تساءل موقع "ديلي بيست" الأمريكي في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني عما إذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما سوف يفسد الأمر في سوريا كما فعل من قبل في ليبيا وساعد في الإسراع بأن تتحول الأخيرة إلى دولة فاشلة، محذراً من تكرار السيناريو مع سوريا لاسيما أن العواقب في هذه الحالة ستكون أسوأ بكثير.

وحسب موقع 24 الإخباري، يستهل التقرير بالإشارة إلى أن ليبيا تعاني من حالة فوضى، إذ تتنافس على السلطة منذ عام 2014 حكومتان هما: مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام ويعتمد الجانبان على تحالف فضفاض من المجموعات المسلحة، والواقع أنهما يفتقدان، برأي التقرير، إلى الشرعية أو السلطة الحقيقية في الوقت الذي تتمتع فيه المجموعات المسلحة بالسيطرة الحقيقية على أرض الواقع.

أما "حكومة الوفاق الوطني" التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) 2015 بوصفها عملية انتقالية، فهي تُعد بحسب التقرير، بمثابة إضافة طرف ثالث إلى حالة الفوضى السائدة في ليبيا.

يقول التقرير: "سوريا أيضاً تشهد حالة من الفوضى، ولاشك في وجود بعض الاختلافات بالطبع بين الحالتين، ولكن يبقى التشابه في سيطرة المجموعات المسلحة على الحكم والمحاولات الدولية الخرقاء للوصول إلى حلول يمكن أن تقود في النهاية إلى فوضى ودولة فاشلة مثلما حدث في ليبيا.

ومن ثم ينبغي على الإدارة الأمريكية، أثناء محاولتها للتعامل مع الأزمة المستمرة في ليبيا، أن تتعلم من أخطائها في ليبيا".

ويلفت الموقع إلى عدد من الدروس التي يتعين الآخذ بها في الاعتبار، وبحسب التقرير فإن الدرس الأول يتمثل في تجنب خلق فراغ في السلطة في منتصف الحرب.

وبينما تبدو الإدارة الأمريكية غير مبالية أو مستعدة لتأجيل قضية انتقال الرئيس السوري بشار الأسد، فإن مرشحي الرئاسة الأمريكية يعلنون إصرارهم على رحيل الأسد عاجلاً وليس آجلاً.

وعلى الرغم من اتفاق التقرير مع وحشية نظام بشار الأسد واستحالة أن تكون سوريا موحدة تحت سيطرته، ينوه التقرير إلى أن الانهيار الفوري لنظام الأسد سوف يجعل سوريا تتحول إلى ما باتت عليه ليبيا اليوم، وسيتحول المشهد إلى خليط من المجموعات المتنافسة، ولن تكون النتيجة دولة موحدة تخضع لحكم القانون وإنما منطقة للصراع المسلح.

ويستشهد التقرير بأن تعزيز الولايات المتحدة من قبل للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا لم يسفر عن النتيجة المأمولة، وبالمثل فإن تقوية المجلس الوطني السوري أو هيئة انتقالية أخرى لن يغير من الحقائق على الأرض، لاسيما أن تلك المجالس أو الهيئات الانتقالية لا تتوافر لديها إمكانية السيطرة على المجموعات المسلحة.

وفيما يتعلق ببشار الأسد، يرى التقرير أنه لا بديل عن رحيله لتكون سوريا موحدة مرة أخرى، بيد أنه من الأفضل أن يحدث ذلك حينما تكون البلاد أكثر استقراراً، من خلال وقف إطلاق النار، على غرار ما تم مؤخراً في حمص، أو أن يتم فرض إطلاق النار على مستوى أوسع من قبل القوى الدولية.

أما الدرس الثاني الذي يشير إليه التقرير فيتمثل في إدراك حقيقة أن الكثير من الناس يكذبون لاسيما عندما تكون أموالهم وأسلحتهم على المحك. فعندما عرضت الولايات المتحدة مساعدة المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا خلال عام 2011، أعلن أعضاؤه تمسكهم بالديمقراطية والتعددية مؤكدين على أنهم سوف يتمسكون بهذه القيم.

