قبل أن يختلط السياسي بالاقتصادي والنقدي بالمالي والتشريعي بالتنفيذي كانت الفرص قائمة لوضع حجر الأساس لقاعدة اقتصاد المستقبل ، والشروع بأقصى ما تتيحه الجهود في البناء والتنمية ، والتوافق بكل ما يقتضيه الحرص الوطني على نبذ الجهوية والقبلية والأيديولوجبا لمصلحة التهيئة لبناء الدولة التي يضطلع المشرع والمنفذ عبر مؤسساتها الدستورية بالتأسيس والتطوير في إطار تنمية مستدامة ينشدها الجميع بإجماع يتجاوز ما عداه من شقاق وخلاف لا ينتج سوى آثاره المعطلة للمستقبل ..... ؛ ولكن العكس تماما هو ما حدث عندما وضعت عصي السياسة في دواليب الاقتصاد التي كاد توقفه أن يأتي على النسيج الاجتماعي ويفتك بالبناء المجتمعي .. ولأن فتيل الأزمة لم ينزع بعد عقب أن سَعْرَ لهيبها الخامد وقود التمديد للمؤتمر الوطني العام ؛ فسيبقى مستقبل تعقيداتها مفتوح على كل الخيارات حتى تتوفر الأرضية المهيأة لإطلاق الحلول والانتقال نحو نهاية المرحلة الانتقالية ؛ ولعل أزمة الموانئ النفطية قد رسمت ملامح مضاعفاتها القاتمة في تصور الجميع ، وأبانت بما فيه الكفاية حاجة البلد إلى خارطة عاجلة للخروج من أزمته ، والمباشرة في التعاطي الإيجابي مع عناصر تكونها ..؛ ولأن حوارنا هذه المرة مع الدكتور عبدالسلام نصية الرئيس السابق للجنة الميزانية والتخطيط والمالية بالمؤتمر الوطني العام وأستاذ الاقتصاد والمحاسبة بالجامعات الليبية هو حوار استثنائي بكل معنى الكلمة بالنظر إلى كونه يجمع شتات الإجابة لما يدور في خلد المواطن من تساؤلات ، ويضع نقاط التعريف على حروف المعطيات في واقع تتعذر قراءة مشاهده الخفية والعلنية ؛ فلقد سعينا عبر هذا الحوار إلى أن تشمل محاورنا العديد من المسائل والقضايا التي تثير تساؤل الرأي العام...

الأيام : - الدكتور عبدالسلام نصية استقال من المؤتمر الوطني العام – سؤالنا وإن أتى متأخرا – ما هي أسباب استقالتكم ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله في البداية أتوجه بالشكر لصحيفة الأيام التي ومنذ لقائنا الأول بها نعتبرها من ضمن الإعلام الحر والمسئول ، وبخصوص الاستقالة فهي قد جاءت على خلفية خروج الجماهير المطالبة بإنهاء مدة المؤتمر ولقد كانت لدي قناعة منذ البداية بأنه عندما تخرج الجماهير إلى الشارع فستخرس الأبواق وتسقط الأقنعة ولا يكون هناك معنى لأي شيء آخر ، وكانت استقالتي هي عبارة عن وسيلة وليست غاية في حد ذاتها فهي وسيلة للضغط على أخوتنا في المؤتمر بشأن الإسراع في مسألة انتخاب مؤتمر وطني جديد أو انتخاب برلمان جديد بعد أن فشل المؤتمر الحالي وأخفق في العديد من الملفات التي كان من ضمنها الملف الأول المتعلق بتشكيل الهيئة الدستورية في موعدها ، والإخفاقات في ملفات الأمن والدفاع والأمن المحلي  وبالتالي فهذه هي الديمقراطية عندما تعمل وتحقق بعض النجاحات وتقع في إخفاق معين ؛ ففي هذه الحالة يتم اللجوء دائما إلى إعادة الانتخاب ؛ فالديمقراطية ليست مجرد محطة وصلناها عندما شكلنا مؤتمر وطني بل هي رحلة طويلة تبدأ بالتغيير إذا وصلنا في المؤتمر إلى طريق مسدود ولم يعد بإمكاننا أن نقدم شيء ، فيجب أن يأتي من بعدنا من يكمل المسيرة ويبني هذه البلد ، وهذه هي الخلفية التي قدمت عليها استقالتي  أما الجدل القائم حول التساؤل عن ما إذا كان المؤتمر انتهي في يوم 7/2 فأنا أرى بأنه لا معنى للجانب القانوني في هذا الموضوع طالما الناس قد خرجت إلى الشارع ولمن يقول بأن من خرج للشارع هي أعداد قليلة أقول له بأنه حتى ثورة  17فبراير قد خرج في بدايتها قليلون ، فأنا أسمع الناس في الشوارع والمحلات والقنوات المرئية والمسموعة ، فالكل متذمر من أداء المؤتمر ومادام الكل متذمر فنحن نحافظ على المسار الديمقراطي وننتخب والأمر ليس مرتبط بأشخاص معينين فربما من سيأتي بعدنا سيواصل المسيرة بشكل أفضل وبالفعل فهناك ملفات كثيرة لم ننجح فيها وبالتالي فليأتي غيرنا ويستكملها حتى لا تضيع البلد في خضم الأزمات .

