اختارت إدارة مصرف السراي هذا العام 2019 عاماً خاصاً بإطلاق مشروعها الإستراتيجي تحت عنوان "التحول الرقمي الكبير"، فالمصرف الذي خاض تجربة المدفوعات الإلكترونية بالشراكة مع شركة تداول للتقنية، واستهدف قطاع الشركات ورجال الأعمال، يستعد بطموح كبير أيضاً لاقتحام وريادة قطاع منح القروض المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر عبر خدمات إلكترونية حديثة ملقياً عباءة المصرف التقليدي البالية ليصبح مصرفاً حديثاً موزعاً خدماته بين المدن والأرياف عبر شبكات وبوابات مالية إلكترونية متاحة لجميع أنواع الأجهزة وترسيخ ثقافة مصرفية ذات بعدين اجتماعي واقتصادي.

في هذا الحوار لبوابة إفريقيا الإخبارية مع رئيس مجلس إدارة مصرف السراي للتجارة والاستثمار نعمان البوري تطالعون حديثا عن تاريخ وبدايات إعادة هيكلة مصرف السراي.

الانطلاقة كانت تحت شعار مصرف طرابلس الأهلي وتحوله إلى مصرف السراي، عن وضعه الحالي بين المصارف الليبية وعن طموحه وخارطته ورؤية الإدارة المدعومة من الجمعية العمومية للمصرف أو أغلبية الجمعية.
حدثنا عن السراي كمصرف خاص يمارس عمله منذ سنوات؟
السراي أحد المصارف التجارية الخاصة العاملة في السوق الليبي، تم تأسيسه و كان  يعُرف باسم  "لمصرف الأهلي طرابلس". تأسس في عام 1997، ومثل باقي المصارف الصغيرة و القزمية في ذلك الوقت كان تأسيسه مستنداً على معايير قديمة لا تتماشى مع العصر وبرأس مال صغير يتمثل في ثلاثة ملايين دينار فقط . الرأس المال الضئيل و المحدود  لا يرقى لتقديم خدمات و أن يكون رأس مال مصرف فعال و نشط ويساهم بالتنمية . اسس عندما صدر قانون المصارف الخاصة، و للاسف لم يتم دراسة الوضع الاقتصادي و حجم التحديات ولم تؤخذ التدابير الصحيحة و المفروضة لتحقيق النجاح المطموح.
تم استغلال ضعف الحوكمة و منها انشأ   بليبيا أكثر من خمسين مصرف أهلي الا انه اغلب المصارف الأهلية  فشلت و تم دمج أغلبها  في عام 2006 تحت مسمى المؤسسة المصرفية  الأهلية و من  ثم تغيّر الاسم إلى ما يعرف اليوم باسم "مصرف شمال إفريقيا".
ضمن شروط البقاء و الاستقلالية لتلك المصارف كان شرط زيادة رأس المال إلى 33.333 مليون دينار على أن يدفع 30% عند الاكتتاب وما تبقى خلال مدة خمس سنوات من صدور قانون المصارف  رقم 1 لسنه 2005,  بعض من تلك  المصارف  تمكنت من رفع رأس مالها وتم دفع ثلاث اعشار القيمة المقررة  اي عشرة ملايين دينار مكتتب فيه حسب القانون رقم 1 لعام 2005.
ما المقصود بـتفادي قرار الدمج ؟
المصارف التي تأسست برأس مال ثلاثة ملايين دينار واجهت في عام 2005 قانون المصارف والذي نص على أن رأس مال المصرف يجب أن يبلغ ثلاثة وثلاثين مليون دينار ويدفع ثلث القيمة ثم يستكمل بقية رأس المال حسب القانون التجاري خلال خمس سنوات، وأعتقد أن ثمانية وأربعين مصرفاً لم تستطع زيادة رأس مالها و تحصيل مساهمين  لدفع ثلاث اعشار  راس المال (عشرة ملايين دينار ) ما أدى بها إلى دمجها تحت المؤسسة الأهلية  و  المصارف التى تمكنت من  رفع رأس المال و دفع ثلاث اعشار  (عشرة ملايين) فبقت قائمة بنفسها ومنها مصرف السراي ، الا انه و للاسف ذكرنا هنا   بالقول أن مبلغ العشرة ملايين التى مول بها راس مال المصارف  كان غير قانوني حيث  موّلت من خلال عملية  ممنوعة ومخالفة لقانون المصارف و المعروفة  بالمقاصة الصفرية. 
و كان المسؤول عنها مجموعة من المستثمرين في المصرف انتهزت ما يعرف بمشكلة المقاصة الصفرية في ذلك الوقت وكوّنوا شبكة من الشركات في ثلاثة مصارف هي الإجماع العربي والتجاري العربي ومصرف السراي.
