شهدت دول المغرب العربي خلال الفترة القليلية الماضية تغيرات هامة في المشهد السياسي مع تتالي سقوط جماعة "الاخوان" مع تصاعد وتيرة الرفض الشعبي لتيار الاسلام السياسي بعد سنوات من الفشل في الحكم فيما تزايدت مخاوف تركيا الحليف الرئيسي لجماعة الاخوان من فقدان نفوذها وانهيار أجنداتها في المنطقة المغاربية والعربية عموما.
وقد مثلت نتائج الانتخابات البرلمانية في المغرب دليلا واضحا لانهيار تيار الاسلام السياسي في المنطقة بعد الهزيمة التاريخية التي مني بها حزب العدالة والتنمية الإخواني الذي يقود الحكومة المغربية منذ 2011، فقد حاز الحزب على 12 مقعداً في البرلمان الجديد، بعدما كان الكتلة الأبرز في البرلمان السابق بـ 125 مقعدا.
ويعتبر هذا السقوط ظربة موجعة للنظام التركي حيث يعتبر "إخوان المغرب" أنفسهم فرعًا من فروع نظيرهم التركي،ويصطف الإخوان في الصف التركي، حتى لو على حساب مصلحة الوطن،حيث رفض نواب "العدالة والتنمية" في وقت سابق إعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا؛ خوفًا من خسارة الأخيرة، لا سيما وأن تركيا تعاني أزمات اقتصادية متلاحقة.
يُشار إلى أن المغرب تربطه بتركيا اتفاقية للتبادل الحر منذ 7 أبريل 2004، دخلت حيز التنفيذ عام 2006، وتسبب انخفاض الليرة التركية في إغراق الأسواق المغربية بالمنتجات التركية، فكان لها تأثير على الاقتصاد المغربي، إذ كان الأقل استفادة من هذه الاتفاقية.وتزامن انتعاش الاتفاقية الموقعة منذ العام 2012، في عهد حكومتي ابن كيران والعثماني من حزب العدالة والتنمية، ما يفسر الروابط الوثيقة التي تجمع بين الحزبين الإسلاميين في كل من تركيا وعملهما الدؤوب على خدمة المصالح الاقتصادية للإخوان في المغرب.
وكشف التقرير الاقتصادي والمالي المرفق لمشروع قانون المالية لسنة 2019،عن أن المبادلات بين البلدين شهدت زيادة مرتفعة منذ دخول الاتفاقية حيز التطبيق.وبلغت المبادلات التجارية 27 مليار درهم سنة 2018 مقابل 6.6 مليارات درهم فقط سنة 2006، مشيرا إلى أن تركيا تستفيد بشكل كبير من هذه الاتفاقية، وهو ما يفسر ارتفاع العجز التجاري للمغرب مع هذا البلد بشكل كبير من 4.4 مليارات درهم سنة 2006 إلى 16 مليار درهم سنة 2018
وبلغت الاستثمارات التركية المباشرة نحو المغرب 269 مليون درهم خلال السنة الماضية، مقابل 139 مليون درهم سنة 2017، وتعود هذه الاستثمارات لحوالي 160 شركة تركية تعمل في المغرب بالعديد من القطاعات، منها البناء والتجارة وبالجملة والتقسيط والنسيج.
خسارة تركيا في المغرب تتزامن مع خسارتها في تونس بعد سقوط حليفها الرئيسي هناك حركة النهضة الاخوانية،على اثر القرارات الهامة التي أصدرها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو الماضي،والتي تضمنت تعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإعفاء حكومة هشام المشيشي، وتولي رئيس الجمهورية كامل صلاحيات السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العامة.
ولا شك أن التطورات في تونس تمثل ضربة موجعة لحركة النهضة التي تصدرت المشهد السياسي في تونس منذ 2011،وهي ضربة قد تؤدي الى اخراجهم تماما من الحياة السياسية في البلاد خاصة في ظل ثبوت تورطها في العديد من ملفات الفساد المالي والسياسي،وتصاعد المطالبات بضرورة مقاضاة الحركة وحلها وهو ما أثار مخاوف كبيرة لدى تركيا.
وتتالت بيانات التنديد التركية باجراءات الرئيس التونسي التي قلبت الطاولة على اخوان تونس،حيث أبدت وزارة الخارجية التركية قلقها البالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس، وأعربت عن أملها في إعادة إرساء الشرعية الديمقراطية سريعا في البلاد، فيما قال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن عبر تويتر: "نرفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب في تونس الصديقة والشقيقة"،وفق زعمه.
 ووصف رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب تجميد عمل البرلمان التونسي، بأنه "انقلاب"،فيما حرض ياسين أقطاي،مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان،على بث الفوضى في البلاد قائلا أن "الحديث عن التفاوض أو عقد المؤتمرات، لن يغني عن خروج المواطنين لوقف إتمام عملية الانقلاب الناعم الذي سوف يتحول إلى انقلاب خشن يأكل الأخضر واليابس، بما في ذلك مؤيديه".وفق تعبيره.
