قدم الخبير المالي والإدارة العامة ميلود عبد الله الحوتي، ورقة تحليلية بعنوان "رؤية نحو التوزيع العادل لعوائد الثروة في ليبيا" بمناسبة انعقاد المؤتمر الاقتصادي الأول في مدينة بنغازي (8/9/3/2020 وضياع البوصلة والمنوال الوطني). 

وقال الحوتي، ترتكز هذه المداخلة على تحليل رؤية مبسطة للعنوان الأساسي لهذا المؤتمر. فهي معنية بتوفير لمحة من خلال تأصيل مفاهيمي ومعرفي للعدالة وتوزيع الثروة وعوائدها في الحالة الليبية، مع ربط هذا المفهوم بطبيعة النظام الضريبي القائم في ليبيا، ويستمر تقديم الرؤية الي تحليل مفهوم توزيع الثروة والمآزق والاعطاب التي تواجهها.  وتختتم الرؤية منظورها بتقديم عرض سريع لواقع ومستقبل رؤية توزيع الثروة وعوائدها والعناصر والمشروطية المكملة لها.

تأصيل مفاهيمي للعدالة وتوزيع الثروة وعوائدها

تمر ليبيا ومجتمعها  بمرحلة فارقة في تاريخها نتجت عن العديد من التغيرات الداخلية فضلا عن التحديات التي فرضتها التحولات الإقليمية والدولية، وانعكاساتها علي وضعها الداخلي، وهو ما يستوجب التفكير بجدية في كيفية الوصول إلى اتفاق مجتمعي واسع بشأن مفهوم عدالة توزيع الثروة والدخل، وكذا تحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي، فمفهوم عدالة التوزيع الذى تتبناه وتفرضه طبقة اجتماعية تحتكر موارد القوة السياسية والاقتصادية سيتجاهل بطبيعة الحال مصالح طبقات اجتماعية مهمشة سياسيا واقتصاديا والتي قد تضطر بمرور الوقت إلى التعبير عن إرادتها ومصالحها خارج الإطار القانوني للعمل السياسي.

وتعني العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل إعطاء كل فرد ما يستحقه، وكل منطقه ليبية ما تستحقها، وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتحقيق أكبر قدر من المساواة في توزيع الثروات الاقتصادية والاجتماعية في مجتمع ديمقراطي، وتوفير متساو للاحتياجات الأساسية. فمفهوم العدالة الاجتماعية مفهوم شامل وعام يتناول كل جوانب وأبعاد النظام السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والحقوقي والإنساني، وعندما يختل أي بعد من هذه الأبعاد فهذا يعني أن العدالة الاجتماعية تعاني من اختلالات كبيرة وأن المجتمع لا ينعم بالعدالة الاجتماعية الشاملة.

العدالة الاجتماعية ليست مفهوما معاصرا بل هي قيمة إنسانية جوهرية تعود أصولها إلى الأديان السماوية الثلاثة التي أكدت جميعها على ضرورة تحقيقها، ثم جاءت الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة لتقدم تفسيرات لها، فالسلم الاجتماعي لا يتحقق سوى بتحقيق العدالة الاجتماعية، فجوهر العدالة الاجتماعية هو المساواة والتضامن، واحترام حقوق الإنسان وكرامته، وأن تطبيقها يتضمن المساواة في الفرص، وعدالة التوزيع في الدخل والثروة على المستويات الفردية والوطنية. والسؤال هو هل تنعم ليبيا اليوم 2020 بنوع من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية وعوائدها من خلال مؤشري الفقر والصحة، علما ان هناك مؤشرات أخرى تسمح بقياسها كالتعليم والبطالة والسكن والمساواة بين الجنسين وتوزيع الثروة؟؟ 


قانون الثروة وعوائدها

من المهم التيقن أن التفكير في القضايا التي تُشكل الخيار والتوجه العام للمجتمع، ينبغي لها ان تصاغ بقانون، حفاظا على تعميم المنفعة العامة لعموم الليبيين. ومن هنا فان دعوتنا لإنجاح أي رؤية مهما كانت صائبة، فلا يمكن لها ان تري النور إلا بصياغتها بقانون. 

