تتصاعد وتيرة الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس التي تشهد منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي معارك عنيفة بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق بعد اطلاق الأول عملية عسكرية بهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية التي تنتشر في المدينة منذ سنوات وتعرقل عملية اعادة بناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار فيها.

ومع تصاعد وتيرة القتال في عدة محاور وسط تقدم واضح للجيش الوطني الليبي بعد سيطرته على عدة مواقع جديدة،تتزايد الأصوات الداعمة محليا لتحركاته الهادفة الى تحرير العاصمة.ففي تطور جديد،أعلنت سرية شهداء طرابلس التابعة للكتيبة 140 مشاة بالقيادة العامة للجيش الليبي-من داخل العاصمة طرابلس-، جاهزيتها التامة لتنفيذ أوامر القيادة العامة للجيش بقيادة خليفة حفتر، في معركة تحرير العاصمة.

وقالت السرية، في بيان مصور الأحد 22 ديسمبر 2019، إنها بجميع أفرادها ومنتسبيها على استعداد كامل لتنفيذ المهام المنوطة إليها، وفي انتظار ساعة الصفر التي تصدرها مجموعة العمليات الغربية التابعة للقيادة العامة للجيش، للانقضاض على ما تبقى ممن وصفتهم بـ "قادة الإرهاب وقوى الشر" في كامل ربوع العاصمة طرابلس.

وعلى ذات المنوال نسجت الكتيبة 97 مشاة من مدينة زليتن،التي أعلنت التحاقها بالجيش الوطني الليبي ضد القوات الموالية لحكومة الوفاق.وقالت الكتيبة 97 مشاة، في بيان مرئي تلاه أحد عناصرها، إنها "على أتم الاستعداد لتلقي الأوامر من القيادة العامة للجيش الوطني الليبي لضرب الأيادي الغاشمة وعملاء القطريين والأتراك الحالمين بعودة الاستعمار العثماني البغيض".

وحذرت المتصدرين للمشهد في مدينة زليتن حاليا، من أن "عناصرها لن يرضخوا للظلم ولا للزمرة الفاسدة التي تتحدث باسم زليتن، وما هم إلا قلة قليلة استقوت بالسلاح وزليتن منهم ومن أعمالهم القذرة براء، وآخرها محاولة الاعتداء الجبانة على الجارة العزيزة ترهونة التي انتهت بفرارهم كالفئران أمام زئير الأسود"؛ وفق قول المتحدث.

وأضاف البيان،"اليوم نسمع أصواتهم المرتعشة في حكومة الوفاق وفي ميليشياتها المهزومة، وهي تستنجد بالأتراك في مشهد مخز وعار لا يمحوه الزمن، نقول لهم إن من تتوسلون إليهم لن ينفعوكم في شيء، وإن فكروا في الدخول إلى ليبيا سيجدون أرضا حارقة وسماء لا تمطر إلا الحمم فوق رؤوسهم".

وتسيطر على مدينة زليتن 150 كلم شرق العاصمة الليبية طرابلس، ميليشيات تمثل قوى إسلامية متشدد في إطار تحالف بين الجماعة الليبية المقاتلة والإخوان المسلمين وتنظيمات أخرى، فضلا عن التأثير القوي لمدينة مصراته القريبة على زليتن.وشنت ميليشيات تابعة  لمصراته وأخرى من زليتن هجوما يوم الجمعة الماضي على مدينة ترهونة التي تشكل معقلا رئيسا للجيش الوطني الليبي في محاولة لتخفيف الضغط على مصراته التي تتعرض لقصف جوي متكرر من مقاتلات سلاح الجو الليبي، لكن هذا الجهوم باء بالفشل.

وبالتزامن مع هذا الدعم العسكري للجيش الليبي،تتواصل بيانات التأييد من قبائل ومكونات مجتمعية ليبية حيث أعلن،الأحد، أعيان ومشائخ ليبيا دعمهم للجيش الليبي.وجاء ذلك خلال لقاء جمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح،مع وفد من أعيان ومشائخ ليبيا، للاطلاع على مستجدات الأوضاع الليبية.

وقال المستشار الاعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي المريمي، في تصريح خص بوابة إفريقيا الإخبارية بنسخة منه، "إن المجتمعين أكدوا خلال اللقاء دعمهم لتحركات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الدولية والرامية إلى سحب الاعتراف بحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي، وكذلك رفض مذكرة التفاهم التي أبرمت ما بين اردوغان والسراج لأنها تمس السيادة الليبية، والاتصال بكل دول العالم والمنظمات الدولية لتوضيح الواقع والأزمة في ليبيا، ودعمهم للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر".

وفي السياق ذاته،أكد وفد حراك شباب فزان،خلال لقائهم مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، اليوم الأحد،  على دعمهم لمجلس النواب، كما عبروا عن تأييدهم للقوات المسلحة في حربها على الإرهاب وعملية تطهير العاصمة من المجموعات الارهابية والمليشيات المسلحة.وفق ما أورد المكتب الإعلامي لمجلس النواب.

في غضون ذلك،يواصل الجيش الليبي تقدمه في محاور القتال في العاصمة طرابلس،حيث أعلن سيطرة قواته على معسكر التكبالي وطريق السدرة.وكانت وحدة الإعلام الحربي التابعة للكتيبة 155 مشاة، أكدت في بيان سابق، أن القوات المسلحة تمكنت، أمس السبت، من التقدم في محور مشروع الهضبة صلاح الدين، وسيطرت على مراصد جديدة بعد توجيه عده ضربات لتمركزات الوفاق.

