مثلت الثورات العربية التي اندلعت في 2011 وانطلقت من تونس فرصة لصعود الإخوان وتوسّعهم في المغرب العربي، وركوبهم على مطية الأحداث "باسم الدين" والترويج للإسلام السياسي الذي "خدع" آلاف المواطنين والناخبين الباحثين عن سبيل آخر يكون بعيدا كل البعد عن الدكتاتورية وسنين القمع خاصة في تونس. لكن واخيبة المسعى فلم يكن الدين سوى "علامة" ترويجية للصعود والبروز في المشهد السياسي والعام للبلدان المغاربية لتعيش الأخيرة في ظل حكم الإخوان 10 سنوات من القحط والفساد والتدهور الحاد لكل المؤشرات الحيوية.
عملت الحركات الإخوانية بالمغرب العربي ،حركة مجتمع السلم في الجزائر وحركة النهضة في تونس وحزب العدالة والبناء بالمغرب، المعروف أيضا بنفس الإسم في ليبيا ، والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية في موريتانيا، كل برؤيته الخاصة وخارطة طريق حزبية واجتماعية وحتى شعبية وفقا لمتطلبات الدولة السياسية والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، لتستطيع بذلك التسلل إلى الحكم والسلطات الهامة في البلاد وتشارك في تسيير دواليب الدولة ما سهل"تخريبها".
يقول الكاتب المصري ورئيس تحرير جريدة الشروق المصرية في إحدى مقالاته التحليلية حول واقع الإخوان في البلدان المغاربية، إبان أحداث 25 يوليو/جويلية بتونس،أنه" لو انتهى الصراع بإخراج جماعة الإخوان من المشهد التونسى، أو حتى تقليم أظافرها، فإن ذلك سيعنى وقف المد الإخواني فى المنطقة العربية لسنوات طويلة خصوصا فى المغرب العربى. التجربة التونسية هي التى مثلت الإلهام لصعود الإخوان والإسلام السياسى فى ليبيا المجاورة قبل أن تنهار التجربة بالكامل، ويكتشف الجميع أنهم كانوا مجرد ميليشيات، وهى أيضا التجربة التى ألهمت إخوانهم فى الجزائر فى الحصول على نسبة كبيرة فى آخر انتخابات برلمانية جرت هناك قبل شهور. إضافة بالطبع إلى أن قوى الإسلام السياسى هى الأكثر تأثيرا فى البرلمان المغربى طوال العقد الماضى، وإن كانت التجربة المغربية لها سمات خاصة للغاية، ومختلفة إلى حد كبير عما حدث فى بقية بلدان شمال أفريقيا."
فالترابط القوي الذي يجمع البلدان المغاربية جغرافيا وتاريخيا وحضاريا واقتصاديا وغيرها، يمتدّ تأثيره إلى تفاصيل كثيرة تجمع هذه البلدان وتحدث تفاعلات قوية فيما بينها في مختلف الملفات. كذلك اعتقد الإخوان أن قوة الروابط والتواصل بين البلدان المغاربية سيسهل عليهم بسط نفوذه على رقعة جيوستراتيجية هامة لكن فشلهم الذريع في إدارة دفة الأحداث جعل سفينتهم تغرق مع أول التصدعات التي أصابتها لتبرز مخططاتهم وسياستهم الدغماتولجية لا غير إلى سطح الرفض و"الإنقلاب الشعبي على السنوات العجاف الإخوانية."
لقد مارس الإخوان خدعة "الدين" لاستقطاب الكثيرين من مسانديهم الذين تحولوا لورقة انتخابية قوية لكن سرعان ما بدأ تراجع هذه الشعبية خاصة وأن الحركات الإخوانية بالبلدان المغاربية لم تستطع التنسيق بين غطائها الإيديولوجي الديني وأطماعها السياسية وسعيها نحو السلطة والنفوذ، وهي استراتيجية متناقضة تكشف أزمة الهوية السياسية الإسلامية التي يدّعي الإخوان تبنّيها. فمن حيث لا يشعرون وقع الإخوان المسلمون في هوّة الفساد والتحالفات الفاشلة فلا هم طبقوا برنامجهم السياسي ولاهم تأقلموا مع القوى الأخرى الموجودة في الساحة أساسا، فلم يكن الملعب كما تخيلوه خاليا لبسط هيمنتهم بل وخلقوا بسرعة معارضة شعبية كانت الأقوى والأشد حسما وهو مابرز جليا في الحراك الشعبي بتونس في 25 يوليو/جويلية 2021 وانتخابات المغرب في 8 سبتمبر من العام نفسه.
