منذ تأسيسه رفع تنظيم الدولة الإسلامية شعار "البقاء والتمدد" وعملت على تنفيذ ذلك على الأرض. مستفيدة من تقهقر قوات فجر ليبيا وحواضنها الشعبية وتعطل مسار الحوار تقدمت قواتها الى سرت وسيطرة عليها. لقد ظهرت الأنباء عن سقوط مدينة سرت في 21 مايو/ أيار الجاري، وبعد 3 أيام فقط أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا أن طائراتها هاجمت ناقلة نفط رست في ميناء سرت، وقبلها بأيام قليلة، قصفت القوات الليبية سفينة تركية كانت تحاول الدخول إلى المياه الإقليمية الليبية، وفي 29 مايو/ أيار أعلن "داعش" أنه استولى على سرت التي كانت قوات "فجر ليبيا" تسيطر عليها، كل هذه الشواهد تشير إلى وصول المفاوضات الليبية إلى طريق مسدود في ظل الضغوط الغربية، واستبعاد أي مبادرات دولية أو إقليمية إلا إذا كانت متوافقة مع مصالح أطراف بعينها تتحكم في مسارات الأزمة.

لقد تم التأكيد على أن تنظيم "داعش" سيطر على قاعدة "القرضابية" الجوية في مدينة سرت الليبية، على الرغم من تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون حول خطورة تمدد هذا التنظيم الإرهابي وتزايد نفوذه.المثير للتساؤلات هنا، أنه في منتصف شهر مارس/آذار الماضي أعرب مسؤولون أمريكيون عن قلق واشنطن العميق من تزايد نفوذ تنظيم "داعش" في ليبيا، وقالوا إن "كبار" قادة ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" سافروا إلى ليبيا، التي تشهد صراعا مسلحا، للمساعدة في تجنيد وتنظيم صفوف المتشددين وخصوصا في مدينتي درنة وسرت.

في هذا الإطار، يُرجَّح أن الهجوم الأخير الذي شنّته الدولة الإسلامية على البنى التحتية النفطية في حوض سرت لم يكن بدافع الرغبة في الاستيلاء على النفط وبيعه من أجل تحقيق الأرباح - أقلّه ليس في المدى القصير. وكما أظهرت تجربة الحصار النفطي الذي فرضه القائد السابق في قوات حرس المنشآت النفطية الليبية، ابراهيم الجضران، في العام 2014، لايزال من الصعوبة بمكان تهريب النفط الخام من دون علم الدولة الليبية، وذلك بفضل المساعدات الدولية لليبيا. تدرك الدولة الإسلامية ذلك جيداً. وهي تسعى، من خلال عرقلة وصول السلطات الحاكمة الليبية إلى النفط، إلى تسريع انهيار البلاد عبر التسبّب بتفاقم مشكلات الدولة المالية وتقويض قدرة الحكومة على تأمين السلع والخدمات العامة.

نظراً إلى موقع سرت على مقربة من الجبهة الأمامية للمعارك بين قوات فجر ليبيا وقوات الكرامة، التحالفَين المتناحرَين في البلاد، تستغل الدولة الإسلامية النزاع عبر تأليب كل واحد من التحالفَين على الآخر، كما فعلت في سورية. إذاً تتموضع الدولة الإسلامية بين التحالفَين، فلايعود من مصلحة أيٍّ منهما الدخول في مواجهة معها، لأن ذلك يجعله عرضةً للهجوم من التحالف الآخر. يبدو أن هذه الديناميات تصبّ من جديد في مصلحة الدولة الإسلامية؛ فقد اضطُرَّت قوات مصراتة إلى وقف القتال ضد الدولة الإسلامية في سرت من أجل مواجهة قوات الكرامة التي جدّدت هجماتها على طرابلس في أواخر آذار/مارس الماضي. غالب الظن أن الخطوات المقبلة التي سيقوم بها التنظيم في ليبيا سوف تعكس هذه المقاربة. فطموحاته تذهب أبعد من سرت، وحتى من ليبيا، وقد يتبّين أن سرت قاعدة مناسبة للتوسّع في جنوب ليبيا، كما في منطقة الساحل والصحراء الكبرى.

 

التحرك جنوبا

اليوم أعلنت مصادر ليبية أن "داعش" بدأ يتحرك من سرت باتجاه منطقة الجفرة، وسط ليبيا، والتي تسيطر عليها ميليشا "فجر ليبيا ".وأضافت المصادر أن التنظيم أصبح على بعد 30 كيلومترا فقط من مدينة هون، عاصمة الجفرة.وتبلغ المسافة بين مدينة سرت والجفرة نحو 350 كيلومترا، ولها أهمية عسكرية واستراتيجية، حيث يقع بقربها حقل المبروك النفطي.وأوضح مراقبون أن سيطرة "داعش" على الجفرة ستقطع طريق الإمداد بين قوات ميليشيا "فجر ليبيا" المتواجدة في سبها، والأخرى المتواجدة في مدينة مصراتة.

سعي التنظيم للسيطرة على "الجفرة" يندرج ضمن مشروعه في اخضاع المنطقة الجنوبية وقطع خطوط مواصلات قوات فجر ليبيا" والقوات النظامية التي من الممكن ان تمد سيطرتها عليها. كذلك يندرج ضمن سعيه الى فتح خطوط تواصل مع الجماعات الجهادية في منطقة الصحراء والتي تشكل مساحة تحرك كبيرة للتنظيم ومصدرا هاما لتهريب السلاح والامدادات اللوجستية والمالية.

يتعزز ذلك بوجود تنظيم جهادي ناشط في منطقة الصحراء قد بايع الدولة الإسلامية في الأيام الأخيرة، والحديث هنا، عن جماعة المرابطون التي أعلنت ، في تسجيل صوتي نشر على مواقع جهادية مبايعتها لتنظيم "الدولة ".وأكد عدنان أبو الوليد الصحراوي ، القيادي في التنيظم، في هذا التسجيل "تعلن جماعة المرابطون بيعتها لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبو بكر البغدادي، لزوم الجماعة ونبذ الفرقة والاختلاف، وندعو كل الجماعات الجهادية إلى مبايعة الخليفة لتوحيد كلمة المسلمين ورص صفوفهم أمام أعداء الدين، كما ندعو كافة المسلمين إلى الالتفاف حول دولة الإسلام والدفاع عن الخلافة".و تشكلت جماعة "المرابطون" في 2013 من الاندماج بين تنظيم "الموقعون بالدم" بزعامة مختار بلمختار - قائد سابق لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب إحدى المجموعات الجهادية التي سيطرت على شمال مالي حوالى السنة بين خريف 2012 ومطلع 2013 .وبين حركة التوحيد والجهاد .

يعتبر كثرٌ في ليبيا والخارج أن المعركة الحاسمة التي تحدّد مصير الدولة الإسلامية في غرب ليبيا باتت وشيكة في سرت وحولها، بيد أن أنماط السلوك السابقة تشير إلى أن الدولة الإسلامية تعتمد أسلوباً استراتيجياً جداً إلى درجة أنها لن تسعى إلى خوض مثل هذه المواجهة في الوقت الحالي. الأغلب هو أن الدولة الإسلامية ستستمر في التموضع بين الأفرقاء المتناحرين في البلاد، والعمل على استقطاب المجموعات المهمّشة والمظلومة، والسعي إلى تقويض قدرات الدولة للتسريع في انهيارها، وترويج رؤيتها الوطنية. في المدى القصير، ستحتل السيطرة على الأراضي المرتبة الثانية فيما تُعطى الأولوية لهذه الأهداف الأساسية بالنسبة إلى التنظيم.