من سيخلف روبرت موغابي ؟

على الرغم من أن العديد من المراقبين الخارجيين مثل الاتحاد الأفريقي (AU ) والرابطة الجنوب الأفريقية للتنمية (سادك ) أيدت نتائج الانتخابات الأخيرة في زيمبابوي ، فإن فوز روبرت موغابي عام 2013  شابته اتهامات بالتلاعب والاحتيال. ومع ذلك ، أدى موغابي اليمين الدستورية مرة أخرى كرئيس للبلاد التي حكمها منذ الاستقلال عام 1980.

بعد هزيمتها ، رفعت الحركة من أجل التغيير الديمقراطي صوتها للمطالبة بإعادة الانتخابات أو إعادة فرز الأصوات على الأقل. وحيدا من دون دعم خارجي ومهجورا حتى من اللاعبين الرئيسيين التقليديين مثل سادك و الاتحاد الافريقي ، كان على حزب  مورجان تسفانجيراي أن يضع استراتيجيته بعناية وإحكام.

بعد أن ذهب زمن المواجهات المفتوحة ، صرف الحزب الآن اهتمامه بالقضايا الساخنة مثل المؤسسات الفاسدة في زيمبابوي. وفي  الوقت الذي لا تمتنع فيه حركة التغيير الديمقراطيي تماما عن توجيه الاتهامات العلنية لقادة البلاد ، فإن استراتيجيتها تبدو الآن  أكثر تركيزا على  قضية من شأنها أن تؤثر بشكل كبير في مستقبل زيمبابوي :  إنها خلافة موغابي.

الصراع داخل حزب زانو الحاكم

النزاع الداخلي المستمر بين التيار المعتدل و التيار المتشدد داخل حزب زانو الحاكم في زيمبابوي ، قد ينعكس مستقبلا على  الخطوات المرتقبة لحركة التغيير الديمقراطي  المعارضة . ففي حال فوز الجناح المعتدل ، ستنتعش إمكانية للتعاون بين حزب زانو (الحاكم ) و حركة التغيير الديمقراطي (المعارضة) .
وبالمقابل ، ستكون حركة التغيير الديمقراطي مطالبة بأن تقاتل من أجل البقاء إذا فاز التيار المتشدد.
وعلى الرغم من أن على حزب تسفانجيراي أن يختار استراتيجيته بعناية ، فإنه من الممكن يمكن أن يكون أي انقسام محتمل في صفوف النخبة لحزب زانو  نقطة الانطلاق لإعادة بناء ثروة حركة التغيير الديمقراطي المعارضة  .

الجدل المتواصل حول اقتصاد زيمبابوي يبقى هاما. فقد شهدت زيمبابوي في خمس سنوات من تقاسم السلطة  نموا مستقرا  إذ انخفض التضخم و عاد بعض التفاؤل إلى هراري .

فوز موغابي الأخير، إلى جانب ، برنامجه للتوطين ، اعتبر من قبل العديد من أصحاب المصلحة  بمثابة " قبلة الموت " بالنسبة للاقتصاد. والحال ، أن الاقتصاد في زيمبابوي هو في طي النسيان .

ففي تقرير صدر مؤخرا،  توقعت هيئة "انترناشيونال بيزنيس مونتر" (BMI) أن ينمو اقتصاد زيمبابوي بنسبة 3.4٪. وهذا يختلف كثيرا عن توقعات الحكومة  بنسبة 6.1 ٪ هذا العام ، مدفوعا بقطاعات التعدين والزراعة و السياحة.

وقد ينبع التناقض بين هذين الرقمين من نقص الاستثمارات الهامة في زيمبابوي، إلى جانب خزائن شبه فارغة، و ديون خارجية  ضخمة بالإضافة إلى تباطؤ الإنتاج الصناعي وعجز البنية التحتية. زيمبابوي لا تزال تعاني صعوبات ،  وتهديد   المجاعة مستمر خاصة في الأرياف.