الأيام : هناك من يعيب عليك استقالتك قبل التصويت على مقترحات لجنة  فبراير ؟

عبدالسلام نصية : - لم تكن هناك لجنة فبراير وكانت أخر محاولة هي أننا كنا ندفع في اتجاه شيئين فالشيء الأول هو ضرورة أن تكون هناك خارطة طريق وكانت مرفوضة من أعضاء المؤتمر وصدرت خارطة الطريق الأولى كما نذكر وخرجت أنا شخصيا لأنتقدها بشدة ووصفتها بأنها خارطة قطع طريق على الانتقال وليست خارطة طريق  وبعد ذلك لم تكن هناك استجابة من أعضاء المؤتمر لخارطة طريق حقيقية تنقلنا إلى برلمان أو إلى جسم تشريعي آخر وكان هناك مجرد الإبقاء على هذا المؤتمر إلى شهر ديسمبر مع إجراء إصلاحات عليه وقد كنت على قناعة بأنه لا يمكن أن يتم إصلاح المؤتمر فنحن نحتاج إلى إصلاحات جوهرية فنريد تصحيح للإعلان الدستوري والصلاحيات المتعلقة بالمؤتمر وهذا لا يتأتى إلا بتصحيح الإعلان الدستوري فكان هناك رفض كبير وكانت آخر محاولة هي محاولة طرح خارطة الطريق التي تم التصويت لها بـ164 صوت وكنا حاضرين وكان أمامنا خياران ودائما هناك من يتساءل ويقول مادمتم صوتم على خارطة طريق بهذا العدد من الأصوات فلماذا استقلتم ونقول لهم بأن في ذلك اليوم لم يكن أمامنا إلا خيارين فالتصويت كان قد سبق يوم 7 بحوالي 3 أيام فبعد جهد جهيد لم نستطع أن نتوافق إلا على تلك الورقة فإما أن نتوافق عليها ونعلنها للشعب الليبي ويقبلها وإما أن نعلن للشعب الليبي بأننا لم نتوافق في المؤتمر وبالتالي نكون قد دقينا مسمار نهاية الديمقراطية في ليبيا وسببنا مشكلة وبالتالي كان أمامنا خيار الحد الأدنى للتوافق فإذا قبله الشعب الليبي فبها وإذا لم يقبله فنحن منحازون للشعب وهذا كان قراري وبعدها رأينا بأن الشعب لم يقبل وخرج في مظاهرات ولهذا استقلنا وجاءت فيما بعد لجنة فبراير وليس قبل الاستقالة .

الأيام : - هناك انتقادات وجهت للجان المؤتمر تتهمها بالتدخل في عمل الحكومة والتسبب في إرباك عمل الوزارات والمؤسسات السيادية في الدولة . ما تعليقكم على ذلك ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كان من الضروري أن تكون هناك لجان في المؤتمر أم لا وبعدها نأتي على ممارسات اللجان وإجابتي على هذا السؤال هي نعم وذلك لأن المؤتمر الوطني العام هو مؤتمر تأسيسي وتشريعي وفق الإعلان الدستوري ومادام المؤتمر تأسيسي وتشريعي فهو بالتالي يحتاج إلى لجان تشرف على أداء الحكومة على اعتبار أن الحكومة منبثقة عن المؤتمر وبالتالي لابد من متابعة أدائها وتقديم التقارير بشأنها حتى يتم على ضوءها اتخاذ القرارات التوجيهية بشأن المتابعة لبرنامج عملها . وهل كان من الضروري أن يكون عدد اللجان 30 لجنة وإجابتي هي أن هذا خطأ وأن الحد الأقصى لهذه اللجان كان ينبغي أن يكون عشرة أو أثنى عشر لجنة وذلك لأن عمل الحكومة ليس كبيراً ولأن الدولة الليبية ليست كبيرة وبالتالي كان بالإمكان دمج اللجان وتقليصها وهذا العدد كان مصدرا لانتقاد للمؤتمر ، أما من حيث الممارسة فأكيد بأنه كانت هناك بعض اللجان وأنا لا أعمم فهذه اللجان ممكن أن تكون قد تدخلت في عمل الحكومة وذلك لأسباب منها عدم الخبرة التي قد تدفع اللجان إلى التدخل في العمل التنفيذي أكثر من اضطلاعها بالعمل التشريعي أو الرقابي وللأسف الشديد أن معظم اللجان لم تمارس العمل الرقابي فهي قد مارست العمل التنفيذي أكثر من الرقابي وهذه الممارسة حدثت وقد لوحظت لأن العمل الرقابي هو عبارة عن تقارير فلو تأتي لأرشيف المؤتمر وتبحث عن التقارير  ستجدها نادرة وخاصة منها المكتوبة فيفترض بأنه توجد تقارير موثقة عن عمل الحكومة وبناء عليها يتم الإحالة للجان التحقيق بالمؤتمر ومن تم النائب العام أو جهات الاختصاص إذا لزم الأمر وهذا للأسف لم يحدث في الغالب وهو برأيي نتيجة لقلة الخبرة بالدرجة الأولى و السبب الأخر هو الإعلان الدستوري نفسه الذي أربك مسألة السيادة مع مسألة التشريع فلو تنظر إلى الإعلان الدستوري التي تنص على أن المؤتمر يمارس السيادة ويمارس التشريع وذلك بدون فصل مما أدى إلى إرباك المشهد فالسيادة تعني الجزء التنفيذي وهو ما أدى إلى حالة مزدوجة من السيادة والتشريع ..

الأيام : البرلمان القادم سيكون كذلك انتقالياً وتأسيسياً هل تنصح بعدم استنساخ فكرة اللجان الثلاثين استنادا لما ذكرت ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - أنصح بوجود لجان ولكن ليس 30 لجنة بل لجان فنية محددة وأن تحدد اللائحة اختصاصاتها وعدد أعضائها وأن تلزم بتقديم تقارير دورية للمؤتمر وأن يتم دعمها بمستشارين فالاجتهاد بلا خبرة أمر غير صحيح ونحن كلجنة مالية تم تدريبنا لعدة مرات على مسائل تتعلق بالرقابة وللأسف لم يحضر كل الأعضاء برنامج التدريب .

