قال الأكاديمي الليبي عقيلة دلهوم، "إن مدينة ترهونة في محك خطير للغاية مرتبط بمصداقيتها، وبحجم ثقة قبائل ليبيا بها، وعليها أن تكون في مستوى الثقة المعهودة".

وتابع دلهوم في قراءة تحليلة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعنوان "ترهونهة والمهمة الصعبة، بين النجاح والإخفاق، بين المبادرة والمغالطة"، والتي جاءت كما يلي:

{1}

كلام أمس القريب

قال أحد أعيان قبائل ترهونة في {سنة 2014م، في تصريح لموقع العربية نت / تاريخ النشر: الأحد 26 رجب 1435 هـ - 25 مايو 2014 }، عند عقد مؤتمر القبائل الليبية، قال بالحرف الواحد : [ لقد تم قتل أبنائنا وسجنهم وتعذيبهم وتهجيرهم وسبي بناتنا وتدمير مدننا وقرانا وانتهاك حرماتنا في ظل ثورتهم، واستقووا علينا بالأجنبي تحت شعارات ثورة فبراير، فكيف نحارب معهم تحت الشعارات ذاتها؟] .

{2}

الماضي الجهادي لترهونة

أرخت كتب التاريخ أنه من ترهونة انطلقت معارك الجهاد ضد المستعمر الإيطالي، كأغلب المدن الليبية، وان زعماء الجهاد الليبي من التراهنه مع غيرهم من أبناء القبائل اللبيبة كانوا قد كبدوا الغزاة الطليان هزائم نكراء سنة 1915م، وذكر لنا مؤرخي الجهاد الليبي أنه بعد وصول الحزب الفاشستي الإيطالي للحكم ، وعودته الى ليبيا سنة 1922م، عاد وحداته العسكرية إلى ترهونة المجاهدة بحثاً عن بعض زعماء الجهاد الليبي لتقتص منهم على طريقتها الظالمة.

ذكر المؤرخون واقعة الإعدام شنقاً للمجاهد حمد عبد الرحمن سويدان الترهوني سنة 1923م، الذي قاد جانباً من تلك المعارك ضد إيطاليا. في ساحة المدينة قبالة المسجد الأثري وتخليدا لذكراه ولشهداء لتلك المعركة، ينتصب في مكان إعدامه اليوم النصب التذكاري لشهداء تلك المعركة الخالدة.

*ترهونة ضد المؤامرة الكونية:

في سنة 2011م، ومع بداية المؤامرة المؤذية على بلادنا، كان لقبائل ترهونه دوراً كبيراً في المواجهة والصمود، وقدمت ترهونه أفضل رجالها للدفاع عن الجماهيرية.

ففي معارك البريقة وما حولها، وفى قلب مدينة سرت ظل أبناء ترهونه الأبطال يمتشقون أسلحتهم إلى اللحظة الأخيرة. فأحد الإحصائيات مثلاً، التي وقعت بين يدي، تفيد بالنص التالي {بأن أفراد الشعب المسلح من أبناء قبائل ترهونه الذين وقفوا مع شرعيه الجماهيرية العظمى وقائدها بلغ عددهم أكثر من (6000) الاف شهيد في المعارك المختلفة، أغلبهم حول مدينة مصراته، وحوالي (7100) من المفقودين.

{3}

ترهونه بعد 2011م

بعد 2011م، رضخت ترهونه كغيرها من المدن الليبية لسلطة الحكومات الفبرايرية وأدواتها المختلفة، وقاست كثيراً من العنف الناتج عن تناحر ميليشياتها فيما بينها أو مع غيرها. ولأننا لسنا في سياق ذكر العنف والجرائم التي مارستها المليشيات التابعة لهذه المدينة ، لكننا يجب أن نتوقف عند بعضها لما لذلك من علاقة بالحراك العسكري الحالي الذي ينطلق من مدينة ترهونة. فقد برزت في السنوات الأخيرة على مشهد العنف في هذه المدينة العظيمة مليشيا تعرف باسم "الكانيات" ، نسبة إلى المدعو {محمد الكاني}، ويشرف عليها الإرهابي المتشدد (أحمد فرج الساعدي) مقرر المؤتمر الوطني السابق والعضو البارز بالجماعة الليبية المقاتلة. وقد جاءت هذه المليشيا بعد أن أنهت الدور المماثل الذي كانت تمارسه كتيبة ابوعجيله الحبشي ضد أبناء مدينة ترهونه.

