منذ تخرجها من كلية الفنون والإعلام عام 1991م، تحاول البحث عن لمستها الخاصة والتعرف على أنماط مفارقة، والمشاركة محليا ودوليا في معارض وورش عمل كي ترى وتعرف وتواصل التجريب والبحث. هي الفنانة التشكيلية والمصورة الفوتوغرافية سعاد أحمد مؤثثة المشهد التشكيلي الليبي رفقة كوكبة متميزة من التشكيليات الليبيات.
في هذا الحوار سنبحر في مراكب ضوء وعتمة، ونلتقي مع لمسة حبّ وبهجة و"محاولة الإمساك بالزمن الهارب".
* تأملت لوحاتك وأعمالك، هل تمثل مراحل إبداعك؟
نعم هي كذلك، الفنان يتطور بنمو مشاعره ونضجها، والتي تختلف من مرحلة إلى أخرى بتفاصيل متلاحقة. في طفولتي كانت متعتي في اللعب والرسم، وفي أعياد ميلادي تُهدى إليّ علب ألوان وكراسات رسم وقصص عالمية للأطفال، رسمت بواقعية تعبيرية دون أن أعرف ذلك، ولونّت بألوان مائية صاخبة من دون مشاهدة أحد يفعل ذلك أمامي.
بعد تخرجي من كلية الفنون عشقت كثيرا الألوان الزيتية، فرسمت الطبيعة الساكنة والشخوص بأسلوب واقعي، إلاّ أن رتابة اللوحة الواقعية التقليدية لم تعطني أي معنى للفن، لم تتأمل الخراب المحيط بنا ... كنت أبحث عن خلاص يليق بإنسانيتنا ولا زلت ... شخوصي الآن هلامية وفيها قلق، وتتواجد على أسطح وخامات مختلفة.
* في لوحتيك "حبل الغسيل، وبكاء" المفعمتين ألوانا،عبَّرتِ عن بهجة اللقاء من خلال حبل غسيل تموج ألوانه بدلال، ثم وبألوان بهيجة فَرِحة عبرت عن لحظة حزن كبير في لوحة "بكاء "، هل ثمة قصدية في هذا .؟!
سؤالك هذا أضاف قراءة أخرى للوحتين، تداخل التشكيلات اللونية والخيال والفكر مع الحزن في اللوحة هو "مثل الحزن في الموسيقى" (ضَرْبٌ غريب من الحزن يجترح السرور )... وبهجة الألوان هي نفس البهجة التي تشدّني لمنظر الملابس المزدحمة والمتلاحقة على حبال الغسيل، سواء أكانت مشدودة بشكل منتظم أو ملقاةبترهل،وهناك شيء يُقرأ لقميص كان يملؤه جسد وهو يرفرف فارغا على حبل غسيل في مهب الريح .
تكوينات الملابس وتعابيرها موجعة تشبه الناس العاديين في الشارع. إنها تشبه كثيرا واقعنا الحالي تماما ... إنها تشبه طوابير المصارف المصحوب دائما بمنظر النساء المرهقات والجلابيب السود، إنها تشبه طوابير الخبز والحر والرطوبة ،إنها تشبه التوتر، "الزبالة" ضجيج المولدات والأرصفة المتسخة،.. هذه التكوينات الجسدية التعبيرية الفارغة المزدحمة على حبل غسيل بالنسبة لي هي مشاهد درامية.
في لوحة "بكاء" ... تألف الكتل البشرية وتلاحمها أيضا تكوينات جسدية في حزن مثير، أنا زينت الحزن بألوان من الفرح، جعلت من الحزن دعوة للفرجة التي تحقق بهجة لخيال وبصيرة المشاهد، فالخيال كما يرى سارتر "ما هو إلاّ نسخة ثانية من واقع محتمل" لوحتي هذه تموج مابين الخيال والحقيقة ،قد يكون الفرح في الون هو الخيال، وأن الحزن هو الحقيقة ... الملابس المنشورة، والكتل البشرية المتراصة، هي مشاهدات وانفعالات من الشارع تعطي وحدة المعنى وهو(التوحد في الهموم)، في تاريخ الفن التشكيلي اشتهرت لوحات فنية عظيمة عرفها العالم قاطبة تفضح أفعال الطغاة.