الأيام : -  كيف تعاملت اللجان مع ما رصدته من تجاوزات في المؤسسات الحكومية المختلفة  ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - يفترض أن تكون هناك خطة لدى الحكومة وأن تتم متابعة هذه الخطوة من قبل لجنة مختصة لكل وزارة وعندما يحدث الخلل يحال إلى ديوان المحاسبة ويحال إلى الرقابة الإدارية وهذه تسمى أذرع الجهاز التشريعي فالرقابة الإدارية وديوان المحاسبة هي الأجهزة التي يفترض أن تمارس التحقيق أما اللجنة فتقوم بالتحقيق البرلماني إزاء بعض القضايا التي تمثل قضايا رأي عام كقضية عدادات النفط فهذه كان من المفترض أن لجنة النفط بالمؤتمر قد باشرت التحقيق علنا حتى في جلسات علنية ومنقولة عبر التلفاز يعني جلسات استماع وتحقيق إلى أن تصل إلى تقديم تقريرها الذي إما أن يحال إلى النائب العام أو يحال إلى الرقابة الإدارية فهذا الذي كان يجب أن يحدث .

الأيام : - السؤال المقلق بالنسبة لكل الليبيين هذه الأيام يدور حول ميزانية العام 2014م  والتي يصفها البعض بأنها ميزانية خارج قانون الميزانية ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - تأخر اعتماد ميزانية 2014 إلى حد غير مبرر وأزمة الحقول النفطية ليبس لها علاقة بهذا الموضوع ؛ فبالإمكان أن نعتمد ميزانية بالعجز فالنفط قد توقف من شهر 7 2013م واستمر وهناك إجراءات سريعة كانت يجب أن تتخذ وللأسف الشديد لم يتم اتخاذها بالتزامن مع انخفاض إيرادات النفط فكان من المفروض أن تعتمد الميزانية بالعجز ولكن تتخذ إجراءات مصاحبة لهذا الظرف الوقتي الذي تمر به إلى أن تنتهي أزمة النفط وأنا للأمانة عندما كنت باللجنة المالية قدمنا مذكرتين للمؤتمر تتضمن الإجراءات الضرورية التي يجب اتخاذها فورا ولكن للأسف الشديد لم يتم اتخاذ هذه الإجراءات التي تتمثل في أنك الآن في أزمة تعتمد على النفط وحتى لو اعتمدنا الميزانية بالعجز فالإشكالية ليست في الدينار الليبي فهي  في العملة الصعبة والخطر الكبير يترتب على العملة الصعبة فإذا استمرت في الواردات بنفس الوتيرة فسيحدث عجز بالعملة الصعبة وهو عجز خطير وهو يؤثر على ميزان المدفوعات ويؤثر على قيمة الدينار الليبي ويؤثر على تصنيف الدولة الائتماني وكان رأيي أن تتم مسألة إقرار الميزانية بعيدا عن التجاذب السياسي وكان المفروض أنه قد أقرت الميزانية بالعجز وبعدها نفكر في كيفية تمويل هذا العجز بالتدريج مع اتخاذ إجراءات مصاحبة وأيضا بالتدريج مع تطور القضية ولكن للأسف الشديد التجاذب السياسي الذي حدث في الآونة الأخيرة من إسقاط حكومة زيدان وبين بقائها فإذا بقى زيدان فلن تمرر الميزانية في المؤتمر فأصبحت هذه الإشكالية كبيرة وأيضا لم تتخذ أي إجراءات لمعالجة الأمر ومع العلم بأن المالية العامة في ليبيا متخلفة جدا .

الأيام : - أنت هنا تقول بأن زيدان هو السبب الرئيس في تأخر الميزانية أم هناك أسباب أخرى ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - أنا أقصد بأن التجاذب السياسي الذي تمحور حول إسقاط زيدان أو إبقائه هو السبب كما أن حكومة زيدان قدمت الميزانية متأخرة فحكومة زيدان يقع عليها اللوم كذلك وكان من المفروض أن تقدم الميزانية بعجز ومسألة تمويلها هي مسألة أخرى فالعالم كله يعتمد في ميزانياته بالعجز وعندما تنتهي أزمة النفط ستأتيك الإيرادات وتنتهي المشكلة .

الأيام : - ما هو وجه انتقادك للقرار 27 بشأن ميزانية الطوارئ  ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - الدولة لا تتوقف عند مشكلة معينة ووجه انتقادي للقرار 27 هو أنه كان من الأولى أن تقر ميزانية ولا تصدر قرار بشأن ميزانية طوارئ لأن الميزانية العامة هي التي بها كل مصروفاتك كما أن القرار ينص على السماح لمصرف ليبيا المركزي بمنح سلفيات لوزارة المالية وميزانية طوارئ وهذا خطأ فالميزانية لا تقر إلا بقانون ومن الخطأ أن تقر ميزانية بقرار بالإضافة إلى أن الإعلان الدستوري ينص على أن الميزانية تقر بـ120 صوت بالمؤتمر وبالتالي لابد من قانون يوافق عليه هذا العدد وهذا لم يحدث مع القرار 27 والغريب الأخر في هذا القرار هو أنه يقر ميزانية طوارئ ويضع عليها لجنة لتوزيعها يعني من ضمن أعضاء اللجنة وزير المالية وديوان المحاسبة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي وهنا يوجد خلط فتعيين رئيس ديوان المحاسبة باللجنة يعتبر مشكلة لكونه مخالفا لمعايير المراجعة المتفق عليها فهو يمثل مراجع خارجي ولا يمكن أن يكون جزء من التنفيذ فالمراجع يأتي دوره بعد دور المحاسب وأيضا وجود محافظ مصرف ليبيا المركزي خطأ جدا لأن محافظ مصرف ليبيا المركزي يدير السياسة النقدية وهذه سياسة مالية وهنا يحدث الخلط بين السياستين كما أن الميزانية في الأساس يفترض أن تكون هي خطة الحكومة وفي هذه الحالة عندما عينت لجنة للميزانية تكون قد تدخلت في عمل الحكومة وبالتالي فقد كان القرار 27 خاطئاً جدا ولا يؤسس لدولة وكان الأولى أن تقر ميزانية ولا تقر ميزانية طوارئ وموضوع السلفة من مصرف ليبيا المركزي لا يحتاج إلى قرار من المؤتمر لأن القانون رقم 1 لسنة 2005 للمصارف أجاز لمصرف ليبيا المركزي أن يمنح سلفه لوزارة المالية بموجب اتفاقية فيما بينهم وبما لا يتجاوز خمس الإيرادات المتوقعة وبالتالي فهي تصرف للميزانية العامة للدولة وليس لميزانية الطوارئ وعندما تقر ميزانية الطوارئ فتقرر لها إيرادات مختلفة .. وأخيرا فقد سمعت بأن أعضاء المؤتمر قد تراجعوا عن هذا القرار وهذا التراجع صائب وأنا أعتبره تصحيح للأوضاع .

