انتشر الفيديو الغريب على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تداوله بكثافة ما أشعل الشارع التونسي عامة وأهم الأحياء الشعبية بالعاصمة تونس حي سيدي حسين السيجومي، الذي يعيش على وقع حادثة سابقة ليست أقل بشاعة من المتداولة.
أعوان الأمن التونسي يسحبون شابا"قاصرا" عار ومجرّد من كل ثيابه ويسحلونه ويعذبونه في مقطع الفيديو الذي تم تداوله بكثافة محليا وعربيا ودوليا، وقد ظهر الشاب وهو ملقى على الأرض يتعرض للضرب والدهس بالأرجل بعد تجريده بالكامل من كل ثيابه ثم جرّه واقتياده عاريا إلى سيارة الأمن أمام المارة، الذين ارتفعت أصواتهم المنددة بالإعتداء عليه والمطالبة بالكف عن ضربه.
هذا المشهد الفضيع " المسيء للبلاد"، تسبب في ثورة غضب عارمة اجتاحت الشارع التونسي والرأي العام وهزت الحي الذي تأججت به احتجاجات واشتباكات بين الأمن وشباب الحي حتى ساعات متأخرة من فجر اليوم الجمعة.
وتبدأ أُسس الواقعة من حادثة أخرى سابقة لا تقل عنها بشاعة وعنف حيث توفي شاب من الحي تم القبض عليه من طرف عناصر الأمن بالمنطقة في ظروف" مسترابة". وحسب بيان للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان شرح تفاصيل الحادثة فإن" عائلة الفقيد وشهود عيان أكدوا جميعا أن المتوفي تعرض إلى مطاردة أمنية وهو على دراجة نارية صحبة خطيبته وتم إيقافة قرابة الساعة السابعة مساء،بتوقيت تونس، والإعتداء عليه بالعنف الشديد ومعاملته معاملة قاسية ومهينة وحاولوا إجباره على ركوب السيارة الأمنية صحبة خطيبته ولما ساءت حالته وأصيب بنوبة صرع تخلوا عنه للتنصل من المسؤولية وتركوه ملقى في الشارع مما اضطر أحد المارة إلى حمله على متن سيارته إلى أقرب مستوصف، ثم إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه قبل بلوغه".
كما أكدت عائلة الشاب "أنهم عاينوا الجثة قبل دفنها وكانت تحمل آثار عنف على الرأس وخلف الأذن وبإحدى اليدين." و أدانت الرابطة على خلفية ذلك العنف الذي ما ينفك يمارسه أعوان الأمن على المواطنين والإستعمال المفرط للغازات واستهدافه المواطنين دون استثناء.
لتندلع على إثرها احتجاجات شبابية بالمنطقة ما جعل أعوان الأمن يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع وأعيرة نارية في الهواء لإبعاد اعداد كبيرة من الشبان الذين يحاولون اقتحام مركز الأمن الوطني بالعطار بسيدي حسين السيجومي، حسب وسائل الإعلام المحلية. وقد تجددت المواجهات بين الطرفين الأمني والمحتجين في كر وفر حتى ظهر فيديو" تعرية الشاب وتعذيبه وجره" ليثير من جديدة احتجاجات ومواجهات أكثر عنف.
وفي أول تصريح خاص للشاب الذي تم الإعتداء عليه بعد إطلاق صراحه قال لآخر خبر أونلاين،"أنه يبلغ من العمر 15 سنة وأنه كان عائدا إلى منزله ولا دخل له في الأحداث ولا علم له بكل ما يحدث. و أكد الضحية أنه لم يكن في حالة سكر ولا تحت تأثير مخدر، مثلما جاء في بلاغ وزارة الداخلية، وأكد أن أعوان أمن اقتربوا منه واعتدوا عليه بالعنف الشديد وجرّدوه من ملابسه نافيا بذلك ما نسب إليه من تعرية نفسه، ثم نقلوه إلى سيارة الأمن أين طلبوا منه ارتداء ما تبقى من ثيابه الممزقة. و أضاف الضحية"القاصر" أن الاعتداء عليه تواصل داخل مركز الأمن "واتهموني باحداث الشغب والفوضى''.
من جانب آخر أكد عميد المحامين ابراهيم بودربالة أنه تحول اليوم الى منزل الطفل القاصر مفيدا أنه عاين شخصيا الطفل وهو ليس من ذوي السوابق ومازال طفلا قاصرا. وأكد عميد المحامين في تصريح إعلامي بأن البلاغ الأول لوزارة الداخلية بني على تصريحات خاطئة.
و بعد تصريح أول مثير للجدل نددت به المنظمات الوطنية والدولية وبعض الشخصيات واعتبرت في بيان مشترك ان "تصريحات الناطق الرسمي باسم الادارة العامة للأمن الوطني، و الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية في علاقة بالجريمتين قد تجاوزت طابعها التضليلي والكاذب والمستفز إلى جريمة التستر على جرائم كاملة مما يدعو إلى مسائلتهما ومراجعة السياسة الاتصالية لوزارة الداخلية في اتجاه الشفافية والوضوح".