يقول التقرير: "لم يتمسك أعضاء المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا بتلك الوعود، ومن أجل تأمين قواتهم، مهدوا الطريق للجماعات المتطرفة والمعادية للديمقراطية لكي تحصل على التمويل الحكومي وكذلك الأسلحة، كما استعانوا بالمجموعات الإسلامية التي لا تدين بالولاء إلا لنفسها وتسعي لتوسيع قوتها ونفوذها بأبشع الوسائل في كثير من الأحيان".

ويضيف التقرير أن الأمر نفسه يتكرر مع جماعات المعارضة المتشددة السورية التي أعلنت في أوائل شهر ديسمبر الماضي عن تعهدها بدعم "آلية الديمقراطية" واحترام حقوق الأقليات في البلاد، ومنها الجماعات السلفية المتشددة مثل أحرار الشام وجيش الإسلام التي حاولت إقناع الجمهور الغربي أنها جماعات معتدلة وطلبت من واشنطن وحكومات أخرى دعمها بالسلاح.

يقول التقرير: "لقد وصل الأمر بهذه الجماعات أن كتب أحد قادة أحرار الشام مقالات للرأي في صحيفتي (واشنطن بوست والتلغراف)، في محاولة لتبرئة الأنشطة الإيديولوجية العنيفة والمتطرفة للمنظمة. وحتى الآن تتجاهل الولايات المتحدة هذه الدعوات، رغم وجود بعض الانتقادات الدولية ممن يروجون لأهمية احتضان مثل هذه الجماعات".

أما الدرس الأخير الذي يلفت إليه التقرير فهو الحذر من الجماعات المتطرفة التي تحاول خلق معاقل لها، فخلال فترة الثمانينيات استغلت المجموعات الإسلامية المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة الليبية، وأكثرها خطورة المدينة الساحلية في شمال شرق درنة والجبال الخضراء المجاورة (يمكن اعتبارهما بشكل أساسي تورا بورا ليبيا).

وحسب التقرير، تستخدم جماعات مثل "أنصار الشريعة" الإرهابي في ليبيا هذه المنطقة في تدريب المقاتلين وتخزين الأسلحة وإجراء العمليات، ولا يقتصر الأمر على تدريب المقاتلين في ليبيا فحسب، وإنما يبدو أن المقاتلين الذين يذهبون إلى سوريا أو يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية في الخارج مثل "مجزرة سوسة في تونس" - يتلقون التدريب في هذه المنطقة.

وبرأي التقرير، لا يختلف موطئ قدم المجموعات السلفية في ليبيا عن المناطق التي تسيطر عليها المجموعات السلفية في شمال غرب سوريا مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

 ولكن إذا استمر غياب سيطرة الحكومة عن تلك المناطق، فإن الأمر سيكون أكثر تهديداً في سوريا، لاسيما أن رقعة الأراضي الخاضعة لسيطرة تلك الجماعات أكبر، كما أنها مركز جذب للمزيد من المقاتلين الأجانب من مختلف أنحاء العالم.

وينوه التقرير أنه إذا تمكنت تلك الجماعات الإرهابية من توطيد سيطرتها على تلك المناطق وجعلها مناطق غير خاضعة للسيطرة الحكومية بشكل دائم، فإنها سوف تستفيد من قرب شمال سوريا من تركيا، الأمر الذي سيمنحها حرية أكبر في الحركة والتنقل، ناهيك عن الدعم الذي تتلقاه تلك الجماعات من بعض الدول مثل قطر وتركيا، وسيؤدي كل هذا إلى صعوبة الإطاحة بمثل هذه المعاقل.

ويختتم التقرير بدعوة واشنطن للضغط على حلفاؤها مثل قطر وتركيا لوقف دعم المجموعات السلفية قبل أن تفرض قبضتها في شمال غرب سوريا، موضحاً أن إدارة أوباما ربما تكون قد تعلمت بالفعل إخفاقاتها في ليبيا، ومن ثم لا تسعى بتهور إلى إزاحة بشار الأسد، إذ تضع في اعتبارها عواقب انهيار النظام بصورة مفاجئة.