الأيام : - قلت بصريح العبارة في ندوة الإنفاق العام التي عقدتها صحيفة الأيام في أغسطس الماضي أن المالية العامة للدولة الليبية تعاني من فساد إداري ومالي . بتفاصيل أكثر ما هو الحجم الحقيقي لما لمستموه من فساد طيلة ترأسكم للجنة المالية ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - المالية العامة في ليبيا متخلفة جدا بحكم الممارسة وطرق العمل والإجراءات فهي متخلفة عن العالم المتطور وتعاني من عدة أمراض مزمنة وهذا الأمراض منها ما يحتاج إلى علاج طويل المدى ومنها ما يحتاج إلى علاج قصير المدى والإجراءات التي قمنا بها فأنا قد أشرت لك بأنني قد قمت بتقديم تقريرين للمؤتمر في نهاية السنة كانا يصبان في صلب الإصلاحات وقد دعينا منذ البداية إلى اتخاذ خطوات مدروسة ومحسوبة لتغيير المالية العامة في ليبيا بحيث لا يكون فيها تفرع ولا تكون بطيئة أو تعمق من الأزمة التي تعيشها فكان أول شيء هو جانب الميزانية في المالية العامة فالميزانية العامة في ليبيا تعاني العديد من المشاكل والمشكلة الأولى تتمثل في البند الأول المتعلق بالمرتبات والتي تجاوزت حدود الخيال والتي وصلت إلى 24 مليار مع تدني المرتبات ومع تكدس للعمالة ومع قطاع خاص ميت يعني معادلة معقدة للغاية فأنت تصرف 24مليار كمرتبات وعندما تأتي للمرتبات على مستوى الفرد تجدها متدنية فرب العائلة المكونة من 5 أطفال يتقاضى مرتب قدره 400 دينار وهذا بطبيعة الحال لا يكفي لمعيشة هذه الأسرة ومن ناحية القطاع العام فتجد أن عدد الموظفين يبلغ مليون وأربعمائة ألف بوجود الازدواجية في هذا الرقم طبعا وتأتي للقطاع الخاص فليس له أي دور في استيعاب العاملين ودفع المرتبات يعني أي حركة إصلاح في هذا الجزء لها علاقة بالجزء الثاني فكان أول حل دفعنا به في هذا الصدد هو منظومة الرقم الوطني وقد أقرينا هذا الموضوع وأصبح كل ليبي لديه رقم وطني الآن ، والآن جاء دور الحكومة كإرادة سياسية لتفعيل الرقم الوطني وللأسف هذا لم يحدث برغم أننا وضعنا في قانون الميزانية أن لا يتم صرف المرتبات بعد شهر 9 إلا بالرقم الوطني ولكن لم يتم ذلك ونحن الآن في شهر 4 ولم يفعل الرقم الوطني بصورة صحيحة فما تزال الازدواجية موجودة وممكن المرتبات تقفز إلى 27 مليار بحسب ما سمعت فالمسألة أصبحت أكثر من عميقة والمسألة الأخرى هي باب الدعم السلعي والمتمثل في البنزين بحوالي 8 مليار وكذلك السلع التمويلية فصندوق موازنة الأسعار سبب خلال سنوات 2011 و2012 و2013 في ديون قدرها 2 مليار وأربعمائة مليون على الدولة الليبية عن طريق ممارسات خاطئة في مسألة التعاقد حيث أنهم استخدموا قرار 190 الصادر عن اللجنة الشعبية العامة سابقا وهذا لا ينطبق عليهم في التعاقد وعندما نظرنا في الأسباب وجدنا أن التوزيع يتم في الصندوق على 9 مليون ليبي بينما في الحقيقة هناك هدر للثلث باستثناء الثلث الذي يهرب ووجدنا أن ما يتم دعمه هو 12 سلعة بينما قبل الـ2011 كانت 4 سلع فقط ..

الأيام : - ما هي العوامل التي تقف خلف إفساد المؤتمر وعرقلة بناء الدولة  ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - الجهوية  والأيديولوجيا  الحزبية والقبلية كل هذه العناصر أفسدت المؤتمر وأفسدت بنا الدولة لأنه يفترض أن تكون لدينا مساحة مشتركة فصحيح أنه توجد جهوية وأيديولوجيا في كل مكان ولكن هناك مساحة مشتركة للجميع  والمشكلة لدينا هو أن اللعب تم في هذه المساحة المشتركة وبالتالي لن تجد مساحة مشتركة نهائيا .

