في هذا الحوار، يشخص المحلل السياسي، والأمين العام السابق للخارجية، الأستاذ عبد العزيز جراد، معوقات ورهانات المبادرة الجزائرية لإطلاق حوار شامل مع فرقاء الأزمة في ليبيا، ويحذر الأستاذ جراد الذي اشتغل مستشارا عند الرئيس السابق اليامين زروال، من تكفل الجزائر وحدها بالملف الليبي، ما قد يفتح عليها صراعات مع دول لها مصالح في ليبيا، ويقترح أن تنضوي مبادرتها لحل الأزمة سياسياً ضمن إطار إقليمي أو عربي أو إفريقي.

 

 كيف تقرأ إعلان الجزائر إطلاق مصالحة بين فرقاء الأزمة في ليبيا؟

 

 في البداية ليبيا دولة مجاورة للجزائر، ومن الضروري أن نحاول إيجاد حلول لاستقرار ليبيا لأن  لذلك علاقة مباشرة بأمننا القومي، هذا هو المبدأ الأول. ثانيا منذ بداية الأزمة في ليبيا كانت الجزائر تقول إن الحل سياسي، ولا يمكن أن يكون عسكرياً بتدخل قوى أجنبية ساهمت في إسقاط نظام القذافي، لأن هذا سينعكس على ليبيا، انطلاقا من أن ليبيا بدون مؤسسات قويّة ولها تركيبة اجتماعية معقدة جدا، أدت بعد انهيار المؤسسات إلى بروز الصراعات القبيلة والجهوية. ثالثاً كل الأسلحة المتواجدة في الساحة الليبية ستكون بين أيدي الإرهابيين، وبالتالي وقوع المنطقة في دوامة من عدم الإستقرار، وهو ما تجلى في كثير من العمليات الإرهابية.

 

المبادرة الجزائرية أو الاقتراح بحدّ ذاته ايجابي، لكن أرى أنه من الضروري أن نحدد المقاربة بدقة، لأن الإرادة الطيبة للجزائر لا تعني أن ندخل في دوامة ونصبح طرفاً قد يؤدي ببلادنا إلى مخاطر، خاصة من الناحية الأمنية.

 

 ماذا تقصد بكلامك؟

 

 أقصد بذلك أن تكون المبادرة الجزائرية، في إطار متعدّد الأطراف، وأن لا تكون الجزائر طرفا واحدا في حل الأزمة الليبية بين الأشقاء. الأسلم أن تكون في إطار إفريقي، أو عربي أو إقليمي.

 

 كيف يمكن ذلك في ظل الجمود الذي يسود المؤسسات التي ذكرت أو إشراك طرف إقليمي كمصر وهي متهمة بالتدخل العسكري في ليبيا؟

 

 هذا يؤكد أن الأزمة الليبية معقدة ومركبة، ومن الخطأ أن نكون طرفا في هذه الأزمة، أنا مع كل الاقتراحات والمبادرات لإيجاد حوار بين الأشقاء الليبيين، مع التأكيد مرة أخرى أن لا نكون طرفا وحيدا، بل أن نشارك في مبادرة متعددة الأطراف.

 

 لمّا نرى الدور المصري لما لها من علاقات في ليبيا، ونرى دور الاتحاد الإفريقي، أو الاتحاد الأوروبي والقوى الأخرى كأمريكا، يجب على الجزائر أن تندمج في هذا السياق الدولي وأن لا تجرّ نفسها لوحدها في الأزمة الليبية.

 

 كيف تفسر سرعة تحرك الجزائر في هذه المرة مع غيابها التام عند بداية الأزمة في ليبيا؟

 

 في البداية كان الموقف الجزائري مترددا، بسبب غياب كل المعطيات عن الوضع الذي عرفته ليبيا بداية من فيفري 2011، ولو عدنا إلى تلك الفترة، كانت هنالك نظرية "الدومينو" في العلاقات الدولية، التي بدأت في تونس ثم مصر فليبيا وسوريا، فهذا التسلسل الرهيب في عدم استقرار المنطقة أدى بالسياسية الجزائرية إلى أن تكون نوعا ما متفرجة، باعتبار عدم تمكنها من كل الوسائل والإمكانيات لحصر ما جرى. وبعد سنوات ثبت صوابُ النظرية الجزائرية بعدم التدخل في الشؤون الدولية، وأن الحلول السياسية يجب أن تكون داخل البلد نفسه الذي يعاني أزمة.

 

 كما أن الجزائر قد نبهت حينها، إلى الخطورة التي يشكلها انتشار السلاح  وهو الخطر الذي مس الجزائر كما جرى في تيقنتورين على سبيل المثال، ما يجب التأكيد عليه من الموقف الجزائري عند بداية الأحداث في ليبيا، أن السكوت لم يكن صمتا لمساندة القذافي مثلما روّج له البعض أو اعتقده آخرون، لكنه كان بهدف التربص والترقب إلى حين تشخيص واف للعلاقات الدولية الحالية، في ظل الدور المتواضع للجزائر مقارنة بالقوى العظمى، لكن الأيام أثبتت صواب الموقف الجزائري المتخذ آنذاك.

 

 بمنطق الربح والخسارة ما هي احتمالات نجاح وفشل الوساطة وما هي أدوات النجاح في ظل مؤشر وحيد حاليا هو ترحيب للأطراف الليبية؟

 

 عند بدء مبادرة لحل سياسي لازمة معقدة، لا يمكن الجزم في بدايتها بالنجاح أو الفشل، لكن لعب دور الوساطة هي محاولة بلد إيجاد حل لأزمة في بلد مجاور. يجب أن نأخذ كل المعطيات والوسائل والإمكانات والاتصالات لإيجاد المساحات للّقاء مع الأطراف، وإيجاد تقارب بينها، وإقناعها بأن تتحاور بالكلام وليس بالسلاح، ووقف استعمال العنف وهو أمرٌ صعب جدا، مع ضرورة تحديد الأهداف الواجب تحقيقها على المدى القريب ثم المتوسّط والبعيد.

 

 إلى حدّ الساعة لم يتم تحديد الأطراف المشاركة، فهل الأنسب دعوة الجميع بمن في ذلك المتشددين ورموز النظام السابق؟

 

 يجب التأكيد والانطلاق من أمر مسلّم به، وهو أن الأزمة معقدة جدا، وزيادة على وجود تدخلات أجنبية لا تريد الخير والاستقرار لليبيا التي لا تملك مؤسسات قوية، وهم متواجدون في الساحة ولا يريدون تضييع مصالح إستراتيجية، زيادة على سياق إقليمي متوتر كما هو الحال في سوريا والعراق، كل هذه المعطيات تجعلنا نقول دون تردد إنه من الصعب جمع الأطراف الليبية من مختلف التوجّهات، لكن هل معنى هذا أن نتخذ موقفا سلبيا؟

 

 يجب أن نحاول على الأقل التعاطي الايجابي والتحرك مع مختلف الأطراف، وإقناعها أن استعمال السلاح ليس هو الحل، الذي لن يكون سوى بالرجوع تدريجياً إلى الحوار السياسي، وإقناع الفرقاء في ليبيا كذلك أن الحل بأيديهم وليس بأيدي الأطراف الخارجية.

 

   

عن « الشروق اليومي » الجزائري