انتقد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية طريقة تعاطي بلده مع الأحداث التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية واتخذ منها وسيلة لمهاجمة منافسته هيلاري كلينتون التي كانت شاهدة على ما حصل في ليبيا عندما كانت وزيرة للخارجية مع إدارة أوباما، ووعد ترامب في حال فوزه بتدخل أكثر ناجع من أجل إيجاد حلٍّ الأزمة.  وتعرّض ترامب في حملته الإنتخابية إلى المسألة الليبية واستغلها ضد منافسته كلينتون حيث وعد في إحدى خطاباته أمام ناخبيه أنه في حال فوزه سيعمل على "التدخل العسكري في ليبيا التي أغرقتها هيلاري كلينتون في المشاكل من أجل القضاء على التنظيمات المتطرفة خاصة داعش".

ضبابية الخيار الأمريكي

وقد ذكّر الهجوم الإرهابي الذي وقع في بريطانيا السنة الماضية، والذي كان منفذه من أصول ليبية تذكيرا فظيعا بأن «الدولة الإسلامية» في ليبيا لا تزال تشكل تهديدا مميتا، ولكن مع هذا فإن إدارة «ترامب» لم تصل بعد إلى سياسة متماسكة للبلاد تجاه ليبيا.

فمن ناحية، قال الرئيس إنه لا يرى أي دور للولايات المتحدة في ليبيا، ومن ناحية أخرى، قال إن على الولايات المتحدة أن تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك، وقد ساعد الفراغ السياسي الناتج عن ذلك، وفقا للمسؤولين الليبيين والقادة العسكريين الأمريكيين ومحللي الاستخبارات، روسيا على نشر نفوذها المتنامي في واحدة من أخطر أجزاء العالم.

وفي ديسمبر/كانون الأول، التقى السيد «ترامب» على انفراد مع رئيس الوزراء الليبي، «فايز السراج»، في واشنطن، وفى مقابلة، قال مسؤولان كبيران من البيت الابيض في تصريحات تلفزية إن الولايات المتحدة تعمل من أجل إيجاد حل دبلوماسي للصراع الأهلي في البلاد، لكن الزعيم الليبى لم يصدر أي تصريح، والواقع أن الإدارة تركت المهمة الصعبة المتمثلة في التوسط في تسوية دبلوماسية تقريبا للأمم المتحدة.

وفي ليبيا، كما هو الحال في أماكن أخرى، يقول مراقبون :"استرشد «ترامب» إلى حد كبير بغرائزه الخاصة وبدائرة صغيرة من المستشارين الذين لا يتمتعون إلا بخبرة قليلة في البلد، وذلك لأنه منذ سنة من توليه منصب الرئيس، لا تزال العديد من مواقع العمل الحرجة في الخارجية شاغرة أو ملأت مؤخرا، ولم يتم تعيين كبار المتخصصين في أفريقيا للإشراف على ليبيا في مجلس الأمن القومي حتى أوائل سبتمبر/أيلول، ولا يوجد حاليا سفير أمريكي".

وقد عرقلت الجهود الرامية إلى التوصل إلى استراتيجية أمريكية شاملة من خلال الاقتتال الداخلي بين كبار المستشارين السياسيين الذين قالوا في صحف محلية إن التدخل في أماكن مثل ليبيا لا يتماشى مع وعد حملة «أمريكا أولا» الذي قدمه «ترامب»، وبين المسؤولين الذين حثوا الرئيس على بذل المزيد من الجهد لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك.

وقد جعل هذا الأمر المسؤولين الليبيين والحلفاء الغربيين وحتى سفارة الولايات المتحدة مسؤولة عن البلاد، حيث أعاد مقاتلو «الدولة» تجميع أنفسهم في ليبيا منذ انتخاب الرئيس. وقد سأل «مارتن كوبلر»، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة في ليبيا، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» قبل وقت قصير من تنحيه في الصيف الماضي: "ما هي سياسة الولايات المتحدة في ليبيا؟".

كرونولوجيا موقف ترامب من الأزمة الليبية

فبراير/شباط 2011

دعم الرئيس «ترامب» في البداية التدخل في ليبيا، وحث إدارة «أوباما» على منع العقيد «معمر القذافي» من تنفيذ مجزرة في بنغازي: "الآن، يجب أن نذهب.. يجب أن نوقف هذا الرجل، وهذا سيكون سهلا جدا وسريعا جدا، يمكننا أن نفعل ذلك جراحيا، ووقفه عن القيام بمجزرة وإنقاذ هذه الأرواح".