الأيام : - هناك من يعتبر بأن المراقبين الماليين في القطاعات العامة قد باتوا جزء من المشكلة ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - المراقب المالي بالرغم من ما نسمعه من تحامل الكثير من الناس عليه ولكن عند دراستنا للمشكلة وجدنا وللأسف الشديد التشريعات والقوانين والإجراءات هي من أوصلت المراقب المالي إلى ما وصل إليه وأصبح جزء من المشكلة وليس جزء من منظومة الرقابة التي تسعى إليها فعندما يتم منح كامل الصلاحيات للمراقب المالي بما فيها التوقيع " أ " على الصكوك  ويتم تحميله كامل المسئولية فماذا نتوقع منه وهو مراقب مالي  ؟ سيتم تحميله كامل المسئولية عند وقوع أي خطأ ويزج بالسجن ورئيس المؤسسة يقول بأن المراقب المالي هو صاحب التوقيع أ فالمراقب المالي تغول عندما أعطى صلاحية هذا التوقيع وبدأ يتدخل في سياسات الجهة التي يوجد بها  أو القطاع الذي فيه فعندما يريد القطاع مثلا شراء ثلاجة كبيرة أو صغيرة فهذا قرار إداري يخص القطاع ولكن المراقب المالي يتدخل ويقول أشتري هذه أو تلك وهذا تدخل ليس في محله فهو معني فقط بأن تكون إجراءات الشراء صحيحة وأن هناك اعتماد وأموال ويجب أن تقتصر وظيفة المراقب المالي على التأكد من المستندات والاعتماد وبأن هناك أموال موجودة والحل يكمن في صدور لائحة تنظم عمل المراقب المالي بحيث يكون وفقا للآلية التي ذكرتها .

الأيام : - المؤتمر الوطني العام أصدر قانونا بإلغاء الفوائد الربوية والتحول إلى الصيرفة مع حلول العام 2015م ألم يكن بالإمكان وضع خطة تحول تدريجية بدل التحول في موعد محدد والذي كان موضوع لانتقادات عدد من المصرفيين ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - أولا عندما وضع القانون كان هناك اعتقاد خاطئ بأنه سيتم بناء مؤسسات الدولة وأن سنة 2014م سيصدر فيها الدستور وأننا سننتقل من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة الدائمة وبالتالي سيكون هناك استقرار مصاحب لكل هذه الإجراءات في البلاد وهذا الاستقرار سيمكن المصارف ويعطيها الفرصة للتحول والاستقرار خاصة وأن المهلة جاءت بناء على استشارة لجنة الصيرفة في مصرف ليبيا المركزي وهم من وافق على هذه المدة وحتى عندما صدر القانون لم تردنا أي مذكرة من مصرف ليبيا المركزي بشأن تمديدها أو تأجيل تنفيذ القانون بسبب الاستعدادات للتحول ولكن ما اتضح هو أن المصارف غير قادرة على ممارسة العمل التقليدي ونحن لم نشهد تطور من المصارف حتى في الخدمات التقليدية ولم يكن هناك أي تحسن ملحوظ في هذه الخدمات وما زلنا نسير بنفس العقلية والتصرف السابق وبالتالي هذا أمر يحتاج إلى عمل أكثر ويفترض أن مصرف ليبيا المركزي والمصارف الإستراتيجية أن يتقدموا بمذكرة في هذا القانون بشأن مدى إمكانية تطبيقه حتى لا نقر قانون ولا نستطيع تطبيقه .

الأيام : - المصرفيون ينتقدون الدكتور عبدالسلام نصية ويقولون بأنه لا يعلم عن طبيعة الظروف التي تشتغل بها المصارف وأن انتقاداته  للمصارف غير موضوعية وتجافي الحقيقة فما تعقيبكم على ذلك ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - أولا أنا مواطن ليبي ولم أغادر ليبيا وأتعامل مع مصارفها والجانب الأخر فأنا عضو هيئة تدريس وأدرس في المحاسبة والمصارف ولدي احتكاك بالطلبة والمصارف وبالبحوث في هذا الشأن وإضافة إلى هذا فأنا كنت في اللجنة المالية بالمؤتمر الوطني وعندي الكثير من المعلومات في ما يتعلق بالمصارف فمصارفنا إلى الآن تدار بعقلية الحكومة فهذه حقيقة واضحة وخدمات المصارف في ليبيا ليست في المستوى المطلوب وصحيح أن مصارفنا تدعي بتحقيق الأرباح ولكن ذلك على حساب تقديم الخدمات وكما تقول بأنك ربحت كذا من الأموال فالمطلوب أن تقول لي كم هو مستوى تحسين خدماتك وفي النهاية أنت مصرف عام تتبع الدولة ولست قطاع خاص والشيء الآخر هو أن مصارف القطاع الخاص في بلادنا تفوقت على مصارف القطاع العام وهذا شيء ممكن ملاحظته من قبل إي مواطن ويتمثل في سرعة إنجاز المعاملات والانجاز والخدمات بغض النظر عن الانتقادات الأخرى الموجهة إليها . والجانب الآخر يكمن في السؤال عن ميزانيات المصارف لماذا لا تنشر ميزانيات المصارف وهل الديون الموجودة بهذه الميزانيات حقيقة وهل الديون التي بها ديون مصادقة وهي الميزانيات تمثل فعلا المركز المالي للمصرف بصورة حقيقية لو عرضت غدا في سوق الأوراق المالية فنحن من البداية نقول بأنه السبب قد لا يكون من الموظفين أو الذين يشتغلون بالمصارف فهم جزء في هذه المشكلة ولكن ليسوا المشكلة ككل وهذا الجزء في كيفية تعاملهم مع المواطن أو كيفية تعامل المصارف مع المواطن فإلى الآن لا تزال مصارفنا تعاني من ظاهرة الطوابير والمشكلة عندما تقف في هذا الطابور يخبروك أخيرا بأن المنظومة عاطلة ولماذا لا يكون التعامل الكتروني  فلابد من تحسين الخدمات وأن لا نرجع هذا الأمر دائما إلى البنية التحتية ..والمصارف المملوكة لمصرف ليبيا المركزي هي أيضا سبب المشكلة في ليبيا فيفترض أن تكون هذه المصارف مفصولة .وأيضا سيولتها فعندما نرى ميزانياتها نجد أن هناك تراكم كبير للسيولة والمصارف تحقق في أرباحها من الميزانية العامة للدولة الليبية وهذه حقيقة يجب أن يعلمها الليبيون فإذا غيرت وزارة المالية غدا على حساب الخزانة الموحد فسنرى ماذا يحدث بهذه المصارف فأموال النفط التي تأتي من عقود النفط تنزل في مصرف ليبيا المركزي وتوزع على المصارف التجارية ويأخذونها ويعيدونها لمصرف ليبيا المركزي ويأخذوا عليها فوائد ويقولون حققنا أرباح فكل ما لديهم من أرصدة يأخذون عليها أرباح هي أرصدة حكومية وليست أرصدة قطاع خاص وليست أرصدة نشاط فالأرباح مترتبة على وجود أموال الدولة لديهم في البنوك وتنزل إلى المركزي 40 أو 47 مليار فيقوم بتحويلهم إلى عملة ليبية ويحولهم من وزارة المالية إلى حسابات في المصارف وتأخذهم المصارف وتضعهم في مصرف ليبيا المركزي بفائدة فالجهاز المصرفي في ليبيا يحتاج إلى إعادة تطوير وإعادة تأهيل ويحتاج إلى تغيير كبير جدا بحيث يواكب مسألة التنمية في ليبيا وهذا ليس انتقاد فهو تشخيص لمواقع الخلل حتى يتم تصحيحه فالكوادر موجودة ونحن لا ننتقدها كأشخاص ولكن أنا أتمنى أن يكون الجهاز المصرفي في ليبيا يواكب التنمية عندما تكون المصارف قادرة وتنظيمها الإداري جيد .