شبكة قامت بفتح حسابات لشركات في المصرف الأول وحسابات لشركات أخرى في المصرف الثاني و المصرف الثالث و مصارف أخرى عامة.
كانت المجموعة تصدر  صكوكاً من حساب بمصرف لحساب اخر  بمصرف ثاني و ثالث  وبالعكس من خلال شبكة ذات الشركات و الأسماء. للاسف مثلما هو الحال بجميع المجتمعات ومنها مجتمعنا المصرفي الليبي لاينقصنا ضعاف النفوس و ذوي الاحتياجات والنصب والاحتيال.
موظف المصرف كان يتقاضى مرتباً ضئيلاً، بينما تتعامل تلك الشركات وهميا  بصكوك غير مغطاة بقيم بمئات الألوف  لم اتمكن حتى الان من تواطيء تلك الإدارات والموظفين مع هذه الشبكة و التي عرفت بشبكة المقاصة الصفرية و التي منعها مصرف ليبيا المركزي و قام بالتحقيق و حدد المشتركين بها. لا يوجد مبرر منطقي بما قام به المصرف و ما اذا كان الدافع    إغراء مدراء الفروع والمصارف بالمال أو بغيره من الخدمات المتبادلة حتى يقدموا على ما قام به من أعمال منافية لجميع الأصول المصرفية . حيث أن  تحصيل وتسوية قيمة الصك قبل اكتمال المقاصة كان مخالفا  للوائح و الاعراف  و التعليمات الصادرة عن المركزي. 
للاسف هذه  الأموال استُخدمت لشراء المزيد من الحصص في هذه المصارف متعارضة مع القانون  ومنها خرجت هذه المصارف من تحدي رفع رأس المال المقرر من المركزي.
 الا  أنه عوضاً عن قيام إدارة المصارف في  تلك الفترة  بإحالة مرتكبي هذه الجريمة إلى النيابة العامة وإلغاء أسهمهم، تم تحويل المبالغ المكشوفة إلى قروض مقابل رهونات لم ترتقي عند تقديم الرهن الى قيمة القرض المضمون به الا انه مع مرور الزمن وهذه الرهونات تضاعفت  و منها تم تسوية بعض القروض .
 وفي عام 2009  كان تاريخ استحقاق اكتمال دفع و تغطية ما تبقى من رأس مال 33.333 مليون دينار  في ظل القانون الصادر في 2005 الذي منح 5 سنوات، كانت المصارف ملزمة قانونا بإكمال رأس المال فتم دعوة الاكتتاب للمواطنين للاستثمار في هذه المؤسسات، وكنا من احد المسثنرين الذين قاموا بالاستثمار في هذا المصرف على أساس أن رأس المال المدفوع فيه يقارب لـ11 مليون ولكن تم استثمار مبالغ مشكوك في نزاهتها، وعندما تحققنا وكنت عضو مجلس إدارة في ذلك الوقت أن رأس المال ممول من المصرف نفسه وأن المبالغ حُوّلت إلى قروض مقابل رهونات لا تساوي 30% من قيمتها، قمنا بالتواصل مع مصرف ليبيا المركزي في 2009 وتقديم الأدلة والبراهين على ماحدث من تلاعب في ثلاثة مصارف وقام مصرف ليبيا المركزي ومحافظه - وكانوا شجعاناً وعمليين ويملكون روح المسؤولية، بتجميد مجالس إدارة هذه المصارف وفتحوا تحقيقاً وجُمدت أسهم هذه الشركات في كل المصارف الليبية.
وفي عام 2010 حكمت المحكمة بأن الأسهم غير قابلة للتصويت وأن المجموعة التي تحكّمت في المصرف لم يعد في مقدورها التصويت ومدانة وقرار المحكمة يجب أن ينفذ ومصرف ليبيا المركزي أذن لعقد جمعية عمومية وتشكيل مجلس إدارة جديد وقمنا عام 2012 بدعوة الجمعية العمومية وانتخبنا مجلس إدارة جديد وعُقدت أول جلسة لمجلس الإدارة في يناير 2011، ثم بدأنا في تنظيم المصرف.