وهى مليشيا احتوت، {وفقاً للتقارير والأخبار الإعلامية التي تناولت خفايا هذه المليشيا في ذلك الوقت}، على عناصر تابعة لسرايا الدفاع عن بنغازي الإرهابية الفارة من الجفرة جنوب البلاد ومقاتلي مجلس شورى بنغازي الإرهابي المنتمين لتنظيم القاعدة.

وأكدت التقارير أن هذه الميليشيا قامت بجرائم قتل جماعي بحق عائلات وأشخاص في ترهونة والمناطق المجاورة، لعل أبشعها تلك التي ارتكبتها "مليشيات الكاني" والمليشيات التابعة للجماعة الإسلامية المقاتلة المتحالفة معها في يوم الأحد 27 أغسطس 2017م، في منطقة الرقيعات 30 كيلومتر جنوب غرب مطار طرابلس حين أقدمت على قتل ثمانية أشخاص من المنطقة بينهم ثلاثة أخوة بعد اشتباكات مع السكان. ووفقا للمصادر ذاتها فقد قامت (مليشيات الكاني) في ذلك الوقت، بهدم وحرق عدد من البيوت بالمنطقة وﺍﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻠﺤﺔ ﻭﺳﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﻘﺮ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ، بالإﺿﺎﻓﺔ إلى ﻫﺪﻡ ﻣﻘﺮ جهاز ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻏﻴﺮ الشرعية.

كثيراً ما طالبت لجان حقوق الإنسان بليبيا بالتوقف عن القتال الدائر بين أهالي ترهونة ومليشيا الكاني. لعلنا نتذكر جريمة شهر أبريل 2017م، حين قامت الميليشيا نفسها بقتل أكثر من عشرة أشخاص من عائلة {بسبوسة} رمياً بالرصاص بينهم طفلين، بحسب بيان منظمة ضحايا لحقوق الإنسان الليبية التي أشارت إلى أعمال العنف والقتل المتكررة التي مارستها هذه المليشيا، وما نتج عنها من نزوح وتهجير للسكان.

وبحسب تقرير حول منظمة ضحايا الانتهاكات لحقوق الإنسان السنوي في ليبيا عن العام 2016، الذي ورد فيه أنه قد تم تهجير 300 أسرة من مدينة ترهونة، وقتل 218 مدني خلال أعوام 2014/ 2015م.

{4}

ترهونة والمهمة القادمة

بعد سكون مطبق أحاط بمدينة ترهونه، دام لسنوات متتالية، عاشت فيه معزولة مع معاناتها التي أشرنا لها، فاقت ترهونه من غيبوبتها واستجمعت قواها ، فدعت إلى عقد مؤتمر القبائل الليبية بها في سنة 2014م، وكانت له نتائجه الإيجابية، وفقاً لبيانه على الأقل.

واليوم إذ تنطلقَ، فعالياتُ ملتقى القبائل الليبية بمشاركة عدد من ممثلي الكثير من القبائل الليبية، نشعر بأن هذه الدعوة هي عين العقل وصواب الفعل.

ونؤكد على أننا يجب أن لا نبخس ترهونه حقها في المساهمة بحل الأزمة في بلادنا، بل أننا نحثها على القيام بواجبها بشكل أخلاقي ووطني مُشرف.

وفى الحين نفسه الذي نضع فيه ترهونه أمام مسؤوليتها التاريخية، فأن نتمنى صادقين لها التوفيق لنكون جاهزين بكل ما نملك من إمكانات مادية ومعنوية للخروج معها ببلادنا من هذا النفق المُظلم. ولا نجد أبداً في هذا الصدد أي عذر لأي قبيلة ليبية بالتخلف عن تلبية الدعوة لحضور هذا المؤتمر الهام، فالغياب والمقاطعة لهذا المؤتمر الاجتماعي ليس حلاً على الإطلاق، وليس هناك موانع تحول دون أن يضع أعيان وشيوخ وأبناء القبائل الحاضرين كل تخوفاتهم وظنونهم على الطاولة لتكون محل نقاش بهدوء وتفهم. ولا أعتقد أن هناك من سيمتلك العصاة السحرية ليلجم بها ألسنة الصادقين، {فكلام اليوم وراءه غداً}، ولا يجب أن يصدق الجميع مع أنفسهم ، وينقلوا أماني أهلهم وتصوراتهم، أما معاناتهم فهي شأن يشترك فيه الجميع بلا استثناء.

