في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المعارك على تخوم العاصمة الليبية طرابلس بين وات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،يواصل تنظيم "داعش" الارهابي ظهوره في الأراضي الليبية في محاولة للتأكيد على وجوده في أعقاب الهزائم المتتالية التي مني بها وسقوط أغلب معاقله في البلاد.

لكن هذه الهزائم لا تنفي بقاء خلايا التنظيم النائمة التي تتحرك في عدة مناطق وخاصة في الجنوب الذي يمثل ملاذا مناسبا للعناصر الارهابية.ففي طور جديد،رفعت منطقة سبها العسكرية وسط ليبيا درجة الطوارئ إلى القصوى،وذلك بعد رصد تحركات لعناصر تنظيم "داعش" في محيط المدينة، الواقعة جنوب ليبيا.

ودعا مركز منطقة سبها العسكرية التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي كافة الضباط وضباط صف والعسكريين، إلى ضرورة الالتحاق بوحداتهم، وطلب من الغرف الأمنية الفرعية رفع حالات النفير القصوى، لوجود تحركات مشبوهة لتنظيم داعش الإرهابي في أطراف المدينة، وفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط.

ويشن متشددون من تنظيم "داعش" عدة هجمات على نقاط تفتيش تابعة للجيش الوطني الليبي في الجنوب،حيث تعرض مركز لتدريب الجيش الوطني الليبي في مدينة سبها لهجوم في شهر أيار/مايو الماضي   تبناه تنظيم داعش، أسفر عن قتل 9 جنود، قطعت رؤوس معظمهم، وأعدم الآخرون بالرصاص.

ويأتي هذا في أعقاب بث تنظيم "داعش" الإرهابي، إصدارا مرئيا جديدا،تحت عنوان "العاقبة للمتقين"،بثته الأذرع الإعلامية للتنظيم حيث أظهر عددًا من مقاتليه في بقعة صحراوية يرجح أنها في ليبيا.وتوعد التنظيم الارهابي في الفيديو بمواصلة ما أسماه الجهاد في ليبيا.وهو ما يعتبر محاولة دعائية جديدة من التنظيم لاثبات وجوده في الاراضي الليبية.

وظهر في الفيديو شخص يدعى "أبو مصعب الليبي" كمتحدث رئيس والذي من المرجح أن يكون "محمود مسعود البرعصي"، وفقًا لمصادر إعلامية ليبية.وجدد مقاتلو التنظيم مبايعتهم لأمير التنظيم (أبوبكر البغدادي) في الفيديو مؤكدين استمرار قتالهم لما أسموه "ملل الكفر".وظهر في الفيديو عشرات العناصر وبحوزتهم سيارات دفع رباعي مسلحة وغير مسلحة، معظمها سرقت من "تمنهنت" في وقت سابق، وهم يحملون أنواعًا من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل بندقية "الكلاشنكوف" وقاذف الـ"آر بي جي" ورشاش الـ"14.5" المضاد للطيران.

ويأتي هذا الفيديو الدعائي الجديد بعد قرابة شهرين من ظهور زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، أبو بكر البغدادي،في شريط فيديو مع عدد من أنصاره، متحدثا عن ليبيا وموجها عبارات التشجيع لأنصاره بعد تنفيذهم عدة هجمات إرهابية، لا سيما في بلدة الفقهاء القريبة من مرتفعات الهروج جنوب البلاد.

وظهر البغدادي في فيديو بثته مواقع التنظيم عبر تطبيق "تليغرام" في 29 إبريل/نيسان الماضي،موجّها تشجيعه لأنصاره في ليبيا وحثّهم على مضاعفة هجماتهم الإرهابية، لأول مرة منذ فقدان أثره في سورية، في فبراير/شباط الماضي، إثر هزيمة مقاتليه في بلدة الباغوز.

