برهان هلاكّ
"ساعة عدل واحدة : قضايا الإغتيالات السياسية وتحويل وجهة الحقيقة " هو العنوان الذي اختارته مؤسسة "صواب الرأي " الإعلامية للوثائقي الذي أنتجته مؤخرا عن موضوع الاغتيالات السياسية التي وقعت سنة 2013، والتي راح ضحيتها الشهيدان شكري بلعيد في 6 فبراير 2013 ومحمد البراهمي يوم الاحتفال بعيد الجمهورية في 25 جويلية من نفس السنة.
وفي إطار تتبع مسارات قضايا التحقيق في هذه الاغتيالات السياسية الدموية، ينقل الفيلم الوثائقي مراحل سير التحقيق القضائي في المسألة والتي استهلها الفيلم باستدعاء "مصطفى خذر" في 19 ديسمبر من سنة 2013 للتحري معه بخصوص هذه الوقائع وذلك بعد حجز وثائق وأجهزة مريبة في محل يكتريه المظنون فيه السابق ذكره ويستغله كمدرسة لتعليم سياقة العربات. وقد تم بالفعل فتح بحث تحقيقي في 26 ديسمبر 2013 أفضى إلى إحالة المتهم مصطفى خذر على الدائرة الجنائية بتهمة الامتناع عن تقديم معلومات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، وذلك على خلفية علمه بالمخطط لاغتيال الزعيمين السياسيين.
ويشير الوثائقي بالتفصيل إلى الهوية الحقيقية لمصطفى خذر بوصفه المشرف على الجهاز السري لحركة النهضة الإسلامية التونسية التي يتزعمها راشد الغنوشي. كما أثار من خلال الحوار الصحفي كشف المحامية التونسية إيمان قزارة (عضوة هيئة الدفاع في قضايا اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي) بالوثائق عن وجود علاقة مباشرة بين مصطفى خذر ورئيس حركة النهضة باعتبار أن الأخير كان يؤجّر المتهم كعامل حراسة ببيته، واتّهامها وكيل الجمهورية التونسية بشير العكرمي بإخفاء تفاصيل قانونية للتستر على زعيم الحركة راشد الغنوشي.
وتذكّر المقابلة الصحفية المضمّنة بالوثائقي مع المحامي التونسي نزار السنوسي، عضو هيئة الدفاع في قضية الاغتيالات السياسية، باعتقال السلطات التونسية لمصطفى خذر في 5 جوان من سنة 2020 على خلفية اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، وباعتقال السلطات لكلّ من عامر البلعزي الذي أخفى المسدس الذي اغتيل به الشهيدان ومحمد العكّاري لمشاركته في جريمة الاغتيال. وأشار الأستاذ السنوسي إلى أن محكمة التعقيب قد قررت في 14 جويلية من سنة 2020 سحب الملف من المحكمة الابتدائية وإحالته إلى محكمة ولاية أريانة إيذانا بانتهاء ألاعيب التضليل وطمس الحقيقة وإخفاء المعطيات التي مارسها وكيل الجمهورية البشير العكرمي حماية للقيادة النهضويّة التي ما انفكّ احتمال تورطها يتعاظم.
ويشرح الوثائقي في الحوار الصحفي مع المحامي التونسي وعضو هيئة الدفاع في قضية اغتيال الشهيدين، أنور الباصّي، دوافع استجلاب ملفات قضايا الاغتيال من وحدة الأبحاث في جرائم الإرهاب وذلك على إثر التفطن إلى ما أسمته هيئة الدفاع ”بالغرفة السوداء“؛ هذه الغرفة السوداء احتوت على وثائق تم نقلها من مقر مدرسة تعليم السياقة لصاحبها مصطفى خضر إلى وزارة الداخلية دون محضر حجز ودون علم فرقة الشرطة العدلية ولا قاضي التحقيق المتعهد بالقضية. ولم يتم الاعتراف الرسمي بوجود هذه الغرفة إلا بعد تنقل قاضي التحقيق في قضية الشهيد محمد البراهمي إلى المبنى الرسمي لوزارة الداخلية التونسية وحجزه للصناديق الكرتونية والاكياس التي تتضمن كمّا هائلا من الوثائق، ونقلها لاحقاً إلى مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بتاريخ 13 نوفمبر من سنة 2018.
ولتواصل الأستاذة إيمان قزارة مشيرة إلى أنه تمّ اكتشاف وثائق خاصّة بـ21 ملفا كانت مخفية، منها ملفات تهمّ التحركات والاتصالات الهاتفية للمدعو أبو بكر الحكيم، في إشارة إلى وقوف الجهاز السري لـ “حركة النهضة” وراء محاولات طمس ودفن هذه الملفات. ويشير العمل الاستقصائي بالوثائقي، استنادا إلى المحامين أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين، أن هناك علاقة بين مصطفى خذر ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قد تم التفطن إليها من خلال الاتصالات الهاتفية، ومن خلال شخص يدعى كمال البدوي كان عضوا بالمجموعة الأمنية لسنة 1991. كما أنه من المقربين من راشد الغنوشي مما جعله يضطلع بمهام شبه استخباراتية وأمنية سريّة.
يعمل الوثائقي على إنارة الرأي العام حول مسألة الجهاز السري ودوره في اجهاض المحاولات الجدية للكشف عن حقيقة الاغتيالات التي هزّت تونس سنة 2013. ويشير الفيلم إلى دقائق تفاصيل التحقيقات القضائية وشتّى العراقيل الإجرائية التي تعرض لها ملف الاغتيالات في هذه السنوات الفارطة، والتي جعلت من مطلب الحقيقة في هذا الملف عسير البلوغ. إن الأمر لم يخل يوما من الشكوك والريبة، فعلاوة عن المسؤولية السياسية والأخلاقية التي يجب على حزب حركة النهضة الحاكم آنذاك تحملها في قضية الاغتيالات، يطرح الوثائقي اليوم من خلال الاستقصاء الزمني والمقابلات الصحفية احتمالا شديد المعقولية في علاقة بمسؤولية قانونية للحركة في اغتيال الشهيدين، بل وفي العمل على اخفاء أثر هذا التورط.