الأيام : - هل تعتقدون بأن انفصال هذه المصارف عن المركزي يمثل خطوة في طريق تطويرها ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - أول خطوة في إصلاح المالية العامة والاقتصاد الليبي أن تنتهى علاقة ملكية المصارف التجارية بمصرف ليبيا المركزي وهنا في الحقيقة أمامنا خيارين سواء في ظل المرحلة الانتقالية أو المرحلة القادمة بحسب استقرار البلد فترمومتر الإصلاح هو الاستقرار ولا يمكن أن نجري إصلاح في ظل عدم الاستقرار لأنه سيتحول إلى مغامرة وقد تنتكس المسألة وهذين الحلين هما إما أن تقوم وزارة المالية بشراء المصارف من المركزي وبالتالي تؤول ملكيتها إلى وزارة المالية إلى حين طرحها في سوق الأوراق المالية أو أن يتم بيعها إلى المؤسسات العامة وبعض القطاع الخاص ويبقى دور مصرف ليبيا المركزي إشرافي ورقابي فقط وبالتالي ستدخل في التنمية فالمصرف المركزي دوره هو ممارسة السياسة النقدية ووزارة المالية تمارس السياسة المالية ووزارة المالية تلعب دور المكمل أو المنفذ للسياستين فتحرير المصارف العامة يحرك عجلة الاقتصاد ويسهم في بناء التنمية ويكون فعلا القاطرة التي ستقود الاقتصاد فعندما تأتي الآن للمصارف التجارية وتعرض عليها الدخول في أي مسألة ستجيبك بأنها مقيدة بقرارات المصرف المركزي ولكن يجب أن تتحرر هذه المصارف لتصبح مملوكة للقطاع الخاص أو لجهات عامة فهذه هي الخطوة الأولى في اتجاه الإصلاح ومبدأ التنافس يقوم على أساس البقاء للأصلح .

الأيام : - كيف تقيمون أداء مصرف ليبيا المركزي في ظل إدارته الحالية ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - إدارة مصرف ليبيا المركزي نجحت في بعض الجوانب كالمحافظة على سعر صرف العملة وتجاوز مشكلة السيولة التي ظهرت بعد الثورة واستطاعت التغلب عليها بدون تأثير على الاقتصاد ولكن مصرف ليبيا المركزي لم يستطع إدارة السياسية النقدية بطريقة جيدة خاصة في مجال الاستيراد وسعر الدولار أصبح يتزايد وتسربت العملة الصعبة بطريقة عشوائية وإهدار كبير قد حدث يعني 47 مليار السنة الماضية إلى شهر 11 و12 وتوسع كبير في هذه السياسة بالإضافة إلى عدم تطوير القطاع المصرفي أو البطـء في تطوير القطاع المصرفي بالرغم ما يبذل من جهد ولكننا لم نر تطورا كبير خلال السنتين الماضيتين بحسب ما كنا نتأمل خاصة بعد ان أصبح قرار مصرف ليبيا المركزي قرارا حرا فلا نقارن قرار مصرف ليبيا المركزي طيلة 42 سنة عندما كان يتم بالهاتف بقراره الآن وهو حر في إدارته ولكن في مجال الاستقرار والمحافظة على الموازنة حقق مصرف ليبيا المركزي خطوات جيدة .

الأيام : - قد يرجع البعض ما يعتري المصرف المركزي من عيوب إلى طبيعة أداء المؤتمر الوطني الذي تحول بلجانه إلى حكومة تنفيذية ورئيس دولة علاوة على كونه مجلس تأسيسي وتشريعي ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - مصرف ليبيا المركزي عمله فني بحث ويصعب التدخل فيه من ناحية المؤتمر إلا في بعض الأشياء السياسية كالودائع وما عدا ذلك فقرارات المؤتمر فنية وتخصه بنفسه . 

