ضاعف تنظيم داعش الإرهابي خلال الشهر الماضي هجماته ضد القوات الأمنية ومرافق الدولة في العراق، مستغلاً تفشي جائحة فيرس كورونا، وانسحاب قوات التحالف الدولي والانقسام السياسي، لكن ذلك لا يعني العودة إلى سيناريو العام 2014، بحسب ما يؤكد محللون.
وكان العراق أعلن "النصر" على التنظيم المتطرف نهاية العام 2017، بعد معارك دامية لأكثر من ثلاثة أعوام.
لكن فلول الإرهابيين ما زالت قادرة على شن هجمات على القوات الأمنية في مناطق نائية في شمال البلاد وغربها.
غير أن البلاد اليوم تسير بحكومة تصريف أعمال منذ 5 أشهر، والقوات الأمنية منشغلة بفرض حظر التجول لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد.
وليل الجمعة السبت قبيل موعد السحور في شهر رمضان، تمكن تنظيم داعش من شن هجومه الأكثر دموية منذ أشهر ضد القوات العراقية، والأكثر تعقيداً لجهة تنظيمه، أسفر عن مقتل عشرة من قوات الحشد الشعبي.
ويقول المحلل الأمني والمتخصص في شؤون الحركات الإرهابية هشام الهاشمي إن "العمليات القتالية وصلت إلى مستوى لم يكن قائماً من قبل".
وتؤكد مصادر أمنية عدة أن الإرهابيين صعدوا خلال الفترة الماضية هجماتهم المسلحة وبعبوات ناسفة وقذائف هاون ضد قوات الأمن في بعض القرى.
ويصف الهاشمي الهجمات بـ"القتال الهجين" الذي يهدف إلى "إعادة القدرة على التكيف مع كل التحديات والتهديدات المحتملة، لغرض التمويل الذاتي ومرونة التنقل والتخفي"، إضافة إلى "عرقلة وتهديد مشاريع الاستقرار وعودة النازحين في المناطق المحررة، كنوع من الانتقام".
وهو الأمر الذي يؤكده ضابط برتبة عميد في الاستخبارات العراقية، قائلاً إن "داعش كثف هجماته بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها في شهر مارس(آذار)" الماضي.
وكان من بينها هجوم انتحاري استهدف منتصف الأسبوع الماضي مقر الاستخبارات في مدينة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل في شمال العراق، ما أدى إلى إصابة أربعة من عناصر الأمن بجروح.
وفي محافظة ديالى شمال شرق بغداد، أصبحت الهجمات شبه يومية خصوصاً في المناطق الزراعية.
يقول عدنان غضبان، أحد زعماء عشائر ناحية العبارة في شمال ديالى إن اثنين من أقربائه أصيبوا بجروح خطيرة بـ"هجوم مسلح لداعش"، مضيفاً "إنها تذكرنا بأحداث عام 2014".
ويعتبر أن "هؤلاء (الإرهابيون) استغلوا انشغال القوات الأمنية بفرض حظر التجول" جراء كورونا الذي أودى بنحو مئة شخص في العراق مع إصابة أكثر من ألفين آخرين.
لكن المحلل السياسي والأمني فاضل أبو رغيف يرجح استغلال التظيم للجمود السياسي الذي تعيشه البلاد في ظل توتر المحادثات حول تشكيل الحكومة المقبلة، وانخفاض أسعار النفط والخلافات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان حول الموازنة.
يقول أبو رغيف إن "داعش لديه مجسات على الوضع السياسي، كلما احتقن الوضع السياسي كلما نشط بطريقة انتهازية".
ويرى أيضاً أن خفض انتشار قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد مهد الطريق لذلك، محذراً من أن "التنظيم في نشاط مستقبلي أوسع وأكبر".
ونشر التحالف الدولي في العام 2014 قواته في العراق لمساندة القوات الأمنية المحلية في قتال الإرهابيين، عبر تنفيذ ضربات جوية وتقديم الاستشارة والتدريب.
وكشف تقييم لوزارة الدفاع الأمريكية العام الحالي، أن القوات العراقية لا تزال غير قادرة على الوصول للمعلومات الاستخباراتية واستخدامها بشكل كاف في الغارات ضد تنظيم داعش الإرهابي بمفردها، أو تنفيذ العمليات في مناطق وعرة دون مساعدة التحالف الدولي.
لكن أبو رغيف يؤكد أن "التنظيم لن يستطيع العودة إلى سابق عهده"، حين استولى على مساحات شاسعة في العراق وسوريا توازي مساحة بريطانيا وتضم سبعة ملايين نسمة.
من جهة التحالف، يؤكد ضابط كبير أن "داعش شن هجمات عدة ناجحة بمستوى منخفض" في الأسابيع الأخيرة، لكن ذلك لا يمثل "زيادة كبيرة".
ويضيف أن الأمر "لا يقتصر على عدد الهجمات فقط، ولكن ما نوعية الهجوم؟ هل هو معقد؟ ما نوع المعدات أو التكتيكات التي استخدمت؟ معظم ما رأيناه كان بدائياً وبسيطاً".
لذلك، يعتبر المحلل المتخصص بشؤون الجماعات الإرهابية في العراق سام هيلر أن التحول الأخير لا يقارن بذروة نشاط تنظيم داعش عند إعلان ما يسمى بـ"دولة الخلافة".
ولفت إلى أن ذلك ليس إلا إشارة إلى أن "داعش يتخذ موقفاً أكثر عدوانية. وهذا لا يعني أن لديه قدرات جديدة أو حتى مؤثرة".