خلال 10 سنوات كانت القاعدة الشعبية هي القوة الحقيقية للأحزاب الإخوانية ببلدان المغرب العربي فمباشرة عقب ثورات 2011 والانتفاضات الشعبية التي عمت المنطقة العربية عامة والمغاربية خاصة، صعد الإخوان بقوة للحكم وبمقاعد هامة في البرلمانات العربية والمغاربية، وبرزوا كشريك بل وكمسيطر على مقاليد السلطة التشريعية وتغلغلوا في قلب مؤسسات الدولة ما سارع في انفجار الأوضاع العامة وتدهورها حيث تتالت الأزمات السياسية والصراعات الإيديولوجية التي سعى الإخوان إلى إرسائها للتأثير على المجتمع من المنطلق الديني الإسلامي.
فالصراع الإيديولوجي الذي خلقه الإخوان في بداية توليهم السلطة تسبّب في قطيعة مع الآخر وصعوبة في التواصل معه ما تسبب في انقسام المجتمع إلى حدّين أو أكثر، حينها سعى الإخوان إلى تعديل رؤياهم ومحاولة "تصويغ مفاهيمهم الدينية" لمتطلبات المجتمع والآخر فخلقوا تحالفات لم ترضي المجتمع عامة والموالين لهم خاصة فكانوا" كالغراب الذي حاول تقليد مشية الطاووس فنسي مشيته" وهناك بدأت شعبيتهم تتناقص وانفض من حولهم جمع كثير.
خلال عقد كامل من الزمن لم يفشل الإخوان فقط في فرض إيديولوجيتهم بل حتى في الاندماج داخل الدولة ومؤسساتها وأججوا صراعات داخلية منها العلني كما يحصل في البرلمان التونسي ومنها الضمني وهو ما حصل في الحوارات الليبية ذلك إلى جانب خسارتهم في المغرب "بضربة قاضية مفاجئة" وتراجع شعبيتهم في الجزائر. يعتبر الخبراء أن عقدا من الزمن لا يمكن اعتباره مدة طويلة واعتبروها نهاية سريعة لتجربة الإخوان بالمغرب العربي مقارنة بالفترة التي أمضوها وهم يحاولون الظهور والتمرد والتنظم بغية الوصول لمقاليد السلطة أو حتى التمركز في المشهد العام لكل بلد.
يفيد تقرير بحثي لمركز الشرق الأوسط للإستشارات السياسية والإستراتيجية أن " الحركات والتنظيمات التي لديها علاقة بفكر الاخوان المسلمين أو الإسلام السياسي باتت لا تحظى بالشعبية نفسها التي كسبتها في عام 2011 زمن اجتياح الثورات الشعبية في المنطقة المغاربية والتي حازت حينها الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية على أعلى شعبية لها على امتداد نصف القرن الأخير مقارنة بالتيارات السياسية الاخرى وحصدت خلال ذاك الوقت عدد من الأحزاب الإسلامية انتصارات انتخابية ولعبت أدواراً رئيسة في الائتلافات السياسية في العقد الماضي في تونس والجزائر والمغرب وليبيا."
من جهة أخرى شهدت الاقتصادات المغاربية أقوى صدماته الإرتدادية خلال سنوات حكم الإخوان ما فاقم عجز الميزانيات وزيادة المديونية وتراجع الموارد وزيادة الأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطن أمام ارتفاع الأسعار وانتشار الغلاء والإحتكار والمضاربة والفساد لتزداد تركة الأنظمة السابقة أضعافا في عهد"الإخوان المسلمين" ما تسبب في زيادة معدلات البطالة وارتفاع معدلات الفقر التي تضاعفت بسرعة جنونية خاصة مع تفشي الأزمة الوبائية وغياب الرؤية السياسية لمكافحة الجائحتين جائحة كورونا وجائحة الفقر، فأغرق الإخوان زمن حكمهم البلدان المغاربية في أحد أسوأ الفترات التي عايشتها الشعوب المغاربية.
يحبذ الكثير من المحللين وكذلك السياسيين المعارضين تسمية فترة حكم الإخوان بالبلدان المغاربية بـ"العشرية السوداء" لما صاحبها من انتكاسات وأزمات على جميع الأصعدة وما خلق من توتر في المنطقة وانتشار للجماعات المتطرفة ذلك إضافة إلى الصراعات الإيديولوجية التي خلقت شرخا كبيرا في أغلب السياسات المغاربية.