لدلك الثروة ملك لكل الليبيين، وهم من يقرروا كيفية تصريفها، وتوزيعها دون سواه من خلال المؤسسات التشريعية ذات الاختصاص، لصالح الحاضر من اجياله، والاجيال القادمة. ويستلزم لتحقيق ذلك تشريع يسمي بقانون الثروة وإيصالها الي عموم الليبيين من خلال مناطقهم واحتياجاتها، وذلك من خلال وكالات التخطيط المحلية. ولقانون الثروة ابعاد تحدد التوزيع القاعدي للثروة الي قمة هرم الدولة. ويحدد القانون ماهية الثروة ومدي استحقاق الليبيين لطموحاتهم. وقانون الثروة يستهدف مراحل الطفولة والشباب والشيوخ والمرأة، وعلى مختلف المراحل العمرية لهم كقيمة من قيم الرعاية بحقوق الانسان. 

وقانون الثروة يمثل المبادئ الاساسية والمرتكزات التخطيطية لقانون الميزانيات للدولة، ويهدف الي عدم ترك توزيع الثروة الي افراد او مؤسسة بعينها، والتصرف فيها برؤيا خاصة، وضيقة ومن خلال ابراج عاجية، أو جهات خارجية، أو مجموعات بيروقراطية محلية، تحقيقا للشفافية المفقودة في ادارة ثروة الليبيين.  ومن اهم استحقاقات قانون الثروة التحكم في الانفاق الحكومي ومراقبته تشريعيا، وعدم الاستدانة، ومكافحة العجز في ميزانيات الدولة، واحداث التوازن المنشود بين مبادئ قانون الثروة ومصداقية قانون الميزانيات.

وقانون الثروة في حالة صياغته يمثل الضابط الايقاعي لمصروفات وايرادات الدولة، لأهميته في مراقبة وادارة احتياطات الدولة بضابط تشريعي مقنن. وقانون الثروة يسعي فيما يسعي الي توطين الاقتصاد البدائل(البديل)، وبحثه المستمر عن التنوع في الايرادات كمخرجات ربحية ضامنة لمستقبل الاجيال القادمة. 

وقانون الثروة يمثل المنطقة الآمنة لحقوق الليبيين ومستقبل اجيالهم، والذي يمنع دستورياً التصرف فيها من طرف الحكام، أو الافراد، والنافذين في الدولة، أو المناطق الليبية، او جهات اجنبية، أو الاحزاب، او الحكام الجُدد من خلال التداول السلمي أو الأسلمي علي السلطة. فقانون الثروة هو ضابط الايقاع في كيفية التصرف في ثروة الليبيين، وماذا يجب على الليبيين تعلمهُ وفعلهُ في ازمنة الاستقرار والفوضى وعدم الاستقرار، وضبط العلاقة بين هياكل الاستثمار الاقتصادي والبشري، وهياكل النمو الاقتصادي من ناحية، وبين تقلص دور الدولة الريعية والدولة الابوية ودورها في قضايا الاستهلاك والانتاج، ووفرة الاستثمارات البشرية والصناعية والخدمية. 

والتشخيص الحالي لتعثرات الوضع الاقتصادي الليبي تكمن في التفرد من قبل مجموعة، أو كيان سياسي محددة بثروة الليبيين، والتصرف فيها كملكية استحقاقيه وظيفية ناتجة من الذي يدير سلطة القرار والتأثير في تصريف ثروة الليبيين. والوضع الحالي لمسألة الثروة يفتقد الي عمليات التشبيك الاقتصادي بين مختلف الشرائح الاجتماعية الليبية، وغياب الشراكة في صنع القرارات الاقتصادية المصيرية لليبيين. ويبقى الاهتمام بالنمو الاقتصادي كغاية في حد ذاته يسيطر على الخيارات المتعلقة بالشأن السياسي، وبالتالي فإن مقياس النجاح أو الفشل من حيث حدوث تغيير في الناتج المحلي الإجمالي والأداء للأسواق المالية، وارتفاع الصادرات بدلاُ من التركيز على الكيفية التي يمكن بها للنمو الاقتصادي أن يُعزز التنمية البشرية على نحو مستدام. 

