أسهمت التقية السياسية التي درجت عليها جماعة الإخوان، في علاقتها مع الدولة الوطنية في مصر بوجهها الملكي أو الجمهوري، على امتداد العقود المختلفة، في تشويش الرؤية بخصوص طبيعة الدور الذي لعبته الجماعة في إضعاف الدولة الوطنية، لحساب الفوضى التي تطلق عقال الإثنيات والتناقضات في المجتمعات، بالتركيز على الوحدة بين الناس على أساس المعتقد الديني تحت راية ما يسمونه “الخلافة”.

وحسب صحيفة العرب فللإخوان دور ملموس في إضعاف الدولة الوطنية، فقد أضاعت الجماعة كل الفرص الكفيلة ببناء دولة قوية، منذ نشأتها وحتى اليوم، وكانت شوكة في خاصرة تلك الدولة.

وفق النصوص المؤسسة لتلك الأفكار في البنية العقلية لأعضاء الجماعة، تم إضعاف الهوية الوطنية لحساب هوية أخرى يسمونها “الهوية الإسلامية”، التي تجعل المشترك بين الناس الدين، وليس الوطن الذي يستحيل لديهم حفنة من التراب، وكيف تراوحت خطط الجماعة بين الكمون والمفاصلة، حسب الأحوال، وكيف كرست -معرفيا- التناقض بين الدين والوطنية عبر أدبيات مدرسة فكرية أصبح لها وجود مؤثر.

بفعل تنظيم حركي نشط تشعبت ميادين حركته على امتداد جغرافي وزمني، ضعف، في المزاج العام، الشعور بالرابطة الوطنية وانتعشت الطائفية، ما أنتج أحدث طبعاته (داعش) التي شاركت الإخوان هدف إسقاط الدولة، الإطار الوحيد حتى الآن الذي يعد أفضل ما أنتجته التجربة البشرية بعد قرون من الصراعات والحروب، كصيغة إنسانية لإدارة الخلافات والمصالح. وكيف كرسوا في الذهن الجمعي التناقض بين المصلحة الوطنية والمصلحة الشرعية، وعلاقة الجماعة بالديمقراطية، وكيف كانت تجربتها معها، سواء في إدارة التنظيم أو الدولة.

في تجربتها في مصر كتجربة ما زالت حية في الأذهان وما زلنا نعيش تداعياتها المؤلمة. تتوخى هذه الدراسة التعرض لعلاقة الجماعة بالدولة والأنظمة المتعاقبة في مصر، سواء في الفترة من 1928 وحتى قيام ثورة يوليو 1952، وكيف تعاملت مع حزب الشعب وقتها: حزب الوفد، وكيف كانت أحد الأسلحة التي هاجم بها الاحتلال والقصر هذا الحزب، الذي مثّل -وقتها- الأماني الوطنية، وكيف زرعت فكرة التناقض بين الدين والدولة الوطنية، لضرب الروح الوطنية في نفوس المصريين، ثم كيف تعاونت الجماعة مع ثورة يوليو في البداية، ثم حاولت بعدها فرض الوصاية على قيادتها، بما دفع الجماعة للصدام مع الحكم الجديد في مفصلين مهمين عرف الأول بأزمة مارس 1954، بينما عرف الثاني بـ”تنظيم 65″، الذي قاده سيد قطب، المنظر الثاني بعد حسن البنا لدى الإخوان، والذي كان لطبيعته التكفيرية أثر واضح في تطور الحالة الإخوانية إلى حالة تكفيرية، أدركت شظاياها الدولة والمجتمع.

ثم ترصد الدراسة كيف تعامل الإخوان مع الدولة المصرية في ظل رئاسة السادات، وكيف تعاونوا معه في البداية ثم انقلبوا عليه بعدها، وصولا إلى ثلاثة عقود من حكم مبارك، تراوحت العلاقة بينهما بين الاستيعاب والحصار، ضمن لعبة هزلية عطلت التحول الديمقراطي، لتنتج حالة غليان بلغت ذروتها مع ثورة 25 يناير التي كانت تعبيرا عن وصول الدولة والمجتمع إلى حافة الانفجار، التي كشفت واقع الدولة المصرية التي كانت محشورة بين شبكات مصالح الحزب الوطني الحاكم من جهة، وجماعة الإخوان وتنظيمها السياسي السري من جهة أخرى، والذي تولى أمور مصر على مظلة ضعف الحالة المدنية، التي لم تفرز لنا بديلا آخر.

أضاع الإخوان فرصة استئناف مسيرة الدولة الوطنية للمرة الرابعة، في إصرار على اللعبة الصفرية التي أدمنوها، والتي تقضي بأن يكون الأمر لهم وحدهم، لتبقى الجماعة دوما متناقضة جذرياً مع الدولة المصرية الأقدم في العالم، بما أكد أن الإخوان بتلك النظرية خطر حقيقي على فكرة الدولة الوطنية الأقدم، بالشكل الذي يقدم تصوراً خاصاً للدولة والهوية، فكيف كان انعكاس هذا التصور لديهم على أمن دول الخليج العربي؟ وكيف تنعكس تجربة الإخوان في مصر على أمن دول الخليج؟

جماعة بهذا السلوك والتوجه، وفعلت ما فعلته في دولة راسخة وقديمة كمصر، ألم يكن مبرراً أن تنزعج دول الخليج من مشروعها التدميري، خصوصا أن دول الخليج بداعي القيم العربية والإسلامية قدمت الدعم والرعاية لمن هاجر منهم إليها، في الفترة التي اصطدمت فيها الجماعة بأنظمة الحكم بدءاً من أول موجة للهجرة إلى دول الخليج في منتصف الخمسينات.

اعتمد الوجود الإخواني في الخليج على فكرة الإخوان الأممية، وضرورة تأسيس فروع للتنظيم في كل دول العالم، من أجل تغيير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، ليسيطر التنظيم عليها من أجل دفعها، في وقت لاحق، إلى الالتئام فيما يسمونه “الخلافة الإسلامية”، ولو صدقوا لسموها “الخلافة الإخوانية”. تراوح السلوك الإخواني في العلاقة مع أيّ دولة يعملون فيها بين الكمون والصعود، أو التمسكن والتمكن حسب الأحوال وحسب قوة التنظيم في هذا البلد. أخرت الجماعة تصعيد المواقف في دول الخليج، حتى تمتلك قوة في مصر. بمعنى أن مشروع الجماعة في دول الخليج كان متأخرا على مشروعها في مصر، حيث كان التمكن في مصر سيفتح الباب لتمكنها في الخليج.