الأوضاع الأمنية والسياسية المتوترة التي تعيشها ليبيا، لم تعد مبعث قلق وخطر لدى اللّيبيين فحسب، بقدر ما تجاوزت تداعياتها وتهديداتها الحدود لتطال دول الجوار، التي كثّفت من استعداداتها ورفعت مستوى التنسيق في ما بينها، حفظا لحدودها وأمنها الداخلي.

ثلاث سنوات ونيف مرّت على إسقاط نظام معمر القذافي بمساعدة من قوات الناتو والولايات المتحدة الأميركية، ولم تحقق ليبيا ولو نسبة قليلة من الأحلام التي قادت شبابها إلى اكتساح الشوارع ذات شتاء من سنة 2011. أحلام انتهت بكابوس ينذر بحرب أهلية وشيكة أو هي انطلقت فعلا، مُهدّدة الداخل الليبيّ بالتقسيم والتشرذم، ومتوعّدة دول الجوار بضرب الأمن والاستقرار .

ومن الواضح أن الأزمة الليبية قد دخلت منعطفا خطيرا بات مفتوحا على كل الاحتمالات والسيناريوهات المختلفة، بحسب دراسة ابراهيم منشاوي الصادرة عن المركز العربي للبحوث والدراسات، فمن الممكن أن تشهد الأراضي الليبية حربا أهلية على سبيل المثال، وأن تكون مرتعا للجماعات الجهادية والتكفيرية المتشددة، فقد يجد فيها تنظيم داعش بيئة خصبة تسمح بخلق فرع جديد له يكون نقطة الانطلاق في شمال أفريقيا، وهذا التصور تدعمه عدة احتمالات منها؛ غياب دولة مركزية قوية في ليبيا وانتشار السلاح بشكل كثيف فضلا عن وجود كم هائل من الشباب السلفي الجهادي المستعد للانخراط في هذه الجماعة ممّا يهدد ليبيا بمستقبل مجهول.

وفي ذات السياق فإنّ الأحداث التي تعيشها كل من طرابلس وبنغازي في الآونة الأخيرة، تدعم هذا التوجّه نحو المجهول.

تتضح الدوافع السياسية في رغبة دول الجوار في سد حالة الفراغ السياسي في ليبيا، وذلك بالعمل على التقريب بين وجهات النظر للأطراف المختلفة، وتعزيز مسار التحول الديمقراطي والاتفاق على شكل العملية السياسية والدولة. لأنه من الجلي بعد سقوط لقذافي، أن هناك تصارعا عميقا حول السلطة وشكل الدولة، هذا التصارع اتخذ شكل المواجهات العسكرية المباشرة، وخير دليل على ذلك عملية الكرامة التي قام بها اللواء متقاعد خليفة حفتر من أجل تطهير ليبيا من الجهاديين وجماعة الإخوان، مرورا بوجود أطراف معارضة لحكومة معيتيق والحكم بعدم دستوريتها وتقديمه لاستقالته ثم اجراء انتخابات برلمانية.

يعد الهاجس الأقوى الذي يؤرق دول الجوار، هو الأمن، فنتيجة للأوضاع الأمنية الحرجة في ليبيا ونشاط الجماعات الجهادية، فقد أدى ذلك إلى التأثير على الأمن القومي لدول الجوار من خلال عمليات تهريب السلاح وانتقال الجهاديين، وعلى إثر ذلك فقد ذكر المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والأمنية والعسكرية في تونس أن 45 مليون قطعة سلاح تم تهريبها من ليبيا إلى عدد من دول الجوار.كما نمت الجريمة المنظمة بشكل كبير.

أمّا الدافع الاجتماعي والثقافية فتتمثل في وجود امتدادات قبلية بين ليبيا ودول الجوار وبالأخص مصر والنيجر وتشاد والجزائر، مما ييسر من عملية تدفق السلاح والتعاضد بين المجموعات الإثنية والعرقية الممتدة في المواقف والآراء والتوجهات، مما يخلق معه مشكلات واضحة لدول الجوار نتيجة لهذه الحالة التي قد تؤدي إلى وجود مخاطر حقيقية من هذا الامتداد.

تجنّبا لتفاقم الأوضاع، اجتمع وزراء خارجية دول الجوار، مؤخّرا، في تونس، لبحث تطورات الأزمة وأوجه الدعم الّتي من الممكن أن تقدمها دول الجوار لليبيا من أجل الخروج من ذلك المأزق، على مستويين اثنين؛ أوّلهما سياسي حيث يجب على دول الجوار في هذا المضمار القيام بدور فاعل في ما يتعلق بالتوسط بين أطراف العملية السياسية في ليبيا، من أجل إيجاد مخرج للأزمة هناك، وذلك من خلال التحرك بشكل جماعي سواء في إطار منظمة الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية لاتخاذ عدد من التدابير المهمة واللازمة.

وثانيهما على المستوى الأمني، حيث أنّ دول الجوار يمكن أن تسارع إلى إرسال قوة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي إلى ليبيا من أجل ضبط الأمن هناك، وكذلك المشاركة من قبل هذه الدول وعلى الأخص مصر والجزائر في العمل على بناء جيش قوي في ليبيا يستطيع أن يحافظ على وحدة البلاد.

خلاصة القول، تغيير النظام باسم الديمقراطية كان وهما، لا سيما حين تكشف التقارير الواردة من وكالات الاستخبارات الأوروبية والأفريقية أن الإقليم الجنوبي في ليبيا صار ملاذا للمسلحين الإسلاميين الذين تمّ طردهم من مالي في وقت سابق من هذا العام. وقد تكون هذه مجرد بداية تهدّد المنطقة بشكل عام.

 

 

*نقلا عن العرب اللندنية