ليبيا البلد التي لم يتوقف فيها القتال منذ سنوات غابت فيها سلطة الدولة،ففي كل يوم معركة جديدة وضحايا جدد في البلد الذي تتصارع فيه العديد من الجماعات المسلحة من أجل فرض النفوذ والسيطرة بتوجهات مختلفة وأهداف متعددة.عدد كبير من الميليشيات المسلحة تقاتل في ليبيا منذ اندلاع الأزمة فيها في العام 2011، لتتحول البلد بالكامل إلى ساحة معركة مفتوحة وحروب أهلية تؤججها تدخلات خارجية، تتصدرها تركيا التي لم تتوقف تحركاتها يوما عن دعم الجماعات المتطرفة في جنوب وغرب ليبيا خلال السنوات الأخيرة، وذلك لتعزيز نفوذ الجماعات المتشددة التي تدعم تيار الإسلام السياسيفيليبيا.
وتعود تقارير تدخل تركيا في الشأن الليبي إلى يناير 2013، عندما أشارت صحيفة "حرييت" التركية إلى أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحة تركية على متن سفينة متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي ديسمبر من ذلك العام، ذكرت الصحافة المصرية أيضًا أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاويات من الأسلحة قادمة من تركيا ويعتقد أنها كانت موجهة للميليشيات الليبية.
في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2013: أعلن خفر السواحل اليونانيون عن ضبط سفينة شحن تحمل على متنها شحنة كبيرة من الأسلحة والذخيرة قرب جزيرة سيمي في بحر ايجة كانت مبحرة، حسب بعض المعلومات الى تركيا، فيما قالت اخرى ان وجهتها سورية او لبنان. وكشفت وسائل الاعلام المحلية أن الحديث يدور عن سفينة "نور-م" التي كانت تبحر تحت علم سيراليون من أحد موانئ اوكرانيا الى ميناء الإسكندريون التركي محملة بالسلاح.
وأفادت وسائل إعلام يونانية ان السفينة اقتيدت إلى جزيرة "سيمي" ومن ثم إلى جزيرة "رودوس" حيث ستخضع لمزيد من التفتيش بعدما أظهر تفتيش أولي ان على متنها شحنة كبيرة من الأسلحة والمتفجرات.ولفتت إلى ان ما عثر عليه على متن السفينة هو ما لا يقل عن 20 ألف رشاش "آيكاي 47".ونقلت وكالة الأنباء اليونانية عن مصادر مطلعة ان السفينة انطلقت من اوكرانيا ووجهتها المعلن عنها هي ميناء إسكندرون في تركيا، لكن معلومات تشير إلى ان السفينة متجهة إلى كل من ميناء طرطوس في سورية، وميناء طرابلس في ليبيا.وأظهرت تحقيقات أولية ان سفينة الشحن هذه سبق واستخدمت في تهريب المخدرات.
في أغسطس 2014: شن سلاح الجو التابع للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، غارة جوية استهدفت سفينة محملة بالسلاح للميليشيات المسلحة التكفيرية التي حولت مدينة درنة الليبية إلى وكر للإرهابيين من مختلف جنسيات العالم.وقال العقيد محمد حجازي الناطق الرسمي باسم عملية "كرامة ليبيا"، إن هذه العملية التي وُصفت بـ"النوعية"، اندرجت في إطار عملية مركبة تم خلالها استهداف 3 أهداف عسكرية تابعة للإرهابيين الذين يُسيطرون على مدينة درنة شرق بنغازي.
ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية،عن حجازي قوله،"إن الهدف الأول هو استهداف باخرة كانت تستعد للرسو في ميناء درنة مُحملة بشحنة من الأسلحة والذخائر الحربية، آتية من تركيا وموجهة إلى الإرهابيين التكفيريين".ولفت إلى أن هذه العملية نُفذت بالاستناد إلى معلومات استخباراتية مؤكدة تفيد بأن الباخرة على متنها العشرات من الإرهابيين المجرمين من تنظيم داعش، وأسلحة وعتاد".وأضاف، أنه تم رصد هذه الباخرة منذ وصولها إلى ميناء مصراتة قادمة من تركيا، وعندما انتقلت من مصراتة إلى درنة تم استهدافها وتدميرها.وتابع أن الجيش الليبي لديه معلومات مؤكدة حول سعي الجماعات التكفيرية إلى "جلب المزيد من الإرهابيين، والسلاح والذخائر الحربية من تركيا إلى ليبيا بتمويل قطري".من جهتها اعترفت الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسيطر على ميناء مدينة درنة باستهداف هذه الباخرة، ولكنها زعمت أنها كانت مُحملة بكمية من الإسمنت، وهو ما نفته مصادر إعلامية محلية.ونقلت المصادر عن شهود عيان قولهم إن الباخرة التي أصيبت إصابة مباشرة، فور دخولها رصيف ميناء درنة، كانت محملة بشحنة أسلحة، حيث تتالت الانفجارات، وسط تطاير شظايا القذائف المدفعية والصاروخية التي كانت على متنها في اتجاهات مختلفة، بحسب الصحيفة.
