في سياق تتالت فيه أزمات تركيا الدبلوماسية بالعديد من الدول ومنها الدول الواقعة في حوض البحر المتوسط فضلا عن خلافات مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة تأتي زيارة الرئيس التركي رجب اردوغان كأول زيارة لزعيم دولة لتونس في عهد الرئيس الجديد قيس سعيد.

وقالت الرئاسة التركية إن أردوغان وصل إلى تونس في وقت سابق أمس في زيارة مفاجئة لإجراء محادثات مع سعيد. ولم تورد مزيدا من التفاصيل.

وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك مع سعيد إنه يعتقد أن تونس سيكون لها "إسهامات قيمة وبناءة" في تحقيق الاستقرار في ليبيا، وأضاف أن وقف إطلاق النار يجب أن يتحقق في أقرب وقت.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، قال سعيّد إنه لم يتم التطرق خلال المحادثات الثنائية إلى مذكرة التفاهم بين ليبيا وتركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط. وقال إن المذكرة "لا تتعلق بحدود تونس، ولذلك لم يتم التطرق لها خلال المحادثات"، وربما يأتي هذا التصريح في غير صالح اردوغان وما خطط له لأنه اراد مساندة تونسية للاتفاقية.

من جانبه، قال أردوغان: "التطورات السلبية في ليبيا لا تقتصر عليها، وإنما على دول الجوار ... وأنا على ثقة أنه سيكون لتونس إسهامات قيمة للغاية وبناءة في جهود تحقيق الاستقرار بليبيا".

وجدد أردوغان التأكيد على أن الاتفاق البحري الذي تم إعلانه مؤخرا بين تركيا وليبيا يخص البلدين فقط وبالتالي "لا يوجد مبرر للتحفظ اليوناني".

وقال الرئيس التركي إنه طلب مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين حول النزاع الليبي المزمع عقده مطلع 2020.

وأضاف أردوغان، في مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي، أنه طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية مشاركة قطر وتونس والجزائر في قمة برلين.

تأتي هذه الزيارة إثر توقيع تركيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في خطوة أثارت غضب اليونان.

في هذا الإطار، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، في المؤتمر الصحفي إن الاتفاق الموقع بين تركيا وليبيا والمتعلق بترسيم الحدود البحرية لا يمس تونس ولم يكن مطروحا في لقائه مع أردوغان.

وأوضح سعيّد في المؤتمر الصحافي المشترك أن "الوضع يزداد تعقيدا في ليبيا»، وأنه «وجد كل الدعم من طرف الرئيس أردوغان لهذه المبادرة".

وشملت المحادثات بين الرئيسين التعاون في القطاع الصحي والقطاع الفلاحي، حيث أعلن سعيد عن تعهد الجانب التركي ببناء مستشفى للأطفال، إلى جانب التعاون في مجالات أخرى.

وتأتي الزيارة بعد اجتماع عقده الرئيس التونسي، الاثنين، بمجموعة من "المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية"، وهو مجلس يضم أعيان القبائل والمدن الليبية كافة.

ووفق بيان من رئاسة الجمهورية، فإن المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية "فوض الرئيس قيس سعيد للقيام بجهود ووساطات بين الفرقاء الليبيين، لحل شامل للخلافات في ليبيا".

وأوضح البيان أن سعيد اتفق مع المجلس الأعلى على الوساطة، بناء على مجموعة من النقاط، أهمها "دعوة كل الليبيين للجلوس إلى طاولة الحوار والتوصل إلى حلول توافقية للخروج من الأزمة في إطار الشرعية الدولية، والتأكيد على أن الحل لن يكون سوى ليبيا ـ ليبيا".

في ذات السياق، قال الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الشأن الليبي كامل عبد الله لـ"موقع الحرة" إنه على ما يبدو أن الرئيس التركي عازم على الدخول العسكري بقوة في الأيام القليلة المقبلة وأن زيارته لتونس تأتي في إطار "استطلاع المواقف بعد تدخل الرئيس التونسي لحل الأزمة".

وألقت الزيارة، التي سعت الرئاسة التونسية إلى التعتيم عليها، قبل أن تعلن عنها وسائل إعلام تركية، بسلسلة من التساؤلات حول أهدافها لاسيما مع التدخل العسكري التركي المباشر في الصراع الليبي الذي يندفع نحو التحول إلى نزاع إقليمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ويرجّح مراقبون أنه ثمة مؤشرات تدفع باتجاه أن يكون الهدف الحقيقي وراء الزيارة هو التحضير لتنفيذ سيناريو في ليبيا يكون شبيها بالسيناريو الذي نفذته تركيا في سوريا، لفرض سياسة الأمر الواقع، خاصة وأن لدى أردوغان ما يكفي من الدوافع والأسباب لإشعال ليبيا في مسعى لإيجاد أوراق ضغط جديدة تُمكّنه من فك عزلته السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.