قبيل الذكرى السادسة لإطلاق عملية الكرامة بأيام ، أعلن القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر بقبول المؤسسة العسكرية التفويض الشعبي لقيادة المرحلة القادمة في البلاد، وإسقاط إتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015 والذي لا تزال سلطات طرابلس تتخذ منه غطاء سياسيا رغم إنتهاء آجاله القانونية ومهلة التمديد المخصصة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
في 23 ابريل الجاري، كان حفتر قد دعا الشعب الليبي الى تفويض القوات المسلحة ومنحها قرارا وصفه بالتاريخي، لإدارة شؤون البلاد وفق إعلان دستوري يمهد لدولة مدنية، ولقيت تلك الدعوة ترحيبا شعبيا واسعا في مختلف أرجاء ليبيا ، من قبل الفعاليات الشعبية والإجتماعية والنقابية والسياسية ، وهو ما إعتبره المراقبون دليلا على أن الشعب الليبي أيقن من فشل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق والإتفاق السياسي ، ومن عجز مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه عن مواكبة إنتصارات الجيش في المناطق المحررة.
جاء قرار المشير حفتر بقبوله التفويض الشعبي لقيادة شؤون البلاد ، في ظل دوافع ومعطيات عدة لم تعد تسمح بمزيد التراخي في التعامل مع الواقع المتأزم منذ الإطاحة بنظام القذافي في العام 2011.
من تلك المعطيات أنه وخلال السنوات الماضية ، بات هناك إعتقاد شعبي راسخ بأن النخبة السياسية الليبية في أغلبها ، مستفيدة من إستمرار الأزمة ، وأن من بين عناصرها من يرى مصلحته في دوام الأزمة ، أو من يعمل في الخفاء على تحقيق توافقات مع جماعات الإسلام السياسي وأمراء الحرب لتقاسم السلطة من جديد ، على حساب تضحيات الجيش ومعاناة الشعب ، حيث تحولت الدولة الى « غنيمة حرب » لفائدة قوى بعينها ، تختلف علنا ، ولكنها تجتمع سرا على رغبتها في البقاء في الحكم والتمتع بإمتيازات السلطة رغم فقدانها للشرعية الشعبية وإنتهاء الصلاحية الدستورية للمؤسسات التي تنتمي إليها.
كما أن الإتفاق السياسي، وبدل أن يؤدى الى حل عملي للأزمة في مدة لا تتجاوز عامين، خلق ديكتاتورية جديدة في وسط العاصمة من خلال تحالف المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق مع الميلشيات الخارجة عن القانون، برعاية إخوانية، تحول منذ أواخر العام 2019 الى قوة إستدعاء لتدخل أجنبي سافر ضد الجيش الوطني والأغلبية الساحقة من الشعب ، لتصبح منطقة الغرب الليبي ، وخاصة طرابلس ومصراتة تحت وصاية تركية معلنة
يضاف الى ذلك ، أن القيادة العامة للقوات المسلحة ، أدركت أن الدور الدولي ، عاجز عن إنقاذ الوطن والمواطن من الأوضاع المتردية ، وعن إلجام المليشيات ، أو عن منع التدخل التركي المباشر بالسلاح والمرتزقة وجحافل الإرهاب، أو عن تحصين قوت الليبيين من بارونات الفساد المتغلغلة في مفاصل المؤسسات السيادية، وحتى عن حماية النساء والأطفال من الحصار والتجويع والقصف العشوائي.
بالمقابل ، كان مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014، وراء جانب مهم من الأزمة، فهو الشريك الرسمي في إتفاق الصخيرات، وحتى فائز السراج كان من إعضائه الذي رشحهم للمشاركة في المفاوضات التي أدت الى ذلك الإتفاق ، كما أن عددا مهما من أعضائه إنحازوا الى المشروع الإخواني ، أو إختاروا الصمت المريب ، أو التآمر الخفي على المؤسسة العسكرية عبر البحث عن توافقات سرية مع مجلس الدولة الإستشاري الذي يدار من قبل قوى الإسلام السياسي في طرابلس.
وخلال الأسبوع الماضي خرج رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بما قال أنها مبادرة لحل الأزمة ، هدفها إعادة تدوير ورسكلة الوضع الحالي ، ولكن طبق المشروع الفيديرالي للعام 1949 ، الذي وإن كان دستور 1951 قد تبناه ، إلا أن تعديلات 1963 قد أطاحت بها ،عندما تم الإعلان عن ليبيا الدولة الواحدة الموحدة بنظام مركزي يقطع مع التجزئة ، وهو ما تم الحفاط عليه في آخر سنوات العهد الملكي وتدعيمه في سنوات حكم القذافي ، قبل أن تسعى بعض الأصوات الإنعزالية المدعومة من جماعة الإخوان الى إعادة طرحه منذ العام 2011 في محاولة لتفكيك السلطة المركزية وتحقيق التمكين عبر التغلغل في الحكم المحلي
لكن قيادة الجيش، أدركت أن الوقت حان لتمسك بمقاليد الأمور ، وهي مستعدة لمواجهة كل الضغوط الإقليمية والدولية ، طالما أنها تحظى بالدعم الشعبي ، خصوصا وأن القوى الخارجية ، وعلى رأسها العواصم الغربية ، أثبتت فشلها في إيجاد الحل المناسب لأزمة يراد لها أن تتشعب أكثر يوما بعد يوم.