يونيو/حزيران 2016

ردا على سؤال من قبل «سي بي إس» عن دعمه السابق للتدخل، قال السيد «ترامب» إنه في حين لم يعارض إسقاط السيد «القذافي»، لم يكن أبدا مع «التدخل القوي»، "يمكنك القيام بالعمل الجراحي.. أنا لم أكن مع ما حدث".

أكتوبر/تشرين الأول 2016

خلال الحملة الانتخابية، استخدم السيد «ترامب» الوضع في ليبيا لانتقاد خصمه «هيلاري كلينتون»، التي كانت وزيرة الخارجية: "انظري إلى ما فعلتيه في ليبيا مع القذافي، هذه فوضى، وبالمناسبة، تمتلك داعش جزءا جيدا من نفطها، أنا متأكد من أنك ربما سمعت ذلك، لقد كانت كارثة؛ لأن الحقيقة هي أن كل شيء فعلتيه تقريبا في السياسة الخارجية كان خطأ، إنها كانت كارثة".

أبريل/نيسان 2016

ولم يقل «ترامب»، منذ توليه مهام منصبه، شيئا عن نهجه تجاه ليبيا، باستثناء هذا البيان المتناقض إلى حد ما: "لا أرى دورا في ليبيا، وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها الآن أدوار كافية، ونحن لنا دور في كل مكان، لذلك أنا أرى دورنا في التخلص من تنظيم الدولة".

الموقف من النفط الليبي

كشف تقرير لصحيفة واشنطن تايمز عن حيثيات الاهتمام الأميركي بالنفط الليبي وسياسة إدارة ترامب تجاه الملف. وقالت الصحيفة إن خسارة إيران ربما تكون مكسبَ ليبيا” فمع احتمال أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات تخفض صادرات طهران بشكل كبير، يزيد من الاهتمام باحتياطيات النفط الليبي، ويشعل كذلك تحركا نحو إصلاح اقتصادي وسياسي في ما وصفتها بأنها واحدة من أكثر دول المنطقة اضطرابا".

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تذكرها أن مسؤولين في إدارة ترامب عملوا في الكواليس عبر الأشهر الماضية للضغط على قادة ميليشيات، ومسؤولين حكوميين، وإداريين في الشركات النفطية للتعاون مع الولايات المتحدة أو مواجهة عواقب وخيمة. وبينت أن مسؤولين في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، رفضوا التعليق حول هذه التفاصيل، مشيرين إلى الحساسيات المتطلبة لتنفيذ لعبة قوى ناجحة في ليبيا.

وجاء حديث الصحيفة في تقرير تحت عنوان إدارة ترامب تضع نظرها على احتياطات ليبيا النفطية في لعبة قوى خلف الكواليس. وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة تدفع لصفقة لوضع مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط تحت تحقيق واسع، بعد تقارير كثيرة تتحدث عن فساد وإساءة استخدام لعائدات النفط من الفصائل والجماعات الإسلامية المتطرفة.

وأضاف أن المحللين في المنطقة رحبوا بفكرة التحقيق، كـ بريق أمل بعد سجل طويل من الفشل، وعدم الثقة في سياسة الولايات المتحدة". ويتضمن التقرير حديثاً لعدد من الخبراء في الشأن الليبي حول قضية النفط، وفكرة مراجعة حسابات المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. حيث تقول عضو الجمعية الأميركية الليبية للأعمال ليديا جابس،فكرة محاسبة البنك المركزي المطروحة، تقدم فرصة لتحسين شفافية وإدارة مؤسسة اقتصادية غاية في الأهمية.

أما كلاوديا غازيني المحللة الخبيرة في شوؤن ليبيا من مجموعة الأزمات الدولية، فأعربت عن تفاؤل حذر، وحذرت كذلك من أسئلة كبيرة تبقى حول من سيطبق المحاسبة، وكيف سيتم التعامل مع ما يكشفه. وتقول كلاوديا الشيطان سيكون في التفاصيل مضيفة لكن صياغة اتفاق حقيقي لتحقيق صادق، لو تمت إدارته بشكل جيد، قد يقود إلى حل عظيم. وبين التقرير أن الاضطراب في ليبيا إضافة إلى الشكوك حول مستقبل أسواق الطاقة الإيرانية بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2015، ساعدت في رفع أسعار المحروقات في الولايات المتحدة لتصل في 4 يوليو إلى أعلى مستوياتها منذ 4 سنوات.