وكشف رد الفعل التركي عن انحياز نظام أردوغان الى حليفه في تونس حركة النهضة وهو أمر لا يبدو غريبا أو مفاجئا نظرا لأن النظام التركي يعمل منذ سنوات على دعم حلفائه الاسلاميين في عدة دول بهدف مد أذرعه فيها وكان الرئيس التركي زار تونس في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ساعياً للحصول على دعم الرئيس التونسي لتوجيه القوات التركية والمعدات العسكرية إلى طرابلس عبر تونس، لكن تمّ رفض طلبه في أوائل عام 2020
ويمثل سقوط النهضة ضربة للمخططات التركية في ليبيا التي باتت تمثل نقطة النفوذ الأكبر لأنقرة في المنطقة،حيث ما فتئ زعيم الحركة راشد الغنوشى،منذ توليه رئاسة البرلمان التونسى فى نوفمبر 2019، يحرص على التدخل في الشأن الليبي متجاهلا دور رئيس الجمهورية، وشهدت أروقة  البرلمان التونسي،مساءلات عديدة حول الدور الدبلوماسى المشبوه للغنوشى،والذي تأكد أكثر حينما هنأ رئيس حكومة الوفاق فائز السراج بسيطرة ميليشيات طرابلس ومرتزقة تركيا على قاعدة الوطية الجوية.
وحرص الغنوشي على تحشيد الدعم لاخوان ليبيا والتواصل المستمر معهم والحرص على تجميل التدخلات التركية التي جاءت بدعم من جماعة "الاخوان" حيث فتحت الجماعة الباب أمام النظام التركي لنهب المليارات من أموال الليبيين عبر صفقات السلاح واتفاقيات مشبوهة وتهريب أموال وغيرها فيما يعيش المواطن الليبي منذ سنوات أوضاعا اقتصادية كارثية.
لا شك أن سقوط حكم حركة النهضة فى تونس من شأنه أن يقطع الدعم السياسي الذي كانت توفره لنظرائها في ليبيا،كما سيقطع الدعم اللوجيستي أي إمدادات الأسلحة وربما المرتزقة التى كانت تمر من الجنوب التونسى،كما سيقلص سقوط النهضة النفوذ التركي الذي سعى خلال السنوات الأخيرة الى اتخاذ ليبيا بوابة للتمدد في شمال افريقيا.
وتثير الانتخابات المزمع اجراؤها في ليبيا في ديسمبر القادم مخاوف كبيرة لدى جماعة الاخوان وحليفها التركي حيث يبدو سقوط الجماعة حتميا وهو ما يفسر محاولاتها المتكررة لعرقلة اجراء الانتخابات في وقتها وذلك من خلال الاعتراض على قانون الانتخابات المقدم من مجلس النواب ومحاولة جر القضاء في اتون الصراع السياسي ما يؤثر على العملية السياسية في البلاد.
وبالتزامن مع ذلك يواصل الحليف التركي تحركاته لاجهاض الانتخابات الليبية،حيث رصدت عدة تقارير أمنية تحركات تركية تستهدف دعم المرتزقة ونقل إعداد جديدة منهم إلى الداخل الليبي حيث أكد قبل أيام،المرصد السوري لحقوق الإنسان إن تركيا نقلت نحو 200 مرتزق سوري جديد إلى ليبيا في الوقت الذي تطالب فيه كافة القوى الدولية بضرورة إخراج المرتزقة من البلاد كخطوة هامة لتحقيق خارطة الطريق السياسية وإقرار الحل السياسي.
ولايزال تنظيم الإخوان الليبي يحاول عرقلة الوصول إلى الانتخابات وارباك المشهد السياسي الليبي بالتعاون مع تركيا حليفهم الاستراتيجي ،وسبق ان هدد اخوان ليبيا بالانقلاب على الانتخابات العامة في حال فشل مرشحهم، واشترطت الجماعة أن يكون التصويت على مشروع مسودة الدستور، الدائم للبلاد قبل إجراءات الانتخابات الرئاسية رغم استحالة ذلك إجرائيًا وفنيًا وفق مراقبين.
وتحمل دول المغرب العربي أهمية كبيرة لأهداف تركيا التوسعية في إفريقيا،فبالاضافة لما سبق حول تدخلاته في ليبيا وتونس،سعى النظام التركي للتوجه نحو الجزائر التي وبخلاف موقعها الجغرافي والسياسي الذي يمكن أن يكون بمثابة مركز لوجيستي للتدخل التركي في إفريقيا، تعد الجزائر رابع أكبر اقتصاد في القارة، ولديها احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط.
وفي موريتانيا، سعت تركيا الى التوغل عبر الشركات التجارية ووقعت عشرات الاتفاقيات حققت عبرها ارتفاعا في حجم المبادلات بنسبة 6 مرات خلال 10 سنوات.وبسطت تركيا يدها على موريتانيا، عبر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، حيث تمثل نواكشوط المدخل الرئيسي والبوابة الإستراتيجية في إفريقيا.
ووفق العديد من المراقبين يمثل سقوط جماعة "الاخوان" في المغرب العربي ضربة موجعة للنظام التركي حيث تشكل المنطقة أهمية كبيرة في المخططات التركية،كونها تقع على مفترق طرق إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وجنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، وقد ركزت تركيا على توسيع نفوذها في هذه المنطقة لتحقيق أهدافها الاقتصادية والطاقوية والعسكرية، كأركان أساسية لدور أكبر في القارة السمراء والبحر الأبيض المتوسط.