وإعتبرت المنظمات حقوقية والمهنية في بيان مشترك لها، اليوم الجمعة، أن "ما وقع في الجيارة وسيدي حسين السيجومي بالعاصمة تونس ليس أحداثا فردية أو معزولة بل هي مواصلة لممارسات سادت طيلة سنوات ما بعد الثورة وعرفت شيوعا ملحوظا في السنتين الأخيرتين فضحها التعاطي الأمني مع التحركات الاجتماعية خلال شهري ديسمبر 2020 وجانفي 2021 التي تمت التغطية عليها من اعلى هرم السلطة رغم تقارير وتوصيات المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية."
لتردّ الداخلية التونسية ببلاغ رسمي أدانت فيه، ما أظهره مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التّواصل الاجتماعي يتضمّن تعرّض مواطن للاعتداء من قبل أعوان أمن، مؤكّدة أنّها تتعارض مع توجّهاتها العامّة الرّامية إلى التّمسّك بمبادئ الأمن الجمهوري الهادف إلى إحداث التّوازن بين الحفاظ على الأمن العامّ ومبادئ حقوق الإنسان.
وأعلنت أنّ الإجراءات المتعلّقة بالتّحقيق المباشر في الغرض من طرف التّفقديّة العامّة للأمن الوطني جارية، حيث تمّ ايقاف الأعوان المسؤولين عن هذه التجّاوزات عن العمل. وأكّدت وزارة الدّاخليّة أنّ مصالحها ستواصل العمل على الارتقاء بأداء منظوريها من خلال دعم الجانب التّكويني بما يمكّن الأعوان والاطارات من القيام بمهامّهم على الوجه الأكمل استجابة لمفهوم الأمن الجمهوري حتّى يكون في خدمة المواطن، حسب نص البلاغ.
و في تصريح خاص لبوابة إفريقيا الإخبارية كشفت السيدة أميمة جبنوني عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حيثيات الحادثتين ومواقف المنظمات الوطنية على غرار الرابطة من ذلك كما كشفت تفاصيل حوادث أخرى في نفس المنطقة على علاقة "بالإعتداءات الأمنية على المواطنين " داعية السلطات إلى التحرك العاجل لردع هذه الممارسات، وتجاوز المماطلة في الملفات والشكايات وتجاهلها في أحيان كثيرة.
وأفادت السيدة جبنوني أن هذه الحوادث كانت جراء ردة فعل عنيفة لأعوان الأمن على خلفية مظاهرات سلمية بالحي الشعبي سيدي حسين السيجومي على الزيادات الأخيرة وتردي الأوضاع المعيشية للمواطن التونسي. وأضافت أن الرابطة تنقلت على عين المكان لزيارة الطفل القاصر المعتدى عليه واستمعت لشهادته وتأكدت من تعرضه للظلم والعنف و"المشهد البشع" للإعتداء" الفاحش" عليه.
من جهة أخرى عبر الرئيس التونسي قيس سعيد عن استيائه العميق واستنكاره الشديد لما يحصل هذه الأيام في تونس، مشدّدا على أن لا أحد فوق القانون وبأنه لا مجال لأي معاملة تقوم على التمييز بناء على الثروة أو التحالفات السياسيّة، خلال استقباله لرئيس الحكومة هشام المشيشي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان.
ودعا رئيس الجمهورية التونسية وزيرة العدل بالنيابة إلى أن تقوم بدورها الذي أوكله لها القانون في إثارة الدعاوي العمومية، وشدّد على ضرورة توجيه مطالب رفع الحصانة إلى المجلس النيابي ليتحمّل كل واحد مسؤوليته لأن الحصانة وفّرها القانون لضمان الاستقلال في القيام بالوظيفة التي يقوم بها وليس للتحصّن بها خارج هذا الإطار. وعبّر سعيّد، أيضا، عن بالغ استياءه ممّا يحصل من تجاوزات تهدّد وحدة الدولة، مذكّرا بأن الدولة التونسية واحدة وبأنّ الدستور منحه واجب الحفاظ عليها، وبأنه لا مجال لاستغلال أي منصب لتحويله إلى مركز قوّة أو ضغط لضرب وحدتها.
كما توجّه الرئيس التونسي مساء اليوم الجمعة، إلى منطقة سيدي حسين بتونس العاصمة، لزيارة عائلة الشاب الذي توفي الأيام الماضية في ظروف مسترابة وزيارة الطفل القاصر البالغ من العمر 15 سنة والذي تم تجريده من ملابسه وسحله في الشارع من طرف عدد من الأمنيين فيما تتواصل الإحتجاجات والتنديدات المناهضة لهذه الممارسات خاصة أن الشعب التونسي يعيش تحت وطأة أزمات كثيرة تضيق الخناق حوله يوما بعد يوم منذ سنوات.