يتركّز التأثير الاقتصادي والاجتماعي للحركة التجارية الموازية مع ليبيا في قطاعات واسعة من سكان الجنوب التونسي، وتنعكس آثاره فيما يعرف بأسواق ليبيا المنتشرة بكامل المناطق التونسية التي تؤمن معظم حاجات الفئات محدودة الدخل، أو حتى الطبقة الوسطى، لانخفاض قدرتها الشرائيّة بشكل ملحوظ منذ يناير 2011 وحتى قبله.

وصعدت ليبيا من عمليات مواجهة تهريب النفط عبر الحدود، لتواصل غلق الحدود من جهة رأس اجدير مع تونس منذ 11 يوليو/تموز الماضي، الأمر الذي أثار انتقادات في أوساط الجمعيات الحقوقية التونسية التي رأت أن هذا الغلق يضر بشكل كبير بحركة التجارة البينية، التي تعد مصدر الدخل الرئيسي للكثير من التونسيين في المحافظات الجنوبية، لا سيما تطاوين وبن قردان.

ويحظى الوقود في ليبيا بدعم قوي من الدولة، ما يجعل سعره في مستوى أقل من يورو واحد للعشرين لترا، ويعد تهريبه للدول المجاورة مربحا بالنسبة إلى المهربين. وتنفق ليبيا نحو 9 مليارات دولار سنوياً على دعم المحروقات، وفق البيانات الرسمية. وبجانب غلق الحدود، تواصل القوات الليبية قصف شاحنات التهريب قرب المناطق الحدودية، في إطار إجراءات مستمرة منذ عدة أشهر.

وفي ظل التضييق على عمليات التهريب، تشهد محافظات جنوب تونس، المتاخمة للحدود الليبية أزمة وقود، ما أدى إلى ارتفاع الطلب بشكل غير مسبوق على المحطات الرسمية، وتسبب في نفاد الكميات المخزنة خلال الأيام الماضية. وأشارت الصحف التونسية في هذا السياق إلى أن طوابير طويلة من السيارات تقف أمام محطات التزود بالوقود في ولايتي قابس وتطاوين ومناطق أخرى.

ونقلت صحيفة "الشروق" عن توفيق المسعودي، ممثل الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بقابس قوله: "الأزمة حصلت لأن أغلب أصحاب وسائل النقل بشتى استعمالاتها في ربوع الجنوب كانوا يعولون على البنزين المهرب... وكانت أغلب محطات بيع البنزين تشهد ركودا. وهو ما جعلها لا تملك مخزونا احتياطيا كبيرا يستعمل عند حصول مثل هذه الأزمة". ورأى المسعودي أن أزمة البنزين الحالية "تسبب فيها الجانب الليبي بعد أن أحكم سيطرته على بعض المنافذ الحدودية ومنع تسريب البنزين وبيعه بطريقة غير قانونية".

لكن بجانب إيقاف التهريب، تسبب غلق المنافذ الحدودية في توقف حركة التجارة بين البلدين، الأمر الذي أثار انتقاد نشطاء في جمعيات حقوقية تونسية، مطالبين حكومة بلادهم باتخاذ إجراءات للحد من تأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالجنوب التونسي.

وتمثل التجارة البينية بين تونس وليبيا مصدر رزق رئيسياً لآلاف العائلات فى الجنوب التونسي، فضلاً عن العلاقات الاجتماعية القائمة بين المواطنين في الجارتين.

خلت الأسواق في مدن وقرى عدة بالجنوب الشرقي التونسي من روادها، وقلت حركة التجارة منذ قرار سلطات البلاد إغلاق الحدود مع الجارة ليبيا لمدة أسبوعين إثر التفجير الدامي الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي في العاصمة التونسية، ويشتبه في تسلل منفذي التفجير من ليبيا. ففي مدينة بنقردان القريبة من منطقة راس جدير التي تعتبر المعبر الحدودي الرئيسي مع ليبيا، كان التأثير مباشرا، إذ ارتفع سعر لتر البنزين المهرب بشكل كبير، ويقول مواطنون إن سعر عشرين لترا من البنزين (المهرب) انتقل من 20 دينارا إلى 44 دينارا في ظرف وجيز جدا.

ويقول بشير -وهو ناشط في المجتمع المدني ببنقردان- لوكالة فرانس برس إن 40% من المتاجر والمستودعات في سوق المدينة وعلى طريق راس جدير، أغلقت أو أخليت بسبب نقص البضائع. من جانب آخر، يتساءل عبد الفتاح الذي ينشط في تهريب الوقود والأجهزة الكهربائية بين تونس وليبيا "نحن جميعا ضد الإرهاب، ولكن هذا ليس حلا.. ما الذي سنفعله بعد 15 يوما؟".

كما يعتري القلق العديد من التونسيين الذين ما زالوا يعملون في ليبيا، مثل إبراهيم الذي يعبر الحدود حاملا معه حقيبة كبيرة، ويقول إنه عاد مسرعا إلى تونس خوفا من أن يعلق في ليبيا. ويضيف "لقد استأجرت سيارة ولم أتلق راتبي.. كان بإمكانهم إبلاغنا قبل يومين أو ثلاثة على الأقل".

وأكد أنيس التوزني، وهو أحد المحتجين في بن قردان، أنها ليست المرة الأولى التي تغلق فيها السلطات الليبية المعبر، لافتاً إلى أن التجار في معاناة يومية مع جمارك الحدود وغالباً ما تتعرض سلعهم للمصادرة والحجز ومع ذلك لا حلّ أمامهم لضمان قوتهم سوى التبادل التجاري مع ليبيا، وفق تصريحه للوكالة الفرنسية." وأشار أنيس الذي يملك محلاً لبيع الهواتف الجوالة إلى أن إغلاق المعبر يعني الإحالة الآلية للعاملين في التجارة إلى البطالة القسرية، متهما الحكومة التونسية بالتقصير في التعاطي مع هذا الملف.

في السياق ذاته، قال ناصر الجامعي الذي يشتغل في تجارة المفروشات إنه لم يتمكن من التزود بالسلع منذ أكثر من 10أكثر  أيام مؤكداً على أن غلق المعبر فوّت عليه فرصاً مهمة، نظراً لارتفاع الطلب على المفروشات والأغطية بسبب موجة البرد. ولا يخفي ناصر غضبه من الحكومة الحالية والحكومات السابقة، معتبراً أن المسؤولين لا يضعون بن قردان وبقية مدن الجنوب في حساباتهم ومخططاتهم التنموية، بل يهرعون فقط لبيع الوهم والوعود الزائفة للأهالي مع كل أزمة.

ولا يختلف حال بقية التجار في بن قردان عن وضعية ناصر وأنيس، فحالة الغضب بدت عامة بعدما أغلقت المحال أبوابها في انتظار ما ستؤول إليه التطورات في المقبل من الأيام.

وعموماً تعتمد نسبة كبيرة من سكان ولاية مدنين ومجمل الجنوب الشرقي للبلاد على التجارة مع ليبيا، وهو ما يفسّر غياب أشكال أخرى للتنمية على غرار المناطق الصناعية أو غيرها من المشاريع القادرة على فتح آفاق تشغيلية أمام الأهالي.