في نوفمبر 2014: ذكرت وسائل الإعلام التركية أن السلطات اليونانية عثرت على 20 ألف قطعة كلاشينكوف، على متن سفينة متجهة من أوكرانيا إلى ليبيا. وقال الربان التركي إن السفينة كانت متجهة إلى ميناء هطاي جنوبي تركيا، ولكن السلطات الليبية قالت إن بيانات حركة المرور البحرية أشارت إلى أنها كانت متجهة إلى ليبيا.
في ديسمبر 2014: ذكرت مصادر عسكرية ليبية، أنه تمّ ضبط باخرة كورية، في المياه الإقليمية الليبية، محملة بـ 450 حاوية كانت في طريقها إلى ميناء مدينة مصراتة شرقي العاصمة الليبية طرابلس.وأضافت المصادر وفق ما نقلت قناة العربية، أن الباخرة قادمةً من تركيا، تبين على إثر تفتيشها أنها تحمل كميات من السلاح والذخائر، وتمّ اقتيادها إلى ميناء مدينة طبرق، شرق ليبيا.وعلى الرغم من رفض المصادر الكشف عن محتوى الباخرة، فإن ضابطًا في البحرية الليبية، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، أفاد بأن الباخرة كانت تحمل شحنة ذخائر وأسلحة.وأوضح الضابط أن حجز الباخرة جاء بعد التأكد من معلومات عسكرية من مصادر في مدينة مصراتة عن ماهية الباخرة وحمولتها.
في سبتمبر 2015: أعلن خفر السواحل اليوناني عن ضبطه سفينة محملة بكميات من الأسلحة في ميناء هيراكليون اليونانية بعد ما كانت قد أبحرت من ميناء الإسكندرون وقبل وصولها إلى ميناء مصراتة الليبي. وقالت البحرية اليونانية بحسب صحيفة الـ"جارديان" البريطانية إن السفينة التي كانت ترفع العلم البوليفي تحتوي على 5 آلاف سلاح ناري ونصف مليون رصاصة.
ووفقا للسلطات اليونانية فإن الأسلحة والذخائر كانت مخبأة في عمق الحاوية تحت كمية من الحصير والبلاستيك والسجائر، موضحة أن الوثائق الرسمية للسفينة المذكورة تقول إن السفينة تحمل مواد من البلاستيك والدخان.وذكرت السلطات اليونانية أيضًا أن توقيف السفينة جاء من قبل حرس الحدود اليوناني، بالتعاون مع القوات الخاصة اليونانية، وذلك بعد وصول معلومات تفيد بعدم قانونية حمولة هذه السفينة وأنها مشتبه فيها. فيما أكدت مصادر أن شركة الشحن التي تتبع لها السفينة مسجلة في القائمة السوداء للسلطات الأميركية.وعلق المراقبون في اليونان على هذا الحادث، موضحين أن كم الأسلحة ربما يسهم في تسليح جيش أو سد احتياجات جيش بأكمله، مشيرين إلى الكم الهائل من الأسلحة التي تم ضبطها.ونسبت وسائل الإعلام إلى متحدث باسم وزارة الخارجية التركية أن الشحنة التي ضبطتها السلطات اليونانية تحتوي على أسلحة. لكنه قال إن جميع الوثائق الرسمية الخاصة بها موجودة، وإنها متجهة إلى قوة الشرطة السودانية، وقال إن السفينة تحمل أيضا مواد بناء لليبيا.
في 14 يونيو/حزيران 2016: أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2292 الذي يدين تدفقات الأسلحة إلى ليبيا أو منها ويأذن للدول الأعضاء التي تتصرف على الصعيد الوطني أو من خلال المنظمات الإقليمية بإجراء عمليات تفتيش وضبط وتحويل السفن الذي يشتبه في أنها تنقل أسلحة من ليبيا أو منها. قرار رأى فيه المندوب الفرنسي فرانسوا ديلاتر أنه "قد يغير قواعد اللعبة" نظرا للكميات الكبيرة من الأسلحة التي يتم تهريبها قبالة السواحل الليبية، مشيرا إلى أن تلك الأسلحة "لا تهبط من السماء، لكنها تأتي من خلال شحنات غير قانونية من البحر والبر"، مؤكدا في الوقت نفسه أن "هذه الأسلحة تؤجج الصراع ويجب وقف هذه الشحنات إذا كان ثمة أمل في إحلال السلام بليبيا".
فيما كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، أن قرار مجلس الأمن مرده المعلومات الاستخباراتية عن اختفاء ما لا يقل عن 6 سفن ضخمة في المتوسط، كانت تنقل الأسلحة إلى داعش في ليبيا، بعد إبحارها من تركيا. وأوردت الصحيفة الفرنسية أن مجلس الأمن صادق على استعمال القوة المسلحة ضد أي سفينة تحاول التسلل إلى ليبيا لإفراغ حمولتها في موانئها، أو محاولة الإفلات من الحصار البحري الذي بدأت الدول الغربية في ضربه على ليبيا، بعد تأكد المعلومات الاستخباراتية عن السفن الضخمة التي تُبحر بهويات تجارية وبأعلام تركية وليبيرية وبنمية وبوليفية وتنزانية.