وأمام التقدم المتواصل للجيش الليبي،صعدت تركيا من تهديداتها بالتدخل العسكري في ليبيا،في محاولة لدعم حلفائها من جماعة "الاخوان" التي كثف قياداتها مؤخرا من الضغط على حكومة الوفاق باتجاه طلب التدخل التركي في مشهد كشف بوضوح نوايا وأهداف الجماعة الباحثة عن السلطة بعيدا عن أي انتماء للوطن. 

وعاد الرئيس التركي للحديث عن تدخل بلادة في ليبيا قائلا ان "تركيا ستزيد دعمها العسكري لحكومة فايز السراج في ليبيا إذا استدعى الأمر، وستقيّم الخيارات الجوية والبرية والبحرية".وأشار الى ان "تركيا لن تتراجع مطلقا عن الاتفاقات البحرية والأمنية التي وقعتها مع حكومة السراج"، موضحاً انه "اذا تم التخلي عن الإجراءات التي بدأناها مع قبرص التركية وليبيا فإنهم لن يتركوا لنا أي ساحل ندخل منه البحر"،على حد زعمه.

وبدوره،قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار،الأحد، أن مذكرتي التفاهم المبرمتين بين تركيا وليبيا تتمتعان بأهمية استراتيجية على صعيد حماية الحقوق والمصالح لدى كلا البلدين.ونقلت وكالات أنباء تركية عن الوزير قوله "إن تركيا ستقف إلى جانب الحكومة الليبية المعترف بها دوليا حتى يتم إرساء السلام والاستقرار والأمن في البلاد"، وذلك بعد أن وقع البلدان اتفاق تعاون عسكري الشهر الماضي.

وبعد أن زعم في أكتوبر الماضي أن "الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل"،ظهر أردوغان،في مقطع مرئي بثته أحد القنوات الفضائية، قال فيه "إن هناك مليون تركي يعيشون في ليبيا، والزعيم كمال أتاتورك كان مقاتلًا بالجيش العثماني في ليبيا وكان يكافح هناك في الجبهات، لذا يجب علينا اليوم أن نتواجد في ليبيا ونقاتل أيضًا".

وتثير التصريحات التركية المتواصلة حول التدخل في ليبيا موجة من الغضب والاستنكار في الأوساط الليبية الشعبية والرسمية التي ترفض محاولات أردوغان عبر أذرعه من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" والجماعة الليبية المقاتلة،لتنفيد مخططاته الساعية الى مد نفوذه وتمرير أجنداته في المنطقة جريا وراء أحلامه باحياء ما اسماه ارث أجداده العثمانيين.

ودشنت مجموعات كبيرة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا، اليوم الأحد، هاشتاج "#انا_ليبي_ولست_من_ضمن_المليون"،في رد على مزاعم أردوغان التي اعتبرها كثيرون مدعاة للسخرية من رئيس بات يعيش داخل أوهامه بعيدا عن الواقع الذي تشهده بلاده في ظل أزماتها الاقتصادية المتصاعدة جراء سياسته العدوانية التي يدفع ثمنها الشعب التركي.

ووصف عضو مجلس النواب د. محمد عامر العباني، تصريحات أردوغان بشأن التدخل العسكري في ليبيا، بأنها تصريحات "حمقاء". وقال العباني في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، "أردوغان لا يعرف الشعب الليبي وعناده ومدى حبه لأرضه واستعداده للموت من أجلها، إن التصريحات الحمقاء الذي يتقيأ بها أردوغان، تجعل كل الليبيين يقفون صفا واحدا مع القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية للدفاع عن أرضهم وعرضهم".

وأشار العباني الى أن الذاكرة الليبية تحوي الكثير "من قهر ومعاناة من عساكر الدولة العثمانية وجباة الميري"،وتابع قائلا "وإن نسوا نذكرهم بغومة المحمودي، ومنصور ولد سوق الذيب، ولسان حال شعبنا يقول، إنكم لن تدخلوها ونحن نتنفس على قيد الحياة، وننصح أردوغان التزام حدوده، وعدم اللعب بالنار، ونقول له ليبيا فيها رجال تمشي على الجمر حافية"، بحسب تعبيره.

  من جهته،اعتبر السياسي الليبي سعيد رشوان،في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "خطاب اردوغان اليوم والكلام على رعايا أتراك في ليبيا، هذا كلام مستفز لدرجة الوقاحة ويشكل عملاً عدواناً خطيراً، ويمثل تهديداً للسيادة والوحدة الوطنية الليبية، ويجب رفضه والوقوف من كل الليبيين بغض النظر عن خلافاتهم اليوم.

ودعا رشوان البرلمان والحكومة المؤقتة للإسراع باصدار بيان رفض لهذه التصريحات وكذلك تقديم مذكرة لمجلس الأمن والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي بخطورة هذا التصريح على الوحدة الوطنية والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد الذي يعد تحدياً واختراق للقانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين الدول الاعضاء في الأمم المتحدة"، بحسب قوله.

ويواصل نظام أردوغان محاولاته التدخل لمنع تحرير العاصمة الليبية التي تمثل الملاذ الأخير للمليشيات الموالية لتركيا.حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.ويشير مراقبون الى أن أردوغان الذي سقط حلفاؤه "الاخوان" في مصر وانهارت مخططاته في سوريا التي أسسها عبر التعويل على التنظيمات الارهابية هناك،حول نظره الى ليبيا سعيا لدعم الميليشيات الإخوانية التي تحكم طرابلس على أمل أن توفر له موطئ قدم في المنطقة وتمنحه مجالا لنهب ثروات ليبيا أملا في انقاذ اقتصاد بلاده المتدهور.