ومع ذلك ، تبقى زيمبابوي بعيدة عن السنوات الكارثية التيي سبقت عام 2008 عندما بدا أن الاقتصاد يتدهور ،  الاقتصاد الذي  لا يبدو أنه  حاسم في جدول أعمال الحزب الحاكم في هذا الوقت . فعلى غرار حركة التغيير الديمقراطي  المعارضة، القلق الرئيسي للحزب هو خلافة موغابي.

من سيتبع موغابي ؟

من المرجح أن تضعف سلطة موغابي في المستقبل القريب، إما بسبب مشاكل صحية أو بسبب محاولة لهندسة عملية لانتقال السلطة قبل وفاته. وسوف يكون على حزب زانو أن يواجه المهمة الصعبة المتمثلة في تعيين خلف له في المؤتمر السنوي الذي سيعقد في ديسمبر .

إن المعركة الرئيسية على السلطة هي  بين ممثلي الفصيلين المهمين لحزب زانو : "جويس موجورو" و "ايمرسون منانغاغوا" . الأولى  شخصية شعبية تقدم نفسها كمعتدلة ، أما الثاني هو متشدد ومعروف بصلات قوية بالجيش و المؤسسة الأمنية .

نائبة الرئيس "موجورو" تمثل جناحا في الحزب  يشعر بالقلق من سنوات الركود ومن افتقار الحزب لأفكار جديدة. جناح يحبذ نهجا معتدلا لحل الخلافات مع المعارضة ، ويحظى بدعم قوي من القاعدة الشعبية لحزب زانو ، الذين هم مبعدون من امتيازات النخبة للحزب.

كما يدعو هذا الجناح إلى سوق مفتوحة و إحياء العلاقات مع المجتمع الدولي ، بما في ذلك القوى الغربية. وقد زادت "موجورو" فرصها في أن تصبح خليفة موغابي بحصولها على تسعة من أصل عشر مقاطعات في الانتخابات المحلية للحزب في ديسمبر الماضي.

ويلعب رؤساء المقاطعات و مسؤولوها التنفيذيون دورا مركزيا في انتخاب رئيس للحزب الوطني ، واثنين من نواب الرئيس ، و مرشح الرئاسة في المستقبل.

ولكن فوز موجورو قد لا يكون كافيا، لأن  الولاءات في الحزب يمكن أن تتغير بسهولة ، ولا سيما بسبب المخاوف من الفساد على نطاق واسع . بالإضافة إلى ذلك، فإن تيار موجورو ليس جبهة موحدة ، ويفتقر للتماسك الأيديولوجي  فضلا عن الدعم من مؤسسات الدولة الرئيسية. ولهذا الائتلاف المعتدل القليل من السيطرة على الشرطة والجيش و القضاء – المرتكزات الرئيسية لسلطة موغابي منذ فترة طويلة .

أما منانغاغوا ، فهو شخصية قوية، ومهاب الجانب ومثير للشكوك ، يرأس ما يسمى بـ " المتشددين " أو " الحرس القديم ". وبعد أن لعب تياره دورا قويا و مهيمنا في تاريخ زيمبابوي ، فإن صوت هذه المجموعة القوية سيكون بلا شك أثقل في صراع   خلافة موغابي . وماكان لحكم موغابي أن يطول كل هذه الفترة لولا دعم الجهاز القمعي الهائل الساعي للحفاظ على امتيازاته.

استراتيجية موغابي القائمة على وضع القطاع العسكري والأمني في القيادة ، بطريقة مشابهة لما يجري في كورية الشمالية  "استراتيجية الجيش أولا "، حصنت سلطته و جعلته أيضا الرجل الوحيد في البلاد القادرعلى السيطرة على هذه القوات . ويخشى مراقبون أنه بمجرد ما يغادر موغابي منصبه أن تنكسر هذه المجموعة القوية وتتصرف بشكل مستقل ، بشكل يهدد التوازن الهش بين الحزب الحاكم ومجتمع زيمبابوي.