في 10 يناير 2018: أعلنت اليونان عن ضبطها لسفينة تركية محملة بالسلاح والتي كانت في طريقها إلى ليبيا. وأشارت البحرية اليونانية إلى أن السفينة "أندروميدا"، التي كانت ترفع العلم التنزاني تم ضبطها واقتيدت إلى ميناء "هيراكليون" في جزيرة كريت. وأعلنت البحرية اليونانية أن السفينة كانت على متنها 29 حاوية بها مواد النيترات والأمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية و11 خزانا فارغا لغاز البترول، بالإضافة إلى قنبلة موقوتة.
وسارعت تركيا عبر سفارتها في طرابلس،للاعتراف بأنّ السفينة تحمل مواد متفجرة، مثل: "حبال التفجير"، و"نترات الأمونيوم / الوقود الحيوي"، و"أسلاك" و"كبسولات كهربائية وغير كهربائية"، و"محلول نترات الأمونيوم"، وأنّها كانت في طريقها إلى أثيوبيا، مؤكدة، في الردّ الأول لها حول الحادثة، أنّ "الشحنة كان مجهزة بشكل نظامي، ووفق الأصول، وبالتصاريح المطلوبة بموجب القوانين التركية، لتصدير هذه المواد إلى إثيوبيا".وأعلنت أنّه سيتم التحقيق في الموضوع بشكل مفصّل. لكن صحيفة "كاثيميريني" اليونانية،كشفت وجود أدلة ثابتة على أن شركة تركية أرسلت المتفجرات، من ميناء ميرسين التركي إلى ليبيا، مع التمويه بتصديرها إلى جيبوتي.وأكدت الصحيفة أنه تم العثور على وثائق وخرائط تُظهر أن وجهة السفينة الحقيقية كانت ليبيا، وليس جيبوتي، كما حاولت تركيا الإيهام بذلك بعد تفجر قضية سفينة الموت.
ودفع ضبط السفينة التركية الأمم المتحدة للتلويح بإجراء تحقيق،وقال غسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا: "ليبيا بحاجة إلى الأمن والسلم لا للصواعق والمتفجرات"، وأضاف سلامة عبر تدوينة له على موقع التدوينات المصغرة "تويتر"، إن ليبيا يكفيها ما فيها، مؤكدا أن القرار الدولي بمنع تصدير السلاح واضح وصريح ولجنة الخبراء ستقوم بعملها بمهنية وتجرد لجلاء حقيقة السفينة "أندروميدا"وغيرها.
في 18 ديسمبر 2018: ضبطت السلطات الليبية سفينة تركية محملة بالأسلحة في ميناء الخمس البحري شرق العاصمة طرابلس بينما بيانات الحمولة كانت تشير إلى مواد بناء.وتَبَيّن من خلال تفتيش حمولة السفينة التركية، التي أفرغتها في الميناء، وجود حاوياتين بحجم 40 قدماً معبأة بأطنان من الأسلحة والذخائر القادمة من تركيا.وأفادت تقارير إعلامية أن الشحنة تضمنت أكثر من مليوني طلقة مسدس تركي من عيار 9 ملم، ونحو 3 آلاف مسدس من عيار 9 ملم و120 مسدس بيريتا و400 بندقية صيد، فيما بلغ إجمالي عدد طلقات المسدسات 2.3 مليون طلقة، ليكون بذلك إجمالي الطلقات على متن الحاويتين 4.8 مليون طلقة.
ودعت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، الأمم المتحدة إلى "فتح تحقيق فوري" حول الشحنة المصادرة.وأكدت في بيان أن "عدد الذخائر في هاتين الشحنتين يكفي لقتل قرابة 80% من الشعب الليبي،إضافة لآلاف المسدسات والبنادق ولوازمها بما فيها تلك القابلة للتحوير بكواتم صوت لتنفيذ الاغتيالات، وهذا ما يدل على استعمالها في عمليات إرهابية داخل الأراضي الليبية".
وفي المقابل،سارعت تركيا لإيفاد وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو إلى العاصمة الليبية طرابلس،حيث أكد خلال لقائه مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج،أن حكومة بلاده ترفض هذه الأفعال والتي لا تمثل سياسة أو نهج الدولة التركية، واتفق الجانبان على فتح تحقيق مشترك عاجل لبحث ملابسات الحادثة وكشف المتورطين.وفي الوقت الذي تعاني فيه ليبيا من انتشار السلاح،تزيد السفن التركية المحملة بمختلف أنواع السلاح،في إغراق البلاد في مستنقع الفوضى والعنف.ويثير تجاهل العالم في كل مرة للأسلحة التي ترسلها تركيا إلى ليبيا استفهامات كثيرة، خاصة وأن البلد مفروض عليه حظر تسليح دولي منذ 2011.ويرى مراقبون أن الصمت الدولي يكرس لمزيد من التدخلات السلبية في الشأن الليبي التي تقوض محاولات الوصول إلى تسوية سياسية شاملة وإنهاء الأزمة الممتدة منذ سنوات.