مازالت معضلة السلاح تلقي بظلالها على المشهد الليبي وتمث احدى أهم التحديات التي تواجه المساعي الداخلية والدولية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.فهذه الظاهرة التي انتشرت في البلاد منذ العام 2011،تحولت إلى المشكلة الأولى خاصة في ظل استمرار تدفق السلاح الى البلاد رغم الحظر المفروض عليها منذ سنوات.
ولم يستطع الحظر الدولي المفروض على ليبيا منع تدفق السلاح اليها،وتصاعدت وتيرة وصول السلاح منذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي حين أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية بهدف فرض الأمن والاستقرار في المدينة،حيث سارعت دول اقليمية على رأسها تركيا الى دعم المليشيات عبر شحنات السلاح التي تتالى وصولها الى مصراتة وطرابلس.
ويثير تدفق الأسلحة بشكل مكثف الى ليبيا مخاوف من عدم تحقيق الاستقرار في هذا البلد خلال الفترة القريبة القادمة.وهو ما عبر عنه مؤخرا مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة،الذي أعرب عن أمله في أن يسفر مؤتمر دولي الشهر المقبل عن إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يلزم القوى الأجنبية بوقف حرب بالوكالة تشهد تصعيدًا ووضع آلية عاجلة لتطبيق حظر الأسلحة المفروض عليها.
وسيكون المؤتمر، الذي تنظمه ألمانيا أول مسعى دبلوماسي كبير لإنهاء الحرب المستعرة في العاصمة طرابلس منذ 6 أشهر.ويسعى المؤتمر إلى حشد اللاعبين الخارجيين الرئيسيين لوقف الانتهاكات السافرة المتزايدة لحظر للسلاح فرضته الأمم المتحدة والضغط على حلفائهم في داخل ليبيا للالتزام بوقف لإطلاق النار وعملية سياسية جديدة.
وقال سلامة في مقابلة إن "التعبير عن الأمل والتشجيع والدعم الشفوي ليس ما أتطلع إليه، أنا أتطلع إلى تعبير واضح عن إرادة لإنهاء الحرب في ليبيا".وأضاف أنه "يجب التعبير عن ذلك بوضوح في قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومن خلال آلية للمتابعة من أجل حماية تطبيق هذا القرار".
وقال سلامة، إن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة والتي تراقب حظر الأسلحة تحقق في عشرات الانتهاكات وإن التدخل الأجنبي، الذي صار "صارخًا بصورة أكبر" من ذي قبل ينطوي على ما يمكن أو يحتمل أن يكون استعانة بمرتزقة أجانب ومشغلين لطائرات مسيرة قدمتها جهات خارجية.ومن المقرر أن تنشر لجنة الخبراء تقريرًا بحلول نهاية العام، لكن توثيقها المفصل للانتهاكات المزعومة في السنوات الأخيرة، لم يؤد إلى تعنيف لأي طرف.
ومنذ العام 2011،تواصل تدفق الأسلحة المتجهة للجماعات المسلحة،من دول داعمة لها وعلى رأسها تركيا، التي ترتبط بعلاقات إيديولوجية مع هذه الجماعات بمباركة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي دفع بكل قواه كي يكسب ليبيا بعد التضييق عليه في مصر.وطيلة السنوات الماضية تتالى الكشف عن شحنات السلاح القادمة من تركيا الى ليبيا لكن انقرة كانت تتنصل من السؤولية.
لكن تقدم الجيش الليبي نحو تحرير العاصمة الليبية سرعان ما كشف حجم التدخل التركي في ليبيا،وتصاعدت وتيرة وصول شحنات السلاح الى طرابلس ومصراتة،وكان أبرزها السفنية التي تحمل اسم "أمازون"،التي انطلقت من ميناء سامسون التركي في التاسع من مايو/أيار الماضي قبل أن تصل إلى العاصمة الليبية، طرابلس محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، حسب ما أظهرته صور التقطت من على متنها.
ونشر "لواء الصمود"، التابع لحكومة الوفاق، الذي يقوده المطلوب دوليا، صلاح بادي،صورا عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، تظهر لحظة إنزال السفينة لشحنتها من المدرعات وتوعد بالقتال بها وإحداث فرق على الأرض.وتضمّنت هذه الشحنة من العتاد الحربي مدرعات من نوع "بي.أم.سي كيربي" التركية الصنع، وكمية من الصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص ورشاشات هجومية، وكميات من الذخائر والمتفجرات وقطع الغيار.
وحذر حينها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، من أن المعركة للوصول إلى طرابلس تشكل "مجرد بداية حرب طويلة ودامية" داعيا إلى اتخاذ اجراءات فورية لوقف تدفق الأسلحة الذي يؤجج القتال.وأقر سلامة أمام مجلس الأمن الدولي بأن "دولا عديدة" تقوم بتوفير الأسلحة للحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة في طرابلس.
وأوضح سلامة "العنف على مشارف طرابلس هو مجرد بداية حرب طويلة ودامية على السواحل الجنوبية للمتوسط، ما يعرض للخطر أمن الدول المجاورة لليبيا ومنطقة المتوسط بشكل أوسع".وأضاف أنه إذا لم يتم التحرك لوقف تدفق الأسلحة فإن "ليبيا على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية يمكن أن تؤدي إلى الفوضى أو الانقسام الدائم للبلاد" قائلا إن "الأضرار التي سجلت بحاجة أساسا لسنوات لإصلاحها وذلك فقط في حال توقفت الحرب الآن".
ومن جهته فرض الجيش الوطني الليبي،حظرا بحريا على الموانئ الواقعة غربي ليبيا، لمنع تدفق السلاح، داعيا تركيا للكف عن تأجيج الصراع في البلاد وقتل الليبيين عبر الإمدادات العسكرية التي ترسلها إلى الميليشيات في العاصمة طرابلس.وقالت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، في بيان لها، إن رئيس أركان القوات البحرية في الجيش الليبي اللواء فرج المهدوي أعلن حالة النفير لكامل القوات البحرية والحظر البحري التام على كامل الموانيء البحرية في المنطقة الغربية.
ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة،وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية شهر أيار/ مايو الماضي، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.
ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة، وأكد الجيش الليبي أن تركيا وفّرت غطاءً جوياً لميليشيا الوفاق خلال اقتحام مدينة غريان، وكان نقطة تحوّل أمالت الكفّة لصالح هذه المليشيات.
وفي مارس/آذار 2011 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970 وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار"، وجرى تمديد القرار أكثر من مرة.
وفي سبتمبر الماضي،طالب نائب السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، يورجن شولز، بتعزيز حظر السلاح على ليبيا، حاثا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على التطبيق الكامل والفعال لحظر السلاح، ووقف أي شحنات أسلحة على الفور.وأضاف المسؤول الأممي في تصريحات نقلتها وكالة رويترز، أن السبيل الوحيدة لأن تؤتي العقوبات ثمارها تكون من خلال تطبيقها بشكل كامل وعزم المجتمع الدولي.
وتعتبر الفوضى الأمنية مشهدا يرسم الأوضاع اليومية في ليبيا منذ سبع سنوات،وبات إنتشار السلاح في البلاد لعنة تهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين،مع تواصل عجز الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ أي برنامج متكامل لجمع السلاح أو نزعه من المليشيات المسلحة ، التي غالبا ما تمتلك أسلحة وعتادا يفوق قدرة وتسليح الأجهزة النظامية الأمنية والعسكرية.كما يمتد هذا التهديد على الصعيدين الإقليمي والدولي،في ظل إنتشار العناصر الإرهابية العابرة للحدود.