نشر موقع ذا أفريكا ريبورت تقريرا تحدث فيه عن الدور الذي تلعبه إيطاليا في ليبيا، وكيف بدأت روما في إعادة ترتيب أوراقها لضمان تأمين مصالحها.

وقال الموقع إن إيطاليا الحليف الأبرز لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج  قد غيرت استراتيجيتها وانفتحت أمام "جميع اللاعبين المؤثرين " بمن فيهم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.

وفي وقت تفشي فيروس كورونا غالبًا ما كانت الدبلوماسية تلعب من خلال الأشخاص الذين يرتدون المعاطف البيضاء. وهكذا في 18 مايو في خضم الأزمة الصحية هبطت طائرة تقل عشرات الأطباء الليبيين في إيطاليا. هل كانت محاولة لاستئناف التعاون بين طرابلس وروما؟.

قبل أيام قليلة  قال أحمد ميعيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني  لصحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية اليومية "إيطاليا لم تعد تعرف ما تريده في ليبيا، ولم يعد لديها استراتيجية".

ومن الواضح أن التصريحات الرسمية التي كررت دعم البلاد لحكومة الوفاق الوطني في الأشهر السابقة لم تقنع المسؤول الليبي الذي تابع "في نهاية عام 2019 عندما كاد خليفة حفتر يستولي على العاصمة لم تدعمنا إيطاليا سياسيًا".

فشل دبلوماسي

وفي الواقع يبدو أن القوة الاستعمارية السابقة تظهر اليوم بعض الغموض على الساحة الليبية.

في 29 أبريل 2019 بعد أسابيع قليلة من إطلاق حفتر للعملية العسكرية على طرابلس أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في زيارة رسمية للصين "عدم دعم السراج أو حفتر، ولكن دعم الشعب الليبي".

على الرغم من كونها حليفًا تاريخيًا لطرابلس فقد اعترفت إيطاليا بالدور السياسي لحفتر في نهاية عام 2018 وفي مؤتمر باليرمو. وفي ذلك الوقت كانت لا تزال تحاول تعزيز "الحوار" من خلال تقديم نفسها كوسيط محتمل بين الطرفين.

وفي يناير 2020 وقع أول أزمة دبلوماسية بين الحليفين –حكومة الوفاق والحكومة الإيطالية-: اضطر السراج للسفر إلى روما للقاء جوزيبي كونتي. لكن رئيس حكومة الوفاق الوطني ألغى زيارته عندما علم أن كونتي قد اجتمع للتو مع حفتر مرتديًا ملابس مدنية مثل رئيس دولة.

لقد كان إخفاقًا ذريعًا تصدّر عناوين الصحف وأثار حفيظة طرابلس. في نفس الوقت تقريبًا صافح وزير الخارجية الإيطالي الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة أحد الحلفاء الرئيسيين لحفتر.

نحو أجندة أوروبية مشتركة؟

أطلق الاتحاد الأوروبي في مارس 2020 بعد مؤتمر برلين بهدف "إنفاذ حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا" المهمة إيريني ، ولم تغير المهمة إيريني العسكرية بقيادة الإيطالي فابيو أغوستيني الوضع على الأرض: تراقب السفن السواحل لكن الطائرات التي تحمل أسلحة ومرتزقة وكذلك الحدود البرية تفلت من المراقبة.

ولكن وفقًا لإيمانويل دوبوي رئيس معهد المستقبل والأمن في أوروبا "يتم وضع أجندة أوروبية مشتركة. بعد الإخفاقات الدبلوماسية لباليرمو وبرلين والتدخل العسكري للقوى الدولية الأخرى (لا سيما تركيا) تم تعلم الدرس. هذا أحد العناصر التي كانت مفقودة في سوريا".