فالدعوة الي تأسيس قانون الثروة لليبيين ولكل مشرعي المستقبل أساسها العمل على تأسيس هوية للاقتصاد الليبي، وتفكيره، وتخطيطه، وما هي طبيعة هوية التحولات الاجتماعية والتي تقودها التحولات الاقتصادية؟ وما هي طبيعة هوية الاقتصاد الليبي في تجاذباته مع الاقتصادات الأخرى؟ وما هي طبيعة تفكيك أنماط ونماذج السلوك الاقتصادي للمواطنة في علاقتها بالمستقبل؟

لا عدالة لتوزيع الثروة بدون عدالة النظام الضريبي

لا يمكن أن نتصور عدالة اجتماعية بدون عدالة ضريبية، فالعدالة الضريبية بالنسبة للمواطنين ظالمة في مجملها بمعنى أن الموظفين والفقراء وذوي الدخل المحدود، يسددون فاتورة الطبقة الغنية (التهرب الضريبي لبعض رجال الأعمال)، والتي أصبحت تدعي الفقر وأن الحكومة لم تمتلك الجرأة على فرض نوع من العدالة الضريبة بين الطبقات الاجتماعية.  لم تستطع فرض ضرائب رمزية بالأحرى، فرض الضريبة على الثروة. 

الاصلاح العام لمنظومة المرتبات والأجور في الوظيفة العامة في ليبيا بشكل يفرض وجود اليات تكفل الحد الأدنى والأقصى بما يتناسب مع تضييق الفوارق بين الموظفين بأجور عادلة. وهذا يتطلب التراجع عن سياسية عفا الله عما سلف، وتطبيق سياسة المحاسبة عما سلف بإرجاع المال العام على الأقل. 

ورغم التفاوت في تحديد العدالة الضريبية ومعاييرها وعدم اصلاحها، إلا أن انخفاض الدخل للفرد والأسرة يشكل العمود الفقري لهذا المفهوم وهذه المعايير، مع ما يرافق ذلك من ضعف القدرة على توفير مستلزمات الحياة الضرورية من مسكن ومأكل وملبس للمواطنة، ناهيك عن المستلزمات الأخرى الصحية والتعليمية وغيرها.

توزيع الثروة ومآزقها وأعطابها

توزيع الثروة والدخل هو جوهر السياسة فالبشر بطبيعتهم مختلفون ومصالحهم مختلفة. والسياسة هي فن إدارة هذا الاختلاف بغرض بناء مجتمع يستطيع الجميع باختلافاتهم العيش داخله وبالتالي فإن العملية السياسية المقصود منها الاتفاق بين مختلف أطراف المجتمع على المقاصد والأهداف المرجوة من النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتي تتضمن بشكل أساسي محددات توزيع الثروة والدخل والأعباء الاقتصادية، ويأتي دور النظام السياسي فيما بعد باستخدام سلطته لتحقيق الأهداف التي حددها المجتمع من خلال سياسات التوزيع وإعادة التوزيع (الضرائب والدعم وبرامج الحماية الاجتماعية). ومن ثم فإن توزيع الثروة والدخل لا ينفصل عن توزيع موارد القوة بحيث تكون جميع فئات المجتمع ممثلة في العملية السياسية ومشاركة في تحديد أولوياتها وقادرة على التعبير عن مصالحها. فقد شهدت السنوات الأخيرة أن عوائد الثروة في ليبيا تركزت على فئات محددة ولم يستفد منها الغالبية العظمى من المواطنين وتحديدا الفقراء ومحدودي الدخل وذلك لأسباب عدة يطول شرحها. غير أن ثمة إجماعا على أن هيكل الاقتصاد الليبي لا يزال بدون هوية، ونمو قطاعات اخري غير منتجه، على حساب القطاع الصناعي إضافة إلى استشراء الفساد أدى إلى عدم توزيع عوائد النمو بصورة متوازنة ساهمت فى النهاية فى التفاوت الطبقي الشديد واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وجسدته على سبيل المثال ظاهرة الزيادة المطردة فى التلاعب بالعملة الوطنية، وتهريبها، والمضاربة في السلع الاستهلاكية، وهو ما يؤكد أن نمو مرتفع في الاقتصاد الموازي، دون أن يصاحبه عدالة فى التوزيع تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم لمختلف شرائح المجتمع لا يحقق استمرارية النمو الاقتصادي والتماسك والاستقرار المجتمعي والتي ولا شك تعد أهدافا  لجميع الليبيين.  