لكننا بالمقابل، يجب أن نؤكد على أن ترهونه كقيادة اجتماعية ينبغي لها تمارس دورها بحرية تامة، وأن تصدق مع نفسها ومع الآخرين، وأن تقدم الحقائق كما هي، وأن تحرص على أن الحراك الحالي من داخلها هو محك خطير ومهم لمصداقيتها، ومحور ارتكاز الثقة بها. فإذا كان العنف والسطوة هي التي توجه خطاب ترهونه، وتسرق أمانيهم ، وتمتطي مواقفهم نحو غايات مجهولة أو غير متوقعة، فعلى أعيان وشرفاء ترهونه أن يصدحوا بالحقيقة داخل هذا المؤتمر بين أهلهم وأخوتهم من أبناء القبائل الأخرى، فلا خداع ولا تلون ولا رياء في المصير الوطني، ومستقبل الأجيال.

أما إذا كانت ترهونة واثقة من خطواتها، ولديها مشروع حقيقي محدد وواضح، وهدف وطني يستحق تضحية الجميع لأجله، ونوايا صريحة غير متناقضة مع مرور الزمن وتغير الأحداث ، فعلى أعيان ترهونه تقع مسؤولية الإعلان الصريح عن الغاية والمشروع ، والتكتيك داخل هذه المؤتمر.

*فما نخشاه هو أن تكون إرادة ترهونه ما زلت مسلوبة، وأنها ستكون مطية ، وكبش فداء لغايات ضيقة تخدم مصلحة أشخاص أو أحزاب أو فئات متأدلجة ومتشددة،

أو منحرفة عن المشروع الحقيقي الذي يجب أن تتبناه ترهونه بوضوح مع غيرها لإنقاذ ليبيا.

*لن أتناول مسألة الحضور الدولي بتعاونه أو وصايته،

ومدى تأثيراه على نتائج هذا المؤتمر، سنترك الأمر لحضوره، فبينهم من له الإرادة والقدرة على الصدح بالحقيقة في وجه الإرادة الدولية المنحازة، والعابثة غالباً.

*ولن أتناول أيضا مسألة {اللواء السابع} في ترهونه، تبعيته العسكرية، و ميوله السياسية، فحقيقته يعلمها أهل ترهونه، وتقع عليهم مسؤولية الكشف عنها.

وقد تناولت أعلاه تاريخ {مليشيا الكانيات، وعنفها الذى ترفضه ترهونه نفسها سراً أو علناً، ومشروعها الذى سيقاومه الناس حتى بالأظافر.

فإذا كانت تركيبة اللواء السابع هي نفسها، والغاية نفسها، والعنف والإجرام والقتل الذي عانت من ترهونه، هو نفسه الذي سوف ينتقل إلى العاصمة، وليسود ليبيا بشرعية قبلية مخدوعة، أو ليقدم هذا اللواء ليبيا على طبق من ذهب لأي حالم مندفع نحو حكم ليبيا بأي ثمن، ولو لساعة واحدة، دون احترام لحق الليبيين في تقرير مصيرهم بإرادة كاملة.

فذلك أمر لن يتفق الناس حوله حتى لو تم تمريره خلال انعقاد هذا المؤتمر، فالناس تتعامل مع المتغيرات على الأرض، مع الأفعال، و{حبل الكذب قصير}.

حين يكتشف الناس أن ترهونه، لا سمح الله، قد خدعت قناعاتهم، ودغدغت عواطفهم وأحبطت أمنياتهم، فسوف تكون ترهونه أشبه بمصراته، للأسف، وسوف تدفع الثمن غالياً بكراهية محيطها الاجتماعي ونبذه لها.

أما إذا أثبتت الأفعال القادمة صدق النوايا، وحقيقة الأقوال والبيانات والوعود، فسوف يسند الجميع ظهر ترهونه الماضي الجهادي العظيم ضد الطليان، والذي توجته بألآف الشهداء دفاعاً عن الجماهيرية ضد المؤامرة في 17 فبراير 2011، كان على رأسهم الشهداء {الهنشيري والواسع}.

نُعول على ترهونه صادقين في أن تسير نحو تحرير ليبيا من قذارة مشروع 17 فبراير، فليست غايتنا فقط تحجيم مليشيات الاعتمادات المفسدة، أو استبدال ميليشيا مجرمة بلواء أكبر حجماً، يدين بالولاء لحكومة الوفاق، وينتصر لمشروع 17 فبراير ...وفقاً لبيانات قادته.

*نحن نتوق إلى مستقبل سيادة الوطن التي هي فوق كل اعتبارات المال والذهب والسلطة.

هذا المستقبل الذي لا يمكن أن يتحقق مع استمر أي أثر لنكبة 17 فبراير.

*لهذا،،، فترهونة في محك خطير للغاية مرتبط بمصداقيتها، وبحجم ثقة قبائل ليبيا بها.. عليها أن تكون في مستوى الثقة المعهودة.