الأيام : - كانت هناك نية لدى المؤتمر في تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي وهناك رسالة من رئيسه إلى  المحافظ تقضي بتجميد صلاحيات الأخير فيما يخص إبرام الاتفاقيات أو تغيير رؤساء إدارات ومدراء المصارف فما هي تفاصيل هذا الأمر ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - الرسالة جاءت على خلفية البدء في برنامج تغيير المحافظ خلال شهر ولم يحدث التغيير فقد كنا في اللجنة عاقدين العزم على إجراء هذا التغيير ولكن إذا لم يكن الوقت كافٍ لاختيار البديل الأصلح فيصبح من الصعب التغيير فالتغيير ليس فقط لأجل التغيير فالحقيقة كنت أنا شخصيا وزملائي في اللجنة المالية حريصين على أن قرار التغيير لا يكون قرار اًسياسياً فنحن نريد لهذا القرار أن يكون قراراً اقتصادياً وفنياً وليس قرار سياسي وفي العالم نجد أن دول متقدمة كبريطانيا جلبت محافظ من كند لأن ذلك قرار اقتصادي وليس سياسي  وفي المرحلة الانتقالية لابد وأن تتوخى الدقة والحرص إزاء مثل هذه القرارات ولكن لا بأس من التغيير .

الأيام : - ماذا عن شركات التأمين وهي مؤسسات مالية يفترض أن تكون مشمولة ببرنامج التحول إلى التأمين التكافلي الإسلامي  بينما في الواقع ليس هناك اهتمام بمسألة تحولها كما هو الأمر بالنسبة للمصارف ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - صحيح .. فهذه تعتبر مشكلة ثقافة والناس كلها تعتقد أن المسألة مركزة على المصارف وأن المعاملات الربوية موجودة فقط في المصارف 

الأيام : - هل تقصدون الناس بمن فيهم أعضاء المؤتمر الوطني ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : -  نعم وبالتالي كان كل التركيز موجه إلى المصارف بينما شركات التأمين وشركات مالية أخرى يجب أن تكون ضمن برنامج التحول ومن الممكن أن يكون التحول في المصرف أسهل من شركات التأمين نظرا لتعقد وصعوبة نظامها المالي ولأن الرابط بين المصرف والمواطن هو شبه يومي فبالتالي يشعر به المواطن والنخبة بينما الرابط بشركات التأمين ليس يومياً .

الأيام : - المشاكل الأمنية لا تزال تتصدر المشهد الليبي وقد قلتم في ندوة الإنفاق العام بأن الأمن يفترض أن يشترى بالعدالة ..ما هي تداعيات التدهور الأمني على الوضع الاقتصادي والسياسي للدولة 

الدكتور عبدالسلام نصية : - لا يمكن شراء الأمن بالمال فللأسف الشديد فقد كانت قناعة الحكومة غير ذلك وبالتالي كان هناك دفع أموال لكل شيء وكل قضية يسعوا لحلها بالمال فصحيح أن المال في بعض الأحيان يحل قضايا ولكن وبذات القدر قد يعقد قضايا فالعدل في دفع المال هو الذي يحل المشكلة وليس دفع المال فقط فدفع المال العشوائي أدى إلى فساد المال الذي استشرى بشكل كبير جدا ورأينا كم من الأموال التي غسلت في بعض الوزارات وتسمع الكثير عن الأموال كالمليار والنصف المخصصة لوزارة الدفاع في الباب الثاني وخمسة مليار مرتبات لقرابة 300000 عسكري لا نراهم على أرض الواقع فدفع المال بدون عدل وضوابط ينعكس على المستوى الاقتصادي ويحدث تضخم وعلى المستوى السياسي يكون مليشيات وخارجين على القانون وسطو بالسلاح وإضعاف الأمن وإرباكه فبدل من شراء الأمن وجدنا أنفسنا نشتري العنف بالمال  .

الأيام : - هناك أموال ليبية مجمدة في الخارج إلى يومنا هذا . لماذا ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - الأموال المجمدة هي أموال معلومة وطالما هي أموال معروفة فلا خوف عليها فهذه الأموال إما تتبع المؤسسة الليبية للاستثمار أو تتبع مصرف ليبيا المركزي واعتقد بأن الإفراج عنها يتم بطلب ليبيا واعتقد أن أغلب الأموال تم الإفراج عنها فالمشكلة في ليبيا في الأموال غير المعلومة أو الأموال المهربة التي تتحدث عنها الناس بأرقام كبيرة ولكنها غير معروفة على وجه الدقة ونحن نعتقد فعلا أن هناك أموال مهربة ..وكان المفروض أن يتم تشكيل هيئة خاصة لمتابعة هذا الأمر ولكن للأسف تمت إدارة هذا الملف بطريقة عشوائية من أول يوم في التحرير وإلى اليوم وخلقت مافيا الأموال المهربة في ليبيا وكل مرة يأتي أحد ويقول هناك أموال ليبية موجودة في الدولة الفلانية ويعطونه رسالة ويطلبون منه إحضارها مقابل 10% وهذا ما أدى إلى إدارة الملف بعبث فهذا الموضوع يحتاج إلى ثلاثة مراحل المرحلة الأولى هي تتبع المال والمرحلة الثانية هي مرحلة المقاضاة والمطالبة به والمرحلة الثالثة هي الاسترداد .

الأيام : - هل هناك أموال ليبية تم تهريبها بعد الثورة ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - ليس لدي معلومات مؤكدة ولكن نتوقع كل شيء في ظل الفوضى .

الأيام :- هل اتضحت فعلا ملامح هوية الاقتصاد الليبي التي ستتضمنها مواد الدستور ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : نحن الآن قادمون على كتابة دستور ولابد أن يكون هناك ما يشير إلى الاقتصاد الليبي في مواده ولو أن لا توجد هوية محددة في العالم للاقتصاد فلا يمكن أن تقول بأن الاقتصاد سيكون رأسمالياً أو شيوعياً اًفهناك اقتصاديات مختلطة فيها جوانب للحكومة والقطاع الخاص ولكن من المفيد أن يكون هناك جدل علمي حول هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام والندوات وورش العمل بالتواصل مع لجنة الستين ..