* تمزجين بين التشكيل والفوتوغراف ... وفي أعمالك هذه ثمة ضبابية، بياض ومزج بين العتمة والنور،الضوء والظلال .؟
مثلما تحررت من اللوحة التقليدية، تحررت أيضا من الصورة الفوتوغرافية التقليدية،فكانت لي رؤيتي بعد تجارب وأفكار وتخيلات، وكنت أعرض تجاربي هذه في صفحتي علي " الفيس بوك "، في رؤيتي الخاصة بالفوتوغراف تعاملت مع الكاميرا بعين تشكيلية، فالكاميرا بحدّ ذاتها ورشة للتجريب، هي أداة رسم وحائط عرض، وفي صوري محاولة للإمساك بالزمن الهارب قبل همود الحركة " معظم كائناتي الفوتوغرافية واقعة بين الإرتجاج والتلاشي، حيث خيالاتها تلاحقها وكأنها أثر لما فعله الكائن في غبار النور ليختفي ويأخذ شكل العتمة، بل ويتجمد فيها في مقدمة الصورة وكأنها المشهد الأخير لفعل ما ." لقد مزجت الفوتوغراف بالتشكيل لإلتقاط شيء غامض " قوة النور والعتمة ومستويات الظل والضوء ضرورة يحتاجها العمل الفني في تعبيرية المشهد. الضبابية في أعمالي الفوتو غرافية تشبه الغموض في اللوحة التشكيلية " مع ضرورة وجود مفاتيح للغموض في نصوص الإبداع قاطبة، في الشعر والقصة والرواية والتصوير والمسرح والسينما والفن.
* في سيرتك مشاركات محلية ودولية، مهرجان ،معرض ،رش عمل، و" السمبوزيوم الدولي، ماذا أضافت لك هذه المشاركات.؟ وما معنى " ورش عمل "؟!
أولا دعيني أوضح هذه "السمبوزيوم" وهي تعني "ملتقى دولي" أي ملتقيات دولية وأظن أنّه مصطلح فرنسي، كما استنتجت من الضيوف والكلمات التي تمّ إلقاؤها "السمبوزيوم الدولي للفنون البصرية 2016م و2017م (الدورة الثالثة والرابعة) مدينة الحمامات/تونس، ويجمع كل الفنون البصرية إلى جانب الرسم، وهناك "سمبوزيوم جرافيك" وهو مختص بفن الطباعة على أسطح مختلفة، وأيضا فن الأداء مايسمى بـ/ performance/ حيث يتم تجهيز المكان للممثلين ويتم العرض ونحن نتفرج وكلها عروض حية، ومن ضمن أيام الملتقى يطلب من الفنانين المشاركين رسم لوحات وأحيانا جدارية ويقوم المسؤلين بتوفير المكان والأدوات فنقوم بتجهيز العمل خلال يومين أحيانا، نسلم الأعمال ويتم عرضها في معرض متكامل، ورش العمل تجربة رائعة تعلّم الكثير وتشاهدي فنانيين حقيقيين، تراقبي كيف ينجزوا أعمالهم من بداية اعداد اللوحة وأثناء الإندماج ثم تشطيب العمل وتسليمه، ،لجميل يتم نقل الحدث والاحتفاء به في كثير من القنوات ولقاءات صحفية،وفي تونس التغطية الاعلامية تصل لحد الكمال. وثانيا جوابي هو العمل وشاركت في الكثير من المعارض المحلية والدولية، وفي المشاركات الخارجية فضاء لرؤية ثقافات مختلفة، إضافة إلى ذلك أن حضور الفنان هو إعلاء لاسم بلاده. أمّا مشاركاتي والتى محليا بدأت من عام 2001م وتواصلت حتى 2015 طرابلس، بنغازي ومصراته معارض وورش عمل، و دوليا فقد شاركت أيضا ومنذ العام 2001م وحتى 2017م في معارض بالجزائر والرياض وتونس.
تتميز المهرجانات وورش العمل بدعم النمط الإبداعي وتدل على حركية وتطور في الإنتاج وتطوير التذوق ومواكبة الحداثة ،وطبعا الإطلاع على ثقافات مختلفة، وهذا النشاط يتعارض ونوع الأنشطة التي أصبحت منتشرة منذ فترة والتي تأخذ الشكل التجاري وتسعى لتحقيق الربح والشهرة " أحيانا " لفنانيين ليسوا بفنانيين حقيقيين، وإنما يملكون أموالا وعلاقات خاصة للإشتراك في المهرجانات الدولية ،هذا النوع من المهرجانات يساهم في إفساد الذائقة الفنية البصرية ،لأنهم لايقدمون فنا برؤية وحسّ رفيع.
وفي مشاركاتي الخارجية مع فنانات من مختلف دول العالم، كانت تجاربهن التشكيلية متباينة وبعضها مغامرات بصرية وحالات من التجريب، ولعل ما يجمع بيننا كتشكيليات هو الرؤية المشتركة في "أن الفن فعل جمالي في جوهره"، وهو ركيزة مهمة لبناء مجتمع متحضر، وكلّ فنانة تشكيلية تحمل توجهاتها وأفكارها وحرصها على حدوث تطور ووعي لذاتها ولقضاياها المجتمعية والبيئية، مثل بعض القيود التي تعيق المرأة كتشكيلية في مجتمعها، الدعم المادي، اقتناء الأعمال، إلى جانب القضايا الإنسانية الكبرى.
* وخلال كل هذه الرحلة، المشاركات محليا ودوليا، هل ثمة خصوصية للفنانة التشكيلية الليبية .؟
جوابي عن هذا سيكون خلال معرضي القادم، إن شاء الله.