فتحت أحداث فبراير سنة 2011 الباب لشخصيات متطرفة كانت فارة خارج ليبيا بسبب أحكام صادرة ضدها لما تمثله من خطر لاستقرار و أمن البلاد.
أحداث فبراير لم تكن فقط فرصة لعودة هاته الوجوه بل وفرت لها الأرضية السانحة للعب أدوار في المشهد السياسي المشكّل حديثا في البلاد و أصبح الكثير منهم من أثرياء الحرب التي راكمت الدولارات على ظهر الشعب الليبي المنكوب.
لعلّ سامي السعدي من أبرز هؤلاء، القيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة والذي يترأس حزب الأمة "سامي الساعدي" والمقيم في العاصمة طرابلس، والذي يتولى أمين عام مجلس البحوث والدراسات في دار الإفتاء التابعة للمؤتمر الوطني العام.
ويعد الساعدي المكنى "أبو المنذر"، المسؤول الشرعي للجماعة الليبية المقاتلة المصنفة بـ"الإرهابية" منذ فترة نظام حكم الزعيم الراحل معمر القذافي، وأبرز القيادات التي قاتلت سنوات التسعينات مع تنظيم القاعدة وطالبان في أفغانستان وباكستان رفقة القيادي الآخر عبد الحكيم بلحاج، قبل أن يتم القبض عليه بعد هروبه إثر الهجوم على طالبان والقاعدة أواخر سنة 2001، وتسليمه إلى الحكومة الليبية.
وبعد 7 سنوات من السجن في ليبيا، أطلق سراح الساعدي بعد المراجعة التي قادتها جماعة الإخوان، ثم غادر نحو بريطانيا، أين حصل على اللجوء السياسي، ليعود إلى ليبيا عام 2011 بعد سقوط نظام القذافي.
وبعد الثورة، تقلد الساعدي منصب نائب مفتي المؤتمر الوطني العام، وعمل منظرا دينيا للجماعات المتطرفة التي كانت تقاتل الجيش الليبي في بنغازي ودرنة، حيث كشفت تسريبات لمكالمات صوتية له، ارتباطه بمقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة، إذ كان له دور بارز في توجيههم في محاور القتال.
بعد انتهاء الحرب الأفغانية والاستغناء عن دور من أُطلقت عليهم تسمية العرب الأفغان وإعلان الحكومة الباكستانية طردهم من أراضيها في منطقة بيشاور حيث كانوا يقيمون معسكراتهم، انقسم المقاتلين بين العائدين إلى بلداهم و من لجؤوا إلى عواصم أوروبية من بينهم الساعدي الذي توجه نحو بريطانيا.
حيث أقام في بيشاور في منطقة " حياة أباد " ثم غادرها إلى بريطانيا مع المدعو عبدالله، ويحوزان جوازي سفر سعوديان، وطلبا اللجوء السياسي ، حيث أشرف اشرفا تاما على كل المطبوعات التي تصدر باسم الجماعة.
يعتبر الساعدي شاهدًا على القتال الأفغاني حيث لعب أدوارا محورية في تجميع منهج "المجاهدين" و هو ما دوّنه في كتاب اسمه "خطوط عريضة في منهج الجماعة المقاتلة في ليبيا". وقام هو و أبو قتادة بإدارة وتنظيم ندوة حول ما يسمى بالمنهج الجهادي والقتال في الجزائر وإقامة القتال في ليبيا، وقام بحملات لجمع التبرعات واستقطاب، وخاصة استقطاب الليبيين المقيمين في بريطانيا، وقام بمراجعة المطبوعات الصادرة عن مجموعته، و كان المسؤول الأول عن الجماعة في بريطانيا.
إثر أحداث فبراير 2011، عاد الساعدي إلى ليبيا حيث كانت للمسؤول الشرعي السابق للجماعة الليبية المقاتلة أدوار رئيسية في عدة ملفات أمنية وعسكرية معقدة خلال سنوات الحرب في بنغازي ودرنة وبعض أحداث المنطقة الغربية.
من ذلك، نُشرت تقارير إعلامية تفيد بأن أن سامي الساعدي ومن خلفه دار الإفتاء الليبية مثّلا مرجعية وغرفة عمليات عسكرية وأمنية وإعلامية في أحداث عدة، وأنهم ومجموعتهم كانوا في حقيقة الأمر قيادات عسكرية عن بعد لأحداث تسببت في مصرع مئات الليبيين من مختلف الأطراف.
في ذات الصدد، ليس خافيا علاقة الساعدي بالدوائر القطرية ودوره في توفير الدعم الطبي واللوجيستي للجماعات الإرهابية في ليبيا، وتنسيق الساعدي مع المسؤولين القطريين وسفره الدائم إلى الدوحة بتأشيرة دخول صادرة عن مؤسسة عيد آل ثاني الخيرية المصنفة على قوائم الإرهاب الصادرة عن الدول الأربع المقاطعة للدوحة، مؤكدة أن المنسق في إجراءات التأشيرة مواطن قطري.