وحث البغدادي،أنصاره على مواصلة العمليات الإرهابية في جنوب ليبيا، فيما سماه "استنزاف العدو، وضربه في كل مكان". في إشارة إلى قوات الجيش الوطني الليبي.كما أشاد البغدادي،باستهداف أنصاره لبلدة الفقهاء جنوب البلاد، التي قضي فيها مدنيون وعسكريون تابعون للجيش الليبي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ولم يستبعد حينها محللون لجوء البغدادي إلى ليبيا في ظل تواجد قادة مليشيات تابعة لتنظيمه في المنطقة، بإمكانهم توفير شتى السبل له لخوض حرب أخرى طويلة في المنطقة الممتدة من ليبيا على البحر الأبيض المتوسط، وحتى إلى أقصى الساحل الصحراوي حيث ينشط التنظيم الإرهابي، وحيث يخوض الجيش الوطني الليبي معركته ضد الإرهاب.

وتأتي هذع التطورات في وقت تزايد فيه الحديث عن انتقال العناصر الارهابية من مدينة ادلب السورية الى ليبيا وذلك عبر تركيا التي لم تتوقف عن دعم الميليشيات الإرهابية في طرابلس رغم التحذيرات والتهديد بالعقوبات، ورغم علمها بمخالفة القوانين الدولية.وبعد شحنات السلاح والطائرات المسيرة والضباط الأتراك اتجه أردوغان نحو نقل الارهابيين لتعزيز سيطرة المليشيات الموالية لأنقرة على العاصمة الليبية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،أشار الخميس الماضي،في مؤتمر صحفي في روما بعد أن أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي،الى أنه قلق من تدفق المتشددين على ليبيا من محافظة إدلب السورية، وحذر من أن الوضع في ليبيا يتدهور.وتابع بوتين أن موسكو تأمل أن توافق الأطراف المتحاربة في ليبيا على وقف إطلاق النار، وإجراء محادثات والدخول في عملية سياسية لحل مشكلات البلاد.

ويبدو واضحا أن الاصدار المرئي الجديد الذي بثه تنظيم "داعش" يهدف بالأساس الى جذب الأنظار نحو الجنوب الليبي في محاولة للتغطية على معارك طرابلس التي تقودها عناصره المتحالفة مع المليشيات ضد الجيش الوطني الليبي والتي بدأت في الانهيار نتيجة التقدم الميداني المتواصل للقوات المسلحة الليبية التي تحاصر المدينة منذ أبريل الماضي.

وبدأ الخناق يضيق تدريجيا على المليشيات والعناصر الارهابية،ما يعني أنّ المعركة في طرابلس قد إقتربت من مرحلة التنفيذ النهائية.حيث تفيد تطورات الأحداث الأخيرة في ليبيا أنّ الجيش أصبح أقرب ما يكون الى عملية التحرير الكاملة في العاصمة طرابلس، وهو ما اكده العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الليبية، وآمر المركز الإعلامي لغرفة "عمليات الكرامة"، بعدما أشار في تصريح الى أنّ قوات النخبة التي أرسلت إلى طرابلس تستعد لما أسماه "عملية الحسم".

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن المحجوب قوله الاثنين، أن القوات الخاصة وقوات النخبة التي أرسلت إلى طرابلس الأيام الماضية، هي التي تتولى عملية القتال داخل الشوارع، ما يعني أن المعركة اقتربت من مرحلة التنفيذ النهائية.مؤكداً أنّ الجيش يقترب من التحرير، وبأنّ "الأعداد التي أرسلت إلى الغرب تكفي لتحرير العاصمة، مستخدمة الأسلحة الخاصة بالجيش الليبي والتي يتم غنمتها خلال المعارك".

وفي  تعليقه على فيديو تنظيم "داعش" الإرهابي،أوضح المحجوب أن الفيديوليس حديثا، وأن السيارات التي ظهرت في الإصدار تم الاستيلاء عليها خلال هجوم لقوات الوفاق في وقت سابق في الجنوب الليبي.وشدد على أن الأعداد التي ظهرت بالفيديو غير موجودة في الوقت الراهن، إلا أن توقيت بث الفيديو يتعلق بالمعلومات التي تؤكد نقل عناصر إرهابية من "إدلب" إلى ليبيا، عن طريق تركيا، وأن الرسالة مفادها اطمئنان العناصر الجديدة التي يتم نقلها حتى ذهب إلى ليبيا بيقين أن التنظيم موجود في الأراضي الليبية.وأشار إلى أن "عناصر "داعش" يتم نقلها إلى ليبيا عبر الطائرات المدنية بمطارات الغرب الليبي".

ومنذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" التي أعلنها الجيش الليبي في الرابع من أبريل/نيسان الماضي،تقدمت العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الصفوف الأمامية للمليشيات التي تتصدى للقوات المسلحة،وظهرت العديد من العناصر المعروفة بانتماءاتها الارهابية في المعركة.ويشير توقيت اصدار داعش الجديد الى حالة الضعف والهلع التي باتت تعيشها العناصر الارهابية مع تواصل ضربات الجيش الليبي ونجاحه في محاصرتها في معقلها الأخير في طرابلس.

وتمثل ليبيا بحسب الكثير من المراقبين الملاذ الأبرز لعناصر تنظيم "داعش"،حيث يسمح استمرار الفوضى الكاملة في البلاد وانعدام السلطة المركزية،إضافة إلى الجغرافيا الليبية،بنمط جديد من الانتشار الداعشي بالتمدد، من خلال لخروج للصحراء الواسعة بعيداً عن مدن الساحل المركزية، والتحصن بالوديان والجبال في سبيل إعادة تنظيم نفسه وإمكاناته.

وتتصاعد المخاوف من تحركات داعش في الجنوب حيث أكد النائب بالبرلمان عن مدينة سبها، جبريل أوحيدة أن ما يحدث في الجنوب هذه الأيام "كارثة"، بعدما أصبحت الصحراء مرتعا للعصابات الإجرامية من تنظيم داعش وبقايا تنظيم القاعدة الفارين من سرت وبنغازي ودرنة، مضيفا أنهم "يجهزون الآن للسيطرة على مناطق حقول وموانئ النفط بدعم تركي وقطري".

وتمثل الثروة النفطية احدى أبرز أهداف التنظيم الإرهابي في المناطق التي نشط فيها وذلك لأن السيطرة عليها تمثل مصدر تمويل  لعناصره،وإذا فشل في ذلك فإنه يسعى إلى إستهدافها بعمليات تخريبية بغية إثارة البلبلة والفوضى وعرقلة بناء  الدولة،وهو ما من شأنه توفير البيئة المناسبة له للبقاء.

وفي المقابل قلل المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،خلال مؤتمر صحفي له الإثنين،من خطر التحركات الأخيرة للعناصر الارهابية في الجنوب الليبي حين أشار إلى إن مبايعة تنظيم داعش زعيماً جديداً له في ليبيا ونشر فيديو يظهر ضعف الجماعة وأن التنظيم بدأ يتلاشى.

وقبيل الإعلان عن انطلاق عملية تحرير طربلس في الرابع من نيسان/أبريل الماضي، سيطر الجيش الوطني على مناطق الجنوب الليبي وحصل على تأييد قبائل هناك.ويشير المراقبون الى أن النجاحات المتتالية التي حققها الجيش الوطني الليبي في الحرب ضد الارهاب عززت من شعبيته محليا وقوّت موقفه دوليا،حيث بات واضحا للمجتمع الدولي خطورة المليشيات المتمركزة في العاصمة طرابلس التي تتحالف مع التنظيمات الارهابية لخدمة أجندات مشبوهة تقودها تركيا وقطر.

ويرى مراقبون،أن مليشيات طرابلس التي تحضى بدعم من تركيا وقطر،تسعى لجلب الارهابيين إلى الأراضي الليبية لتوسيع رقعة الفوضى والأعمال الإرهابية التي يحاول الجيش الوطني الليبي القضاء عليها.وكانت دول كبرى عدة ومنظمات دولية عبرت في وقت سابق عن قلقها من صدور تقارير إعلامية تشير إلى انضواء بعض الإرهابيين والمطلوبين للعدالة بصفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية في معاركها ضد الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.