحن نتفق على أن التفاوض مع الإرهابيين ربما يعني ضعفا، لكن الحقيقة هي أن الوصول إلى هؤلاء الفتيات دون قتل أي واحدة منهن؛ وحتى نتسلمهن أحياء من خاطفيهن.. يحتم علينا التفاوض".

وكانت جماعة بوكو حرام المتشددة، أعلنت، مطلع مايو/ أيار الجاري، مسؤوليتها عن خطف 221 فتاة من مدرسة شيبوك بولاية بورنو في شهر أبريل/نيسان الماضي، واعتبرتهن "أسيرات حرب"، قبل أن تتمكن 57 فتاه من الهرب.

وفي وقت لاحق، عرض زعيم بوكو حرام، أبو بكر شيكاو، في تسجيل مصور مبادلة الفتيات المخطوفات بناشطين تابعين للحركة تحتجزهم السلطات النيجيرية. وقال رئيس أركان الجيش النيجيري، المارشال أليكس باده، مؤخرا إن السلطات تعرف مكان وجود الفتيات، لكنها حذرة بشأن عمليات إنقاذهن حتى لا تعرض حياتهن للخطر.

ولا يزال النيجيريون منقسمين بشأن إذا كان يتعين على الحكومة أو لا قبول عرض تبادل الأسرى. وفي السلطة، يبدو أن هناك انقساما حول سبل التعامل مع الأزمة، فبينما قال وزير الإعلام، لاباران ماكو، مؤخرا إن الحكومة تدرس "جميع الخيارات"، قال المتحدث باسم الرئاسة روبن أباتي إنها (الحكومة) لن تبادل سجناء "بوكو حرام" مقابل الفتيات المختطفات.

المصدر العسكري عاد وقال: "يبدو أن الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان، في حيرة بين مواجهة الواقع وإغضاب ضيوفه الأجانب". ومضى المصدر قائلا: "وبما أننا نقود عمليات البحث، فقد استبعدنا استخدام القوة، على الرغم من وضع جدول زمني"، دون أن يوضح ما المقصود بـ"جدول زمني".

ومؤكدا الخلاف حول سبل التعامل مع الأزمة بين قيادات نيجيرية والقوات الأجنبية، اعتبر ضابط عسكري كبير آخر أن مثل هذه الخلافات طبيعية، وقال لوكالة الأناضول: "لقد سلكنا هذا السبيل من قبل".

وأضاف المصدر، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، "انتهت مهمة الإنقاذ الأخيرة في (ولاية) سوكوتو  (شمال غرب) التي شاركت فيها قوة متعددة الجنسيات بصورة محرجة، حيث قتل الرهائن وخاطفيهم". وتابع الضابط: "قلنا لهم أننا لا يمكننا المخاطرة بتكرار مثل هذه التجربة مجددا".

وكان كريس مكمانوس (بريطاني الجنسية)، وفرانكو لانولينارا (إيطالي الجنسية) قتلا على أيدي خاطفيهم في مارس/ آذار من عام 2012، في ولاية سوكوتو، عندما حاولت القوات متعددة الجنسيات إنقاذهم، بعد أن اختطفا في مايو / آيار عام 2011 في ولاية كيبي شمال غرب، على يد مسلحين على صلة بجماعة "بوكو حرام".

وكان الثنائي ظهر في شريط فيديو، وناشدا حكوماتهم للتفاوض على الإفراج عنهم، لكن تلقي معلومات تفيد عن مكان وجودهم دفع باتجاه القيام بمحاولة الإنقاذ، حيث قتل جميع الرهائن قبل أن يتمكن الجنود من الوصول إليهم.   

ومضى الضابط العسكري الكبير قائلا إن "قادة مختلف قطاعات الجيش أوضحوا أن ثمة تهديد بتعرض الفتيات للقتل إذا تم اللجوء للقوة". وتابع: "أوضحوا هذا بأدب للرئيس وضيوفه من العسكريين الأجانب، إنهم يتحدثون عن وقائع محلية".

الرئاسة، من جانبها، لم تقدم اقتراحا قابلا للتطبيق بشأن تحرير الفتيات المختطفات، حسب المصدر نفسه. والفشل في تحقيق تقدم في جهود الإنقاذ يزيد من الضغوط على الحكومة لضمان الإفراج عن الفتيات بأي وسيلة ممكنة.

من جانبه، انتقد باتريك أغامبو، رئيس مؤسسة "سيكيورتي ووتش أفريقيا"، وهي شركة محلية تقدم الخدمات والاستشارات الأمنية، الدول الأجنبية المشاركة في جهود الانقاذ.

وقال في حيث لوكالة الأناضول: "تلك البلدان الأجنبية التي تتحدث عن عدم التفاوض ليست صادقة، ونحن نعلم أن في بعض الأماكن أنها (القوى الغربية) تتفاوض على الإفراج عن بعض رعاياها الذين يتم احتجازهم في بعض الحالات".

استشهد أغامبو بصفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين الولايات المتحدة وجماعة "طالبان" في أفغانستان، حيث أفرجت الولايات المتحدة عن خمسة من قادة طالبان من معتقل غوانتانامو مقابل الإفراج عن جندي أمريكي أسر قبل عدة سنوات.

وأضاف: "لذا فإن التفاوض ليس من الأمور المستبعدة إذا كنت تريد حقا أن تستعيد هؤلاء الفتيات أحياء مرة أخرى.. نحن لا نريد عودتهم موتى". وتابع: "ينبغي على الحكومة، على سبيل الاستعجال، أن تكون منفتحة للحوار والتفاوض على الإفراج عن الفتيات".

وزاد الخبير الأمني بالقول: "بالنسبة لموقع احتجاز الفتيات في ظل معرفتنا بآلية عمل المتمردين، هناك احتمال أن هؤلاء الفتيات لسن محتجزات في مكان واحد، وبالتالي فإن إمكانية العثور عليهن في مكان واحد وإنقاذهن  ضئيلة للغاية".

وأردف محذرا: "إذا اقتحمت المكان، حتى لو كنت قادرا على إنقاذ بعض منهن فربما يتعرض البعض الآخر للقتل". ومضى قائلا: "من واقع المعرفة بحرب العصابات، ربما يستخدم المتمردون الفتيات كدروع بشرية؛ وربما تنتهي عملية تحريرهن بمقتلهن".

وأوضح أن "حقيقة احتجاز الفتيات لأكثر من 50 يوما يعني أنهن ربما يواجهن مشكلات نفسية، وفي الوقت الراهن، ربما لا يضايقهم المتمردون جسديا، لكن هناك دائما الصدمة النفسية".

لكن إيكهومو أونا، وهو خبير أمني آخر، قال إنه في حين يجب أن تستكشف جميع الخيارات لتحرير الفتيات، يجب على الحكومة أيضا التعامل بحذر مع قيادة "بوكو حرام".

وأوضح في تصريح لوكالة الأناضول "أنهم (بوكو حرام) ليس لديهم تاريخ من احترام الاتفاقات".

وبلغة قبائل "الهوسا" المنتشرة في شمالي نيجيريا، تعني "بوكو حرام" "التعليم الغربي حرام"، وهي جماعة نيجيرية مسلحة، تأسست في يناير/ كانون الثاني 2002، على يد محمد يوسف، وتقول إنها تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا، حتى الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية.

وحافظت جماعة "بوكو حرام" على سلمية حملاتها -رغم طابعها المتشدد- ضد ما تصفه بـ"الحكم السيء والفساد"، قبل أن تلجأ عام 2009 إلى العنف، إثر مقتل زعيمها محمد يوسف، أثناء احتجازه لدى الشرطة.