واقع ومستقبل رؤية توزيع الثروة وعوائدها 

 لا يجب ان يصنف ما قلته ضمن النظرة المتشائمة التي غالباً ما يقدمها البعض للتشكيك في اهمية فتح الحوار حول مسائلة توزيع الثروة في ليبيا، وبالذات فيما يتعلق بالأقاليم الليبية الثلاث. ولهذا فإنني اعتقد ان قدرة الاعتراف للمجتمع الليبي بضرورة هذا الحوار تمثل الخطوة الاولى لكسب رهان مستقبلي يضمن الانتقال المرتقب نحو العدالة والنمو. ولا اشك لحظة في ان ضرورات الراهن ومتطلبات المستقبل تجبر على اعادة التفكير حتى لا نحيل ضرر المنهج الراهن ومخاطر انكار وجود اليات أكثر نجاعة للأجيال القادمة.

وهذا يتطلب وضوح الرؤية السياسية والتي تُمثل مطلب حيوي لنجاح العملية التخطيطية لتوزيع الثروة بين الليبيين. باعتبارها تضع حدا لاجتهاد مؤسسات التمويل الغربية والرأسمالية وفي التدخل المباشر في خيارات الليبيين، وتحدد مسار النمو في ليبيا. وتبقى الحاجة الملحة لصياغة الرؤية الاستراتيجية التي يجب ان تسترشد بقراءة متأنية للاختلالات التي سببتها اهوال الحروب خلال عقد من الزمن، وبالضرورة ان صياغة العمل لوضع استراتيجية لتوزيع الثروة يستدعى توفر مساحة للعصف الذهني حول مستقبل كل الثروات الليبية وفي باطن الأرض وعلى سطحها، وارصدتها واصولها الثابتة والمنقولة. والعناصر التي تضبط استراتيجية توزيع الثروة وعوائدها وفى مقدمتها ما يلي:

الآليات: - 

هناك ثلاث آليات مفصلية يتوجب على صانع القرار في مجال توزيع عوائد الثروة الليبية ان يأخذها في الاعتبار بغض النظر عن الاهداف تصنيفها من حيث الاولوية: - 

أ‌.      الامن الاجتماعي والاقتصادي: -ان الاستراتيجية لأي ثروة تستهدف في ناتجها النهائي تعزيز الشعور بالأمن الإنساني والاجتماعي والاقتصادي الذي هو جزء من الامن الوطني، وعلى هذا الاساس يمكن القول ان الامن الاجتماعي هو أحد اهم اهداف أي برامج لتوزيع الثروة. ان دينامية الامن الاجتماعي والاقتصادي تمثل الاساس الذي يجب ان يحرك آليات توزيع الثروة بغض النظر عن مستوى أدائها، وهو امر قد يستدعى فك الارتباط مع التقدير المتزايد للدالة الاقتصادية في برامج توزيع الثروة وعوائدها. 

ب‌.     الوظيفية الجغرافية لتوزيع الثروة وعوائدها: -لا تزال ليبيا تعاني من بعض الاجتهادات مثل الكونفدرالية والفيدرالية وفلسفة الأقاليم ودعوات التقسيم، والتي اثرت في تأزيم الأوضاع عامة في ليبيا. وهذا الامر يتعلق بمنهج قائمة الطلبات المناطقية هو الغالب في تقدير اولويات الخطط الوطنية وفى اغلب الاوقات تصاغ هذه القوائم لمتطلبات محلية دون النظر في الصورة الشمولية. والاكثر من ذلك ان هذه الطلبات تصاغ دون بحث عميق لخصوصيات المناطق (وظيفة المنطقة في إطارها الوطني)، ولهذا لا يجب ان تقام مشاريع باهضه التكلفة ولا تستجيب للأوضاع المحلية والجغرافية، في ظل تطبيق استراتيجية توزيع الثروة وعوائدها، بل في بعض الاوقات تشكل عبئ على هذه المناطق لأنها تتناقض مع خصوصيات اجتماعية محلية. 

ج‌.     التموضع: -ان حجم ليبيا وامكانياتها وقدراتها تتطلب ان يقدر حجم برنامجها التنموي وفق دالة التموضع ودالة التوازن خصوصاً في العلاقات مع الغير، وعلى هذا الاساس يتطلب تموضع ليبيا ان يستدل في برامج توزيع الثروة وعوائدها، بدالة تقدر مفهوم الحدود الاستراتيجية لليبيا والحدود الجغرافية والاكثر من ذلك التحرك المرن للنمو بدلاً من انعطاف البحث عن التوازن.

