بات كل شيئ واضح حول الغزو التركي في ليبيا، فاحتلال قاعدة عقبة بن نافع "الوطية" كشف، بشكل كبير، حجم انخراط أنقرة في الصراع وذلك من خلال دعمها للمليشيات المسلحة في محاولة لمنع سقوطها في العاصمة الليبية التي تمثل المعقل الأخير للمسلحين الموالين لتركيا وبوابتها لمواصلة نهب ثروات الليبيين، كما كشف عن توجه واضح لحكومة السراج وحلفائها "الاخوان" لتسليم ليبيا لأردوغان.

وأعلنت حكومة الوفاق الليبية، الاثنين، السيطرة على قاعدة الوطية الجوية التي تحظى بأهمية استراتيجية وعسكرية كبيرة، فهي تبعد عن طرابلس نحو 140 كيلومترا، ونحو 30 كيلومترا من الحدود التونسية. والتي تأسست في أربعينيات القرن الماضي على أيدي القوات الأمريكية، على مساحة تقدر بنحو 40 كيلومترا مربعا.

ولكن لم يكن سقوط الوطية مفاجئا خاصة في ظل تركيز قوات الوفاق وحليفها التركي منذ أسابيع على اقتحامها حيث تكرر شن الهجمات على القاعدة.ومع فشلها اتجهت تركيا الى التدخل المباشر حيث تعرضت قاعدة الوطية إلى قصف مكثف من بارجات تركية أطلقت أكثر من 90 صاروخا من داخل المياه الإقليمية التونسية،اضافة الى عشرات الغارات بطائرات حربية ومسيرة انطلقت من قاعدة رمادة التونسية بمحاذاة الحدود الليبية الغربية،وفق ما نقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الضابط في الجيش الليبي خليفة النايلي.

وكشفت تصريحات المسؤولين في حكومة الوفاق عن دور تركيا الكبير في احتلال قاعدة الوطية، حيث ثمن وزير الداخلية بحكومة السراج فتحي باشاغا، خلال لقاء جمعه الثلاثاء بسـفـير تـركـيا لـدي لـيبيـا،ما أسماه جـهود الحـكومة التـركـية الداعمة لـحكومـة الـوفـاق.وفق ما اورد المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية.

أما عميد بلدية تاجوراء حسين بن عطية المقرب من الجماعة السلامية الليبية المقاتلة،فقد وجه التحية للرئيس التركي بعد سقوط قاعدة الوطية.وعبر بن عطية عن امتنانه لأردوغان ، مبيناً بأنه قال لهم بأنهم سيسمعون أخبار ممتازة في إشارة منه لدخول مسلحي الوفاق لقاعدة عقبة بن نافع الجوية تحت غطاء جوي تركي.

ومثل سقوط الوطية دافعا لحكومة الوفاق ومليشيات "الاخوان" المتحالفة معها للترويج لانتصارات وهمية والتأكيد على استعدادهم لحسم المعارك.لكن الأخطر من ذلك كان الحديث عن تحول قاعدة الوطية الى قاعدة عسكرية تركية دائمة في ليبيا وذلك بتواطئ من حكومة السراج وتيار الاسلام السياسي الذي يسعى لتسليم ليبيا لنظام أردوغان.

تواطئ بدا واضحا في تصريحات قيادات اخوانية على غرار نوري بوسهمين،رئيس المؤتمر الوطني الذي بارك لمن أسماهم الثوار بالسيطرة على قاعدة الوطية وطالب بتفعيل الاتفاقية الامنية مع تركيا والاستفادة من قاعدة الوطية من خلال تفعيلها بالخبرات التركية مؤكدا انه لا يوجد أي مانع في تنشئة القاعدة عسكريا مع تركيا للدفاع عن ليبيا وحماية أمنها حسب زعمه.

الدعوات الإخوانية بتسليم القاعدة لتركيا جاءت أيضا من خارج ليبيا، حيث الاخواني السوري الموالي لتركيا أحمد عبد الكريم نجيب، إلى إقامة قاعدة عسكرية تركية في ليبيا.وقال نجيب، في تغريدة الاثنين على موقع "تويتر":"أرى أن الفرصةَ سانحة اليوم لإقامة قاعدة عسكرية ليبية تركية متقدمة في الوطية، تعيد أمجاد عقبة بن نافع وصحبه الأوائل الذين فتحوا ربوع إفريقيَّة العريقة (ليبيا وتونس اليوم) بالسيف والقَنا والعلم والعمل" على حد ادعائه.

ويرجح أن تفتح حكومة الوفاق الطريق أمام تركيا لتحويل الوطية لقاعدة عسكرية تركية دائمة في ليبيا، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي في منطقة شمال إفريقيا وقربها من البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.وقال آمر المنطقة العسكرية الغربية بالجيش الوطني الليبي، اللواء إدريس مادي،في تصريحات صحفية إن تركيا تسعى لتكون  الوطية أكبر قاعدة عسكرية للجيش التركي خارج أراضيها.

وتعد هذه القاعدة من أهم القواعد الجوية الليبية وأكبرها، إذ تبلغ مساحتها نحو 50 كلم مربع، وتضمّ بنية عسكرية ضخمة شديدة التحصين، أقامتها الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، وتتسم بموقع استراتيجي هام بقربها من الحدود التونسية والجزائرية وكذلك من البحر المتوسط، وتتيح تنفيذ عمليات قتالية جوية ليس بنطاق العاصمة طرابلس فقط وإنما بكامل المنطقة الغربية وحتى وسط ليبيا.