كيف تعامل مجلس الإدارة الجديد مع التجميد؟
كانت هناك رهونات، فقررنا بيع الرهونات وتحديد نسبة تغطيتها من المديونية. مجلس الإدارة الجديد بدأ أعماله في أكتوبر 2011 وحتى خلال ثورة فبراير كنا نعمل يوميا وبدأنا رسم سياسات المصرف وأين سنصل بالمصرف. وكان أمامنا عدة خيارات: هل نذهب إلى شريك أجنبي أم نوظّف الأجانب ذوي الخبرة فقط؟ كان وضعنا لا يسمح بالشراكة وأنا شخصياً لا أؤمن ببيع حصة لشريك أجنبي، وقناعتي أننا يمكن بالمال أن نأتي بالأجنبي ونأخذ منه الخبرة ولست من أنصار الشراكة الأجنبية في المصارف، وقمنا بعرض مناقصة لشركات استشارية لتساعدنا ووقع الاختيار على شركة عالمية وبدأنا في إعادة هيكلة المصرف ودراسة السوق الليبي. وبعد دراسة السوق الليبي تبيّن أن النقص هو في قطاع الشركات، فغالبية المصارف تعمل على الأفراد وكان توجهنا هو التحول إلى مصرف شركات. وهذا التوجه كان خلافاً لما هو سائد كون المصارف أصبحت صناديق إيداع ولم تلعب دورها في الاقتصاد. ثم ركزنا على العنصر البشري؛ فهناك نقص في الكادر المصرفي بسبب الحقبه الماظيه وكان توجهنا إما ان نجلب الليبيين الذين يعملون بالخارج في المصارف الأجنبية أو نحضر أجانب وعناصر وطنية شابة متخرّجة حديثاً من الجامعة لتعلم العمل المصرفي منذ البداية وفهم واستيعاب إستراتيجيتنا، فاستجلبنا من الأردن وتونس ومصر وبدأنا العمل على الإستراتيجية التى رسمتها الشركة العالمية الاستشارية.
 عام 2012  استعنا بشركة عالمية لتقييم المركز المالي للمصرف و كانت حقوق ملكية المصرف متدنية جداً وكادت تصل إلى الحد الأدنى القانوني، حتى و ان  وزعت الإدارات السابقة 50% منها أرباحاً وهمية على دخل ليس له وجود.
 قانونا عام  2012 كان المفترض أن يعلن المصرف إفلاسه الا اننا تواصلنا مع  مصرف ليبيا المركزي وقدمنا خطة و برنامج و ابلغناهم بأن قانونا هذا المصرف  يفترض أن يغلق ويعلن افلاسه. وعرضنا عليهم إستراتيجيتنا وما نود عمله خلال السنوات الـ5 القادمة بكل وضوح وأخبرناهم أنه يمكنهم مطالبتنا بإغلاق المصرف أو الإذن برفع رأس ماله، وقلنا لهم دعونا نطبق هذه الإستراتيجية وسنسترجع رأس المال ونشكرهم كل الشكر لمنحنا الثقة بذلك.
في 2014 كيف كان وضع المركز المالي؟
في عام 2014 كانت هناك محفظة مالية رديئة بالكامل بقيمة 40 مليون دينار شبه غير موجودة، واسترجعنا حوالي نصف هذه المحفظة  وتحملنا خسائر كل سنة 3 مليون دينار وهي التى كونا بها المخصصات التي تغطي المحفظة الائتمانية. بينما في السابق في عهد الإدارات السابقة لم تتجاوز المخصصات 500 ألف دينار، واستلمنا من المحافظ أول رسالة وصلتنا في بداية 2011 تلفت انتباهنا أن المخصصصات غير كافية لاستيعاب المخاطر الائتمانية، وكان أول قرار اتخذناه تطبيق التوصيات التي وردت في رسالة المركزي. وفي 2014 وصلنا لتكوين مخصصات بلغت 12 مليون. وفي الأعوام 2015 و2016 و2017 و2018 حققنا أرباحاً ووفرنا مخصصات ما يغطي تقريبا 70 بالمائة من المحفظة الائتمانية وقمنا ببيع بعض الاستثمارات التى لم تكن مجدية ولا تدخل ضمن تخصص مصرفنا .
بماذا استبدلت هذه الاستثمارات؟
قررنا التركيز على الاستثمار في قدراتنا و في حدود مجال اعمالنا اي في المال و الاعمال و اكتفينا باستثمار واحد وهو شركة تداول للتقنية للدفع الالكتروني.
ما هو ملخص إنجازاتكم اليوم؟
على سبيل المثال لا الحصر: تغيير قواعد المنافسة في القطاع المصرفي والتركيز على بناء قدرات العنصر البشري الجديد وتدريبه وتطوير الموظفين القدامى الذين كانو مهملين بالمصرف وتركيب منظومة مصرفية جديدة، وإطلاق مركز اتصالات المصرف على الرقم 1525، وهذا كله تمهيداً لقطف ثمار تحقيق إستراتيجيتنا في 2022 وهي التحول بالكامل إلى مصرف رقمي بحيث تتم جميع التعاملات المصرفية عن طريق الهاتف النقال والكمبيوتر الشخصي، فاليوم 40 بالمئة من التعاملات بالهاتف النقال ولكن بإذن الله مع 2022 مئة بالمئة المعاملات المصرفية ستكون على الهاتف النقال.