وعلى الرغم من أن  منانغاغوا لا يحظى بدعم القاعدة الأساسية للحزب ، فإنه أقام علاقات قوية مع المخابرات و الجيش ، جزئيا من خلال منصبه السابق كوزير للدفاع .

ومع ذلك، وعلى غرار موجورو ، ليس منانغاغوا بالشخصية القوية بما فيه الكفاية للفوز بشكل صريح ، لأن غياب الدعم الشعبي والخوف من الانعطاف نحو الديكتاتورية يمكن أن يلعبا دورا في تقويض حظوظه .

حاليا، المتنافسان متساويان في سباقهما من أجل التفوق في المستقبل. ولتفوق أي منهما ، يحتاج إما موجورو أو منانغاغوا لدفعة أخيرة : تأييد من موغابي .

أيهما يحظى بدعم موغابي ؟

حتى الآن،  استخدم موغابي جميع قدراته السياسية لإخضاع الحزب ليده الطولى. وقد استطاع عن طريق تقسيم بعض الفصائل تارة وتهدئتها واسترضائها تارة أخرى الحفاظ على الوحدة و تجنب التمرد العسكري ، والاضطرابات المدنية و كل التحديات لقيادته.

لقد تلاعب  موغابي بارتقاء موجورو  لإرضاء ليس فقط حركة التغيير الديمقراطي ، ولكن أيضا أمام المجتمع الدولي و أنصارها في الداخل. وفي نفس الوقت ، فقد فتح الأبواب السياسية  أمام منانغاغوا عن طريق إسناد وزارات هامة بما في ذلك أمن الدولة والشؤون الداخلية والدفاع و العدل.

يبدو وفق ما يستشف من إشارات أن منانغاغوا سيخلف موغابي ، وهو احتمال ستكون له آثار إيجابية وسلبية . فهو سيضمن استمرارية السلطة ، وبالتالي ، إبقاء القوى الأجنبية والأحزاب المعارضة بعيدا. إلا أن هناك خطرا  يتمثل في أن منانغاغوا يمكن أن يصبح قويا جدا ويغرق زيمبابوي في ديكتاتورية عسكرية.

موجورو ، من جهتها، يمكن أن تحقق الاستقرار الاقتصادي و إعادة بناء صورة في زيمبابوي. لكنها تعتبر ضعيفة سياسيا و غير قوية بما يكفي لمقاومة ضغوط كل من المتشددين في الداخل ، والمعارضة و المجتمع الدولي .

وبالتالي ، فإن اختيار موغابي هو ليس فقط بين المعتدلين والمتشددين أو بين "موجورو" و "منانغاغوا" ، ولكن أيضا بين المصالح الوطنية والشخصية.  وإذا كان موغابي أب زيمبابوي حقا ، فإن عليه  أن يضمن الانتقال الذي سيجلب الاستقرار والنمو والأمن.

وبهذا المعنى، تبدو قيادة موجورو مدعومة من قبل المتشددين خيارا مفضلا ، إذ ستضمن وقف مقاطعة البلاد من الخارج  مع بقاء استمرارية عقيدة الحزب. ولكن إذا غلب منطق المصالح الشخصية ، فإن منانغاغوا سيصبح الوريث .

قد تكون أيام سياسة" فرق تسود" التي ينهجها موغابي معدودة. فالشهور الممهدة لديسمبر ستكون مشحونة.  يكفي أن إشاعة كاذبة مؤخرا حول وفاته أثارت صمتا غير مريح في زيمبابوي ، وهو ما جعل الجمهور يتساءل : " ماذا سيحدث للبلاد التي تماهت مع حكم "الرجل الواحد ".  واقع كهذا لا يمكن إلا أن يكون نذيرا لأمور في المستقبل .