حذر مسؤول ليبي رفيع من مخطط رهيب لاستنساخ ما فعله بول بريمر في العراق عقب الغزو الأمريكي وإسقاط الدولة هناك، على التصور المستقبلي للدولة الليبية التي تشهد حالة من الفوضى غير المسبوقة، ونموا متصاعدا للتنظيمات الإرهابية والتكفيرية من أجل تحقيق ما عجزت عنه هذه التيارات في كل من سوريا والعراق.. في مرحلة ما يُعرف بـ"الربيع العربي".

وكشف وزير الأوقاف السابق بحكومة برقة، والمستشار القانوني للجيش الوطني الليبي، المستشار رمزي الرميح، أن الدولة الليبية تعرضت لمؤامرة كبيرة ومصيرها سيكون كالعراق من تفكك وتخريب، مؤكدًا أنه منذ "نكبة فبراير"، في إشارة إلى الاحتجاجات التي اندلعت هناك وانتهت بإسقاط العقيد الراحل معمر القذافي إثر تدخل عسكري لحلف الناتو، كان يعمل مستشارًا بحكومة محمود جبريل، إلا أنه استقال وانضم للجيش الليبي بعد اتضاح "المؤامرة" الكبرى على بلاده.

وأكد المستشار الرميح، في ندوة عقدت مساء الأربعاء بالمركز المصري للبحوث والدراسات الأمنية بالقاهرة، أن الأزمة الليبية ليست نتيجة مباشرة لأن القذافي كان ديكتاتوراً، ولكن طمعاً غربياً في نهب الثروة الليبية، وفى القلب منها الغاز الليبي. وقال: "ما يطلق عليه الربيع العربي.. هو ربيع عبري بامتياز"، لافتًا إلى أن المؤامرة على ليبيا هي في الأساس مؤامرة خارجية نفذت بأيدٍ ليبية وعلى رأسهم الإرهابي عبدالحكيم بلحاج، وهو رجل الأمريكان الأول في المنطقة، والذي عاد إلى ليبيا خلال حكم القذافي بضمانات أمريكية ووعود بلعب دور في المستقبل، مؤكداً ان "هذا الشخص باع أرشيف المخابرات الليبية لتركيا وقطر".

«العقيد»

واتهم الرميح، العقيد الليبي الراحل بـ"الغباء" الشديد، وكشف أن القذافي لم يستمع لكل التحذيرات، ولم يتصور أن تكون نهايته بهذه الطريقة المأساوية، مشيراً إلى الشبه الكبير في طريقة إظهار القذافي لحظة القبض عليه، بما حدث مع الرئيس الراحل صدام حسين، وأوضح أيضاً أن قوات الناتو ضربت مكان تواجده بالغاز المخدر، للسيطرة عليه، وأضاف: إن قرار قتله قرار "مخابراتي غربي" صدر سراً عقب إلقائه خطابه الشهير بالأمم المتحدة وتمزيقه ميثاقها في جلسة علنية.

خيانات وخدع

وكشف الرميح أن القذافي تعرض لما سماه "خيانات" من الدائرة المقربة منه، وخص منها بالاسم نجله سيف الإسلام، الذي تعهدته المخابرات البريطانية في السنوات المبكرة من دراسته في بريطانيا، وأقنعته بلعب دور يبدو تصالحياً وإصلاحياً، ولكنه كان في الحقيقة مقدمة للتخلص من أبيه، وأوضح أن المعتصم نجل القذافي حذر والده من دور سيف الإسلام، ولكنه لم يصدق، وأعرب عن ثقته في التخلص من سيف الإسلام وقتله، لطمس معالم المؤامرة، مشيراً أيضاً إلى أن الأخير اعترف لمقربين منه بأنه تم توريطه وخداعه.

مجلس عسكري

ورداً على سؤال لرئيس المركز، الخبير الاستراتيجي اللواء عبد الحميد خيرت، بشأن تصوره لمستقبل ليبيا، رأى المستشار الرميح أن الحل للأزمة الليبية يتطلب تشكيل مجلس عسكري أعلى يدير البلاد مؤقتاً لانتشالها من كبوتها الراهنة، حتى تستقر الأوضاع، وقال: "نحن مع الحكم العسكري في ليبيا وعلى مصر دعم حفتر". مؤكدًا أنه لن تقوم أي قائمة لأي حكومة بدون وجود مجلس أعلى عسكري.

وقال: إن حكومة التوافق التي يجري التفاوض بشأنها حالياً، لا تختلف كثيراً عن حكومة أحمد الجلبي، الذي عينه بول بريمر في العراق، عقب سقوط بغداد، وحذر من تكرار السيناريو العراقي في بلاده والذي جرّ الويلات والخراب ليس على العراق فقط، ولكن على الأمة بأكملها، لأنها أرست نموذج التقسيم الفادح للبلدان العربية، ووضعت العراق في براثن محاصصات طائفية وحزبية وعرقية.

حروب الجيل الرابع

ورداً على سؤال للعميد الدكتور أحمد سليمان، بشأن اشتراك وسائل إعلام عربية في مؤامرات تحريضية، استعرض مستشار الجيش الليبي دور قنوات فضائية في إسقاط بلاده ضمن ما يُعرف بـ"حروب الجيل الرابع".

وأشار أيضاً إلى تصريح منسوب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعترف فيه بالخديعة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، في تمرير قرار مجلس الأمن الذي أجاز ضرب ليبيا.. دون تحديد مستقبل واضح، وتركها أسيرة للميليشيات والجماعات الإرهابية، وقال: إن ذلك أنتج "اللا دولة"، حيث أصبحت بلاده مرتعاً للفوضى وساحة تلعب فيها كل أجهزة مخابرات العالم.

وتابع: إن من أهداف المؤامرة على ليبيا، تهديد الأمن القومي المصري، ومن ثم العربي وجنوب أوروبا، ودعا إلى أن الحل العاجل يستوجب توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين مصر وليبيا، مؤكدًا أن هذه الاتفاقية أصبحت ضرورة ملحة للبلدين في ظل الأخطار والتهديدات المتلاحقة، متهماً دولا مثل تركيا بتمويل الجماعات المسلحة، واستشهد بإعلان اليونان قبل أيام ضبط حاوية كبيرة متجهة لليبيا من تركيا محملة بأسلحة للجماعات الإرهابية.

عاصفة حزم

وتعقيباً على ما قاله الخبير الأمني اللواء يحيى حجاج، شدد الرميح على ضرورة القيام بـ"عاصفة حزم مصرية" لإعادة الاستقرار في ليبيا، على غرار عاصفة الحزم التي قادتها السعودية، لمواجهة ميليشيات الحوثي الإرهابية في اليمن، معتبراً إياها قراراً عربياً، يعيد بعض الثقة في الأداء العربي الرسمي الذي لا ينتظر تصريحاً من أحد.

ودعا الدول العربية وعلى رأسها مصر لتقوية نفوذ القائد العام للجيش الليبي الوطني، الفريق أول خليفة حفتر، وتزويد الجيش بالسلاح لمواجهة الانقسام على الأرض، والمتوقع تزايده عقب ما يُسمى حكومة الوفاق المقترحة، وأشار إلى أن الحلول السياسية ستفشل، في ظل وجود الميليشيات والجماعات الإرهابية التي ستسعى لتقوية نفوذها، وأن الحل العسكري والدعم العربي وتحديداً المصري ضرورة ملحة، باعتبار أن ما يحدث على الأرض في ليبيا يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي.

صحيفة "اليوم" السعودية

الأحد 22 ذو القعدة 1436 هـ الموافق 6 سبتمبر 2015 العدد 15423