سلط موقع ذا ديفينس بوست الأمريكي الضوء على أصداء الأزمة في ليبيا على العالم، وقال إن المجتمع الدولي قد خذل شعب الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

وأضاف الموقع أن القتال في العاصمة الليبية خلال الأسبوع الماضي يمثل تفاقماً وليس استمراراً للفوضى التي تميز بها النزاع المستمر منذ سبع سنوات، وهاجم اللواء السابع - الموالي لائتلاف الجماعات المسلحة ذات التوجه الإسلامي "فجر ليبيا" - أحياء في جنوبي طرابلس في 26 أغسطس في محاولة لاختراق العاصمة ، التي تحميها الآن كتلة الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة.

الميليشيات الموالية لـ "فجر ليبيا" متخلفة بخطوة  منذ منتصف عام 2017 بعد دفعها إلى ضواحي العاصمة من قبل مجموعات متحالفة مع حكومة الوفاق في سلسلة من الاشتباكات المنفصلة التي بدأت في أوائل عام 2016. ومن الواضح أنها غاضبة من سقوطها، والميليشيات الموالية لـ "فجر ليبيا" كانت تشن هجمات على ضواحي العاصمة من حين لآخر لكن دون أستمرار واضح  حتى الآن.

ويمكن أن يكون هناك تخمينات جيدة ولكن مع القليل من التأكيدات فيما يتعلق بدافع اللواء السابع وداعميه. وفي حين كانت ذروة القتال في عام 2014 أكثر تعبيراً عن انقسام إيديولوجي، فالقتال اليوم يدور حول انتزاع السلطة والموارد. صحيح أن المكونات الإيديولوجية لا تزال قائمة - والأقوى هي هيمنة الميليشيات السلفية في المدينة - ولكن بشكل عام  أصبح ولاء المجموعة أكثر قابلية للشراء تقوده الانتهازية.

وتسببت الاشتباكات في مقتل 47 شخصًا على الأقل ونحو 100 جريح. مرتفعة نسبياً بالنظر إلى عدد سكان ليبيا البالغ ستة ملايين نسمة والقتال المتقطع الذي عادة ما يشهد وفيات أقل جراء الصراعات الأخرى في المنطقة. وشهد الصراع الأخير هربو  مئات السجناء في الأحياء المتضررة  واضطر 9 الاف شخص إلى الفرار من منازلهم  وأُغلق المطار الوحيد الذي يعمل في المدينة، وأعلنت الحكومة المعترف بها دولياً حالة طارئة.

وجاء اثنان من الميليشيات المهيمنة في المدينة - لواء ثوار طرابلس وكتيبة النواصي- للدفاع عن المدينة ومنع دخول اللواء السابع ، لكن القتال استمر 10 أيام  وانتهى يوم الثلاثاء 4 سبتمبر باتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة.

وفي 4 سبتمبر وقع ممثلو حكومة الوفاق الوطني وأجهزة الأمن والقادة العسكريون وثيقة لإنهاء القتال وحماية المدنيين والممتلكات، بعد يوم واحد من تنفيذه يبدو أن الجهات الفاعلة تلتزم بقواعد الاتفاقية.

وما يثير القلق بشأن القتال الحالي ليس حصيلة القتلى المرتفعة فحسب ، بل الوعد بأن تستمر هذه القسوة - إما في انتهاك مباشر لوقف إطلاق النار أو في مناطق أخرى من المدينة - حيث تنقسم الفصائل في غرب ليبيا إلى مجموعات أصغر تحاول كل منهم فرضت سيطرتها على الجزء الخاض لها في العاصمة.

إن الجمود السياسي على الصعيدين المحلي والدولي يقود طرابلس - التي ينبغي أن تكون مقر حكومة موحدة في المستقبل - نحو الفوضى الدائمة. ومجلس النواب في الشرق موال للمشير خليفة حفتر الذي أطلق حملة لمكافحة الإرهاب في عام 2014 واستخدمها لاكتساح النصف الشرقي من ليبيا ووضعه تحت سيطرته بحلول عام 2017.

وقام البرلمان بتقسيم الولاءات ولا يعترف بالعديد من الأعضاء بالحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة في الغرب. وحاول الشرق إنشاء مؤسسات موازية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ولكن دون نجاح يذكر. وكانت المفاوضات الأخيرة بين الشرق والغرب قد توسطت فيها الأمم المتحدة في أكتوبر 2017، وفشلت بعد بضعة أسابيع من الخلافات المعتادة.

التدخل الأجنبي في ليبيا... فرنسا وإيطاليا تغذيان نار الصراع

وقد تجاهلت فرنسا قواعد الأمم المتحدة واستضافت المشير خليفة حفتر ورئيس حركة الوفاق الوطني فايز السراج  في مايو الماصي  لعقد اجتماع دولي بين أبرز أطراف الصراع في ليبيا. وأمام وسائل الإعلام في باريس وافق الاثنان شفهيا على إجراء استفتاء دستوري يعقد هذا الشهر وانتخابات في ديسمبر المقبل، لكن لم يتم الحصول على توقيعات رسمية. والفرنسيون يعرفون تماماً أن الانتخابات الآمنة والشرعية تكاد تكون مستحيلة نظراً للمخاطر الأمنية الحالية ، كما دفعوا الليبيين إلى التوصل إلى الاتفاق، بالأضافة إلى اغضاب الايطاليون الذين لم يعرفوا أي شيء على الاجتماع إلا بعد حدوثه.

وكرد فعل على قمة باريس أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي أن إيطاليا ستستضيف اجتماعها الخاص لتحقيق الاستقرار في ليبيا. وأعلن كونتي ذلك من الغرفة الشرقية للبيت الأبيض في 30 يوليو مؤكداً أنه حصل على دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، ومن المحتمل أن يحول النفوذ الأكبر في يتعلق بجهود السلام في ليبيا إلى إيطاليا.

وبغض النظر عمن يقود جهود "الإصلاح" في ليبيا وأرباحها في نهاية المطاف من مليارات الدولارات من عقود إعادة الإعمار، ما هو المؤكد حاليا هو أن المشاحنات الدولية تضيف الوقود إلى الحرائق الحرفية في البلاد.

وكلما فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على كيفية البدء في حل الأزمة الليبية طالت البلاد في حالة من عدم اليقين. وبالطبع لا تتحمل فرنسا وإيطاليا اللوم كلية على الوضع الحالي لليبيا فالليبيون أنفسهم لهم دور في السقوط الذي تشهده بلادهم. ومع هذا فإن الأشخاص الوحيدين الذين يتمتعون بقوة حقيقية هم النسبة الصغيرة التي تمتلك أسلحة على الأرض -الذين لا يكونون في الغالب من بين الأفراد الذين تستخدمهم الحكومة- والمواطنون العاديون لا يمكنهم مواجهتهم لكن المجتمع الدولي يستطيع.

وإلى أن يتم تسوية الجمود السياسي واسترداد الأسلحة من آلاف الرجال المسلحين سيستمر القتال في جميع أنحاء ليبيا.

والوضع في ليبيا يبقى واحدا لا يوجد  فيه شيء لنخسره والقليل ليحقق وتدفع طبيعة الصراع  المجموعات إلى أقصى درجاتها لتحقيق تلك الانتصارات الصغيرة. والعنف ليس إعلاناً بل تذكير آخر للمجتمع الدولي المشلول بأن التدمير الكامل لطرابلس خيارا لم يحذف من على الطاول