الأيام : - إلى أي مدى تمكن المؤتمر الوطني عبر أذرعه الرقابية من حماية المال العام ؟ 

الدكتور عبدالسلام نصية : - هذا الأمر يحكم عليه بالتقارير وديوان المحاسبة أصدر أخيرا تقريرا مع الرقابة الإدارية وأنا كنت أتمنى أن يصدر تقرير ديوان المحاسبة بشكل منفصل عن الرقابة الإدارية فتقرير المحاسبة تقرير محاسبي فني وتقرير الرقابة الإدارية تقرير يعالج المشاكل الموجودة في الإدارة فتقرير ديوان المحاسبة حسب وجهة نظري يغلب عليه الطابع الإنشائي أكثر من الطابع المحاسبي الفني فهو يشير إلى أخطاء ولكن ماذا تم اتخاذه من إجراءات حيالها فأنا أعتقد بأننا بم نصل في العام 2013 إلى درجة الرقابة التي نطمح إليها على المال العام .

الأيام : - ما هو حجم المضاعفات الاقتصادية المترتبة على أزمة الحقول النفطية وفوضى انتشار السلاح ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - هناك أزمتان : أزمة الحقول النفطية التي تسببت في خسائر كبيرة جدا وبحسب تقديري فهي لا تقل عن 30 مليار نتيجة لضياع فرصة بيع النفط وتأخر المشاريع وأيضا عندما يتم فتح الموانئ فكل الحقول سوف تحتاج إلى إعادة تأهيل لا تقل عن 4 أو 5 مليار لتأهيلها للعمل وهذه الخسارة يجب أن تحسب في هذه المسألة وكذلك نحن قد خسرنا بعض الأسواق العالمية وكل هذه لو جمعناها سنقف على الحجم الكبير لقيمة ما خسرناه ..أما بالنسبة للسلاح فهو يشكل استنزاف كارثي ومستمر لاقتصادنا والمشكلة أننا لا نزال نستورد السلاح فالسلاح تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة جدا نتيجة عدم استئناف مشاريع التنمية فالشركات لا يمكن أن تعود في ظل هذه الفوضى وهذه خسارة كبيرة كما أن السلاح في أيدي أناس تستخدمه في الحصول على أموال واستنزاف ميزانية الدولة بدون تحقيق حماية أو تقديم خدمة للبلد وتكلفة الخسائر التي تسببها فوضى السلاح ستؤثر كثير في اقتصادنا على المدى الطويل كذلك .

الأيام : - هناك أنباء مؤكدة عن  انفراج أزمة المواني النفطية . ما هي برأيكم أسباب هذه الأزمة وهل فعلا ستنتهي أم أنها ستتكرر ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - قلت منذ زمن بأن سبب الأزمة هو سبب سياسي فمشكلة ليبيا الآن هي مشكلة سياسية خانقة وحادة جدا والمشكلة السياسية هذه قادتنا إلى أزمة اقتصادية وكادت كذلك أن تقودنا إلى أزمة اجتماعية فالمسألة كلها مرتبطة بالأزمة السياسية التي تمر بها البلاد ولو تم حل الأزمة السياسية فستنحل الأزمة الاقتصادية بالكامل أما عن عودة وتكرار هذه الأزمة فإن ذلك من الممكن أن يحدث طالما لا نزال في المرحلة الانتقالية فكل ما تحدث ربكة في الأزمة السياسية يتم الضغط من خلال الجانب الاقتصادي فهذه حقيقة ولكني لا أعتقد بأنها ستكون بنفس حجم المرة الماضية فالآن يفترض أن يكون تركيزنا على الأزمة السياسية وحتى عندما انفرجت الأزمة الاقتصادية كانت بناء على انفراج في الأزمة السياسية بالإعلان عن انتخابات مبكرة وصدور قانون للانتخابات .

الأيام : - ما هو السبيل في رأيكم لخروج ليبيا من أزمتها السياسية والاقتصادية ؟

الدكتور عبدالسلام نصية : - بالنسبة للأزمة السياسية فأنا أرى ضرورة تحديد مواعيد لانتخاب البرلمان القادم وأن يتم احترام هذه المواعيد وأن تكون تواريخها قريبة جدا ولا بد من الالتزام بتفادي أخطاء المرة السابقة وذلك بفصل الأمور السيادية لرئيس الدولة عن البرلمان التشريعي وعن رئاسة الأركان وتنظيم رئاسة الأركان بشكل جيد يتوافق مع المرحلة الانتقالية .والشيء الأخر لابد من الاهتمام بالحكم المحلي والجدير بالذكر هنا أنني عقدت اجتماع لمدة يومين مع كل رؤساء المجالس المحلية واستمعت لهم وفرغنا كل حديثهم في حوالي خمسين صفحة وكل ما يدور كان من الممكن تلافيه لو أن جزء من الميزانية خصصت للمجالس المحلية وتم التعامل مع المحليات واهتممنا بكل هذه العناصر فسنخرج من الأزمة وموضوع الحوار مهم جدا وإذا قلت لي بأنه كانت هناك حوارات في السابق فسأقول لك بأن التحاور بين النخبة خطأ كبير جدا لأن النخبة لا تملك شيء على الأرض وحتى الأحزاب وأنا أتحدى أي حزب في ليبيا أن يخرج 1000 شخص للشارع فهم لا يملكون قواعد شعبية وليس عيبا أن نقول بأنه يجب أن نتحاور مع من يمتلك السلاح ونتحاور مع القبائل ونتحاور مع المدن .

*نقلا عن الايام