ويشير مراقبون الى أن تركيا تسعى لاستغلال قاعدة الوطية خدمة لمشروعها الساعي للتنقيب عن الغاز في المتوسط.وكانت تركيا وقعت اتفاقا مثيرا للجدل نهاية شهر نوفمبر الماضي مع حكومة الوفاق لترسيم الحدود البحرية، يسمح لأنقرة بالاستحواذ على مناطق بحرية والاستفادة من موارد الطاقة، ومنذ ذلك الحين عملت على مساعدة حكومة الوفاق على البقاء في الحكم وتثبيت وجودها، من خلال دعمها عسكريا بمختلف أنواع الأسلحة وبالمقاتلين الأجانب، وسياسيا ودبلوماسيا.

ومؤخرا اجرى أردوغان اتصالا هاتفيا مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، دعاه فيه إلى زيارة تركيا لبحث الخطوات التنفيذية لمذكرتي التفاهم حول التعاون الأمني والعسكري الموقعة بينهما في شهر نوفمبر الماضي، وبالتزامن مع إعلان تركيا نيتها بدء عمليات التنقيب على الغاز قبالة السواحل الليبية، بعد الحصول على الضوء الأخضر من حكومة الوفاق.

والخميس الماضي، قامت شركة البترول التركية "تباو"،بتقديم طلب إلى حكومة السراج للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية، .ونقلت الوكالة عن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز قوله، إن أعمال الاستكشاف ستبدأ "فور الانتهاء من العملية.

وفي تغريدة لمسؤول الشؤون الخارجية لحزب العدالة والتنمية سابقًا ومستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ياسين أقطاي،كشف أطماع بلاده في ليبيا وأحلام أردوغان التي تراوده بعودة الدولة العثمانية من جديد، بالتواطؤ مع حكومة الوفاق الخاضعة لجماعة الإخوان المسلمين، حيث ربط أقطاي حادثة العدوان على قاعدة الوطية وانسحاب القوات المسلحة منها، بمناسبة ذكرى بدء حرب الاستقلال التركية بقيادة مصطفى كمال باشا أتاتورك، في 19 مايو 1919، في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

يقول أقطاي، في تغريدة بشأن العدوان على قاعدة الوطية، يوم الإثنين،"18مايو في ذكرى مقاومة الاحتلال في الأناضول، الخطوة العظيمة، النصر الكبير، تم انتزاع قاعدة الوطية على طريق تحرير ليبيا من الاحتلال". وأضاف، "دمّر نظام الدفاع الروسي من قبل الطائرات التركية المسيرة".ويكشف هذا التباهي حقيقة أسباب العدوان التركي على ليبيا.

وسبق أن أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،نواياه الخبيثة التي يستهدف بها عدة دول عربية وكشف بوضوح مخططاته وأطماعه فى سوريا وليبيا حين قال فى خطاب له في أكتوبر الماضي أمام منتدى "تى أر تى وورلد" والذى عقد فى إسطنبول:"الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل".. ثم أردف قائلا:"الأتراك اليوم يتواجدون فى جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد، فهم من نسل يونس أمره" فى إشارة إلى القاضى العثمانى الشهير.


ويعول أردوغان عل جماعة الاخوان للسيطرة على ليبيا ومد أذرعه في المنطقة خاصة في ظل وجود الجماعة في السلطة في تونس من خلال ذراعها حركة النهضة التي سارع رئيسها راشد الغنوشي والذي هو رئيس البرلمان للتعبير عن فرحته باحتلال تركيا لقاعدة الوطية وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج.

وتأتي تهنئة الغنوشي، الذي يرأس حركة النهضة الإسلامية الجناح السياسي لتنظيم الإخوان في تونس، تناغما مع الموقف التركي في ليبيا، وشقا لصف الدبلوماسية التونسية، حيث تزامن اتصال الغنوشي مع تأكيد مندوب تونس لدى مجلس الأمن: تونس لا تؤمن بالحل العسكري في ليبيا ، ولابد من التوصل لحلول سياسية،وهو الأمر الذي تؤكده الرئاسة التونسية في كل مرة أنها على الحياد ومع الحل السياسي.

وليس غريبا هذا الولاء من جماعة "الاخوان" لتركيا التي تحتضن أهم قيادات الصف الأول للجماعة الذين كانت لهم أدوار كبيرة في قيادة الحرب على ليبيا منذ العام 2011 وجلب الدمار على يد الناتو، على غرار علي الصلابي، إلى جانب عناصر من مجلس شورى بنغازي المصنف تنظيما إرهابيا،وقيادات تنظيم القاعدة عبدالحكيم بلحاج وخالد الشريف الذراع التخريبي القادم لأردوغان في ليبيا والمنطقة.

وتعول تركيا على حكومة الوفاق وجماعة "الاخوان" لفتح الباب أمام العناصر الارهابية إلى الأراضي الليبية لتوسيع رقعة الفوضى ومنع استقرار البلاد.وبات واضحا تحالف "الاخوان" مع العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" التي تستقدمها تركيا الى جانب المرتزقة الموالين لها والذي يتقدمون الصفوف الأمامية للمليشيات،وظهرت العديد من العناصر المعروفة بانتماءاتها الارهابية خلال المعارك الدائرة خلال الاشهر الماضية.

ويبدو واضحا أن جماعة "الإخوان" وحليفتهم تركيا سيفعلون كل شيء؛ من أجل السيطرة على ليبيا ونهب ثرواتها وتحويلها الى الباب العالي.وتمثل حكومة السراج الغطاء الشرعي الذي يستخدمه أردوغان وعملائه لاخفاء جرائمهم وتمرير مخططاتهم أمام المجتمع الدولي،لكن الشعب الليبي بحسب مراقبين بات يعرف هذه المخططات والنوايا الخبيثة وسيقف دائما في وجه محاولات غزو أرضه ونهب ثرواته أسوة بجهاد أجداده في السابق.