هل تؤمن أن المواطن سيتقبل التعامل المالي الإلكتروني بهذه السرعة؟
نعم والمواطن الليبي جاهز لتقبل أفضل الحلول. دعني أذكرك أنه عندما قررنا إنشاء شركة تداول للتقنية في 2014 قبل أزمة السيولة وذهبنا إلى مصرف ليبيا المركزي وكان رافضاً لدخول القطاع الخاص في هذا المجال وكلما طرقنا بابه قال لديكم شركة يمتلكه ا اتملكها المصارف الحكوميه، اذهبوا لها. الحقيقة أن تلك شركة  قائمة من عشر سنوات ولم تكن مؤثرة بالشكل الذي أسست من أجله، فقلنا للمركزي اعطونا فرصة، واليوم أثبتنا أن الليبيين يقبلون بالدفع الإلكتروني والبطاقات.
 لكن المشكلة الحقيقية مع التجار؟
مشكلتنا ثقافية تقليدية و يجب التغيير بالمفاهيم عموديا  ، التجار قد يكونوا   معذورون، لأن مصرف ليبيا المركزي فرض تغطية 130% عند فتح  الاعتمادات المستندية كما طالب الاغطية نقداً من خلال مناشير رسمية امور  تسببت في عزوف التجار عن المصارف و الابتعاد التعامل الاكتروني واجبرها على البحث عن حلول لنفسها بعيداً عن القطاع. فالتاجر يبحث عن الربح والثقة والاستقرار و الاستمرار  و على الدولة التقنين و التنظيم و الحوكمة و الرقابة لخلق البيئة الجاذبة و ليس لفرض البيئة المطاردة طيلة 4 سنوات .
أنتم مصرف شركات؟
نحن تخصصنا في تقديم الخدمة للشركات والأفراد الذين يعملون في هذه الشركات. ولكن هذا ليس كل شيء بالنسبة لنا، لأننا سنتجه بعد تقوية وتنمية الخدمات الإلكترونية وتنفيذ التحول الرقمي الكبير إلى منافسة المصارف الأخرى المتخصصة في التجزئة، وهو الأمر الذي بدأنا به فعلا وستشهدون تغييراً جذرياً في المعاملات المصرفية خلال الفترة القادمة.
ماذا عن التوسع والفروع؟
ليس من سياستنا التوسع بالفروع بل بالوصول إلى الزبون في بيته. قريباً سيتمكن المواطن من فتح حساب من بيته بطريقة آمنة جداً، ونحن نتكلم عن أسابيع لإطلاق هذا المنتج. نحن اليوم متواجدون في طرابلس وبنغازي وقريبا في مصراتة وكذلك المنطقة الجنوبية كفروع رئيسية للمناطق وكزبائن نتعامل مع كل مساحة ليبيا وسيكون هناك تطبيق إلكتروني يستطيع أي شخص أن يستخدمه من هاتفه أو جهازه اللوحي.
ماهي مهمة الفروع؟
التواصل مع الزبائن الحاليين وتذليل الصعاب والعمل لإدارة العلاقات مع المؤسسات أحياناً، ويساند عمل الفروع خطة التوسع في كل ليبيا عبر الصيرفة الإلكترونية المتاحة 24 ساعة في 7 ايام 
كما ستكون هناك آلات سحب ذاتي وتقنيات متقدمة بالبصمة والتعرف على الوجه لتمكين الزبائن من السحب والإيداع والتحويل. وروعي في هذه الآلات والتقنيات الكثافة السكانية في كل منطقة لتفادي أي عوائق يمكن أن تحدث، فلا يتضرر الزبون.
ماذا عن صندوق تداول العقاري ؟
لدينا صندوق تداول العقاري اليوم وتحصل على أول رخصة لصندوق استثماري خاص منحت من مصرف ليبيا المركزي وسوق المال في مايو 2014 وكان المفترض إطلاقه في أبريل 2015 وما عطله أن مصرف ليبيا المركزي أصدر منشوراً في السابق بمنع استيراد الخشب والزجاج وسلع أخرى خاصة بالمجال العقاري، لذا لم نتمكن من وضع جدوى حتى لمشروع واحد بما أن اغلب تكاليفه تغطى من السوق السوداء. إلا أننا اليوم نثق بعد تثبيت سعر الدولار في قدرتنا على الانطلاق هذا العام في خطط الاستثمار العقاري الخاصة بالصندوق.