بينما يتسع الانقسام داخل أوروبا بين ما يسمى بالدول "المقتصدة" في الشمال و "المبذر" في جنوب أوروبا  "نرى أخيرًا سياسة التقارب بين إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وحتى اليونان ، في ليبيا وكذلك في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وبحسب هذا المختص هناك تقارب بين الموقفين الفرنسي والإيطالي  وهما "خصمان" سابقان ليس فقط في الشأن الليبي بل في شرق المتوسط ومنطقة الساحل أيضًا.

خلال زيارة جان إيف لودريان إلى روما مطلع يونيو 2020  تمت مناقشة الأزمة الليبية. وعلى الجانب الإيطالي فإن نائبة وزير الخارجية إيمانويلا ديل ري هي المسؤولة عن هذه القضية. قال دوبوي "إيطاليا وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي ينظرون الآن إلى كلا الجانبين".

الهجرة والنفط

مع وجود "حكومة الوفاق الوطني المدعومة رسميًا من قبل الاتحاد الأوروبي ولكنها معزولة بحكم الأمر الواقع بشكل متزايد"، فإن استعداد إيطاليا للدخول في حوار مع معسكر حفتر هو "نتيجة مخاوف من تغيير محتمل للحكومة في ليبيا وإعادة تفاوض محتمل على الاتفاقات" كما بين المحلل ماتيا جيامباولو في تقرير بعنوان "العلاقات بين إيطاليا وليبيا: المخاطر والمصالح" نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية.

والاستقرار في ليبيا له تأثير مباشر على سياسات الداخلية في إيطاليا والتي يتم لعبها الآن بشأن قضية الهجرة.

وفقًا لتقرير منظمة أوكسفام الأخير حول التمويل الإيطالي لليبيا، فإن الاتفاقيات الثنائية الموقعة منذ ثلاث سنوات والتي تم تجديدها في عام 2020 بهدف "مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وتعزيز الحدود بين الدولتين الليبية والإيطالية" جلبت لحكومة الوفاق الوطني حوالي 50 مليونًا يورو في السنة. وفي المقابل يحاول "خفر السواحل الليبي" السيطرة على المغادرين.

باعتبارها الدولة الغربية الوحيدة التي لم تغلق سفارتها في طرابلس فإن الحكومة الإيطالية تراقب حكومة الوفاق الوطني لسببين رئيسيين: المستشفى العسكري في مصراتة حيث يعمل حاليًا 300 جندي إيطالي في مهام طبية، وقبل كل شيء مجمع مليتة للغاز وهو مجمع غازي يقع بالقرب من زوارة وتديره شركة النفط الايطالية ايني.

إنه موقع ذو أهمية رئيسية: 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي كل عام عبر خط أنابيب الغواصة جرينستريم الذي يبلغ طوله 520 كم إلى جيلا وصقلية.

وعلى الرغم من انخفاض الإنتاج لا يزال الغاز والنفط الليبي يوفران 10٪ من احتياجات الطاقة لإيطاليا. وقد هدد تقدم حفتر بشكل مباشر هذه الأصول الاستراتيجية.

محاورين جدد؟

وتحاول الدبلوماسية الإيطالية نزع فتيل التوترات من خلال اختيار "انفتاح" تجاه "جميع الجهات الفاعلة المعنية" كما صرح رئيس الوزراء الإيطالي.

لكن هل التغيير الأخير في ميزان القوى على الأرض منذ تدخل تركيا لدعم حكومة الوفاق الوطني واضطر حفتر إلى التخلي عن عدة مدن أدى إلى إعادة خلط الأوراق؟ نعم ، وفقًا لدوبوي. بالنسبة له  يمكن أن ينطوي الحل المشترك على إضفاء الشرعية على "محاورين جدد" بينما يتعرض حفتر والسراج لانتقادات متزايدة.

ومن بين الأسماء التي بدأ تداولها أسماء رئيس برلمان طبرق عقيلة صلاح عيسى الذي استضافه البرلمان الإيطالي في 14 يوليو ووزير داخلية طرابلس الحالي فتحي باشاغا، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبي مصطفى صنع الله.