عناصر رؤية نحو التوزيع العادل لعوائد الثروة

أ‌.      ضبط الإيقاع: -يتضح بما لا يدعو مجال للشك ان رؤية توزيع الثروة وعوائدها قد يحقق مساحات متقدمة نحو الوحدة والاندماج وبناء مجتمع موحد الرؤيا والتوجه.  وهذه الرؤية تستجوب وبالمقارنة مع الاداء التخطيطي والتنفيذي، الأمر الذي يتطلب ان يُضبط ايقاع الاداء التخطيطي والتنفيذي لبرامج توزيع الثروة وعوائدها، لكي تستجيب بفاعلية أكثر للرؤية العامة للليبيين. وفي تصوري أن الخلط بين مفاهيم توزيع الثروة بمفهومها الشخصاني ومفهومها الوطني، وكذلك مفهوم الدخل الفردي والوطني، سوف يمثل أحد أسباب الارتباك الراهن وفي السابق، وأن فك هذا الخلط يمثل ضرورة يجب ان تؤخذ فى الاعتبار خلال بحث مستقبل توزيع الثروة في ليبيا.


ب‌.     التوازن التوزيعي: -لقد مثلت الدالة الاقتصادية وفي بعض الأحيان الدالة السياسية المرتبكة في الحالة الليبية، قد تشكل مرجعية أساسيه لتطبيق سياسات الإصلاح ومنها سياسات توزيع الثروة وعوائدها. وأجزم بأن الحاجة أصبحت ملحة لإعادة التوازن التوزيعي لثروة وعوائدها بين مختلف المناطق الليبية وفق دالة ديموغرافية بمرجعية الامن الاجتماعي والاقتصادي.

ج‌.     الأوزان النسبية لتوزيع الثروة: -إن ليبيا وهي تتجه نحو التموضع وإعادة الاستقرار، في حاجة ماسة لإعادة النظر في الأوزان النسبية لأولويات توزيع الثروة وعوائدها، كبوصلة ومنوال لكل الليبيين، وبالتالي أولويات التوزيع العادل للثروة يتطلب التأكيد على أن إعادة النظر في هذه الأوزان والذي يتطلب قياس دقيق لمعادلة توزيع الثروة في مقابل الاستثمار الإنساني والوطني.

د‌.      الهيكلية: والامر يحتاج الي هيكلية او جهاز قومي اعلي في ليبيا بكل ما تحمله من فرص لمشاركة أوسع ومساحات لحوار أكبر، الا أنها سوف تستمر عاجزة حتى يتم التغلب على اختلال العلاقة الراهنة والمتمثلة في وجود أجهزة وظيفية في الشرق والغرب، ودعوات سياسية متناثرة حول مستقبل البلاد وثرواتها. 


الخلاصـــــة 

    ان اهتمام مكتب تخطيط بنغازي بمسائلة تخطيط توزيع الثروة وعوائدها، وأدراك اهمية خلق اليات تخطيط واضحة تستجيب لخصوصية ليبيا، ومتطلبات النمو، والتطوير، والتحديث يشكل مسئولية تتطلب منا جميعاً الاستجابة له والحوار بشأنه، وصياغة قواعد عمل تضمن الوصول الي التوزيع العادل لثروات الليبيين.

    وفى تصوري ان أي محاولة لوضع قواعد لمستقبل توزيع الثروة الوطنية وعوائدها، في ليبيا، او وضع خطط وطنية دون تعميق الحوار وتوسيع المشاركة وفك الارتباط بين التفكير الانقسامي ومتطلباته، وبين صياغة البرامج وضروراتها للتوزيع العادل للثروة، سوف يعيد انتاج الاختلالات الراهنة. وكذلك طي كل صفحات الماضي والعمل مجددا لاستدعاء مستقبل الأجيال القادمة.

ولهذا وجب القول ان تخطيط توزيع الثروة ليس مهمة وظيفية مهنية، وانما هو إتقان حرفي تحكمه خصوصية تتطلب مناخ اداء لا تشكل الآراء الفردية مخرجاته.  ان الحديث عن تخطيط توزيع الثروة وعوائدها هو الحديث عن مستقبل ليبيا، والاكثر من ذلك عن جيل ينتظر منا جميعاً حرصاً متزايداً لعمل أكثر علمياً وحرفياً.