بعد أدائه لعرض موسيقي فريد من نوعه، في أول ليالي سهرات مهرجان "كناوة ...موسيقى العالم"، بمدينة الصويرة غربي المغرب، طوع فيه نغمات كمانه لتصاحب إيقاعات "كناوة" الصوفية الأفريقية وأهازيج "الرباب الأمازيغية"، أحيا عازف الكمان الفرنسي "ديديي لوكوود" حفلا موسيقيا أمتع خلاله جمهور الموسيقى الأفريقية بألحان من وحي التراث الغربي الكلاسيكي، وأخرى على إيقاعات موسيقى الجاز العالمية.
"ديديي لوكوود" الذي حصل في بداياته الفنية على الجائزة الأولى في المعهد الموسيقي "كاليه" بفرنسا، تغير مسار حياته الفنية بشكل لافت سنة 1974، بعد لقائه بمجموعة من الموسيقيين المحبيين لموسيقى الجاز كـ"كوردن بك" و"ليني وايت" وآخرين، ليصبح بعد سنوات واحدا من أعلام موسيقى الجاز في العالم.
وكانت فرقة العازف الفرنسي "ديديي لوكوود" المكونة من عازف بيانو وآخر على آلة "باتري" الإيقاعية، قد أحيت في عرض موسيقي رافقت فيه إحدى أشهر فرق فن كناوة المحلية فرقة "حسن بوسو" وعازف الرباب الأمازيغية "فولان"، حفل افتتاح الدورة السابعة عشر لمهرجان "كناوة..موسيقى العالم" الذي تتواصل فعالياته إلى غاية 15 من يونيو/ حزيران الجاري، حضره عدد من وزراء الحكومة المغربية وشخصيات ثقافية وسياسية أجنبية وغربية.
ويشكل المهرجان، حسب المنظمين، تجربة مميزة في التواصل الثقافي والموسيقي بين روافد حضارية مختلفة، حيث تجمع خليطا متناغما من التراث الكناوي الغني ومختلف موسيقى العالم، تمت برمجتها في 30 عرضا موسيقيا على 6 أماكن طيلة مدة المهرجان.
ويستقبل معلمو كناوة العشرون المشاركون في الدورة الحالية للمهرجان، أسماء كبيرة في عالم الجاز وموسيقى العالم، من أجل الإقامات الفنية، والحفلات الموسيقية والمزج الموسيقي المتميز المعروف ب "الفيزيون" بمشاركة فنانين وفرق من مدن مغربية، ودول الولايات المتحدة ، وألمانيا، وفرنسا، ولبنان ودول جنوب الصحراء.
ويعمل المهرجان على إدخال هذه الأنماط الموسيقية الحديثة على موسيقى كناوة الروحية بهدف إلى تجديدها وتأكيد انفتاحها على مختلف الثقافات والأنواع الموسيقية الأخرى؛ واشتراكها معها في لغة إنسانية عالمية واحدة.
وتتميز مدينة الصويرة، بكونها المعقل الروحي لكناوة في المغرب، الذين اعتنقوا الإسلام في ديارهم الجديدة، وأبدعوا موسيقى صوفية تمزج بين الموروث الأمازيغي والعربي والأفريقي. ويعتبر مهرجان "الصويرة كناوة وموسيقى العالم" أحد أبرز المهرجانات الفنية والثقافية التي تقام في المغرب في فصل الصيف.
وتعد موسيقى كناوة، صنفا من الموسيقى الدينية الروحية اشتهر بها الزنوج المغاربة الذين استقدموا ألحانها وآلات العزف عليها من الموروث الشعبي الأفريقي، وكثير من إيقاعاتها تشبه موسيقى القبائل الأفريقية في مناطق جنوب الصحراء، لكنها تؤدى بكلمات عربية تدور أغلبها حول تيمات روحية ودينية.
ولعقود، عاشت موسيقى "كناوة" الصوفية كلحن مغمور في أزقة مدينة الصويرة (جنوب المغرب) ودروبها العتيقة، وبعد سنوات، جعل منها "مهرجان كناوة ..موسيقى العالم"، الذي تحتضنه المدينة، موسيقى عالمية، تنافس موسيقى الجاز، وتصنف في خانة الإيقاعات الروحية لشعوب العالم.
كلمات الأغاني الكناوية العربية، ترتدي عباءة اللحن الأفريقي، وتغنى على إيقاع الأهازيج التي كان يرددها القادمون من أفريقيا في احتفالات قبائلهم، وحين ترحالهم مع القوافل التي تجتاز الصحراء في رحلات التجارة التي كانت تقصد أفريقيا بحثا عن المواد الأولية والذهب والملح وغيرها.
وتعود الأغاني الكناوية لدى العديد من القبائل الإفريقية إلى أساطير قديمة حملها المهاجرون إلى المغرب في رحلات هجرة قسرية حينا وطوعية حينا آخر، حيث يقول المعلمون الكناويون إن هذه الموسيقى هي إرثهم الخاص، الذي يعود إلى تلك الحقبة من تاريخ تواجد الزنوج الأفارقة في المغرب.