تأتي الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر، يوم غد الخميس، في إطار الإرادة السياسية التي تحدو البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية وبعث ديناميكية وفق رؤية جديدة مبنية على الندية وتوازن المصالح.
ويبرز اختيار الرئيس الفرنسي زيارة الجزائر في بداية عهدته الرئاسية الثانية، الأهمية التي توليها باريس لتعزيز علاقاتها مع الجزائر كشريك استراتيجي له وزنه واعتباره، وتقديرها للدور المحوري الذي تؤديه الجزائر في المنطقة، خاصة في ظل سياسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التي رسمت العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة.
وتعد زيارة ماكرون إلى الجزائر الثانية من نوعها له كرئيس للجمهورية الفرنسية، عقب تلك التي قام بها سنة 2017.
ورغم ما تخلل هاتين الزيارتين من تغير في المعطيات والأوضاع وما شهدته العلاقات الثنائية من حالة مد وجزر، إلا أن المؤشرات توحي بأن العلاقات تشهد انطلاقة جديدة بمناسبة هذه الزيارة.
وقد تناول الرئيس الجزائري مع نظيره الفرنسي، جدول أعمال هذه الزيارة خلال مكالمة هاتفية، يوم السبت الماضي، كانت مناسبة قدم فيها الرئيس ماكرون تعازيه لضحايا الحرائق التي عرفتها بعض الولايات الشرقية بالجزائر.
ومن أهم الملفات المطروحة للنقاش بين الجزائر و فرنسا على تعددها وتنوعها، ملف الذاكرة الذي توليه الدولة الجزائرية أهمية خاصة، إذ سبق للرئيس تبون أن أكد في رسالة له بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمجاهد، على "واجب صون الذاكرة الجماعية والسهر على حمايتها من مكر أولئك الذين ما زالوا يجرون وراءهم، منذ عقود، حقدهم على انتصار الجزائر المستقلة السيدة".
ولطالما كان لهذا الملف بالذات الأثر البالغ في تحديد طبيعة العلاقات بين البلدين، والتي شهدت خلال السنوات الأخيرة إعادة بعث هذا الملف بخطوات عملية، على غرار استرجاع الجزائر لجماجم رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي سياق ذي صلة، كان الرئيس تبون قد أعلن خلال لقائه الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية شهر فبراير الماضي، عن انفراج في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، مضيفا بالقول أن الجزائر "بلد لا يمكن أبدا تجاهله في إفريقيا".
كما أكد في عدة مناسبات أن استئناف العلاقات الطبيعية مع باريس يكون على أساس "الاحترام الكامل للدولة الجزائرية" ومن خلال التعامل "الند للند"، مبرزا في إحدى الحوارات مع وسائل الإعلام أنه "مع الرئيس ماكرون، نستطيع أن نذهب بعيدا في حل الإشكالات المتعلقة بالذاكرة".
وتمهيدا لعودة الدفء للعلاقات الثنائية بين البلدين، قام وزير أوروبا والشؤون الخارجية لجمهورية فرنسا، جان ايف لودريان، بزيارتين إلى الجزائر في ديسمبر 2021 وأبريل 2022، كان الهدف منهما إرساء "علاقة ثقة" يطبعها احترام وسيادة كل طرف و"رفع العوائق وحالات سوء الفهم بين البلدين".