فقد المتشدد الجزائري مختار بلمختار احدى عينيه في أفغانستان وأفادت انباء في وقت سابق بأنه قتل في معارك في مالي والان تقول ليبيا انه قتل في ضربة جوية أمريكية مطلع الأسبوع، بحسب رويترز.

ولكن هل الجهادي الجزائري الذي يوصف بانه "لا يمكن الامساك به" لتفاديه الاعتقال لعقود طويله قد قتل حقا؟.

لم يؤكد المسؤولون الأمريكيون حتى الان الانباء التي أفادت بمقتل بلمختار في شرق ليبيا واكتفوا بالقول يوم الاثنين بأن الغارة التي نفذتها مقاتلة من طراز اف-15 كانت ناجحة على الأرجح لكنهم لم يؤكدوا مقتله.

والشكوك لها ما يبررها فقد أعلن عن موته أكثر من مرة ثم ما يلبث أن يظهر على مواقع جهادية ليعلن المسؤولية عن هجمات جديدة.

أما الشيء الذي لا غبار عليه هو أن الغارة أكدت على انزلاق ليبيا على نحو أكبر في هوة الفوضى المسلحة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

وتخشى الدول الغربية من أن توفر تلك الفوضى ملاذا آمنا للجهاديين عبر أوروبا من البحر المتوسط.

ومع وجود حكومتين متنافستين في ليبيا وفصائلهما المسلحة التي تتقاتل من أجل السيطرة على البلاد استغل تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات جهادية اخرى مثل جماعة بلمختار حالة الفوضى للسعي لاتخاذ ملاذ لها في البلاد وللتدريب ولتوسيع نفوذها هناك.

 وقال مسؤولون عسكريون ليبيون يوم أمس الاثنين إن ما يصل إلى 17 من مسلحي تنظيم القاعدة قتلوا في الضربة الجوية التي جاءت بينما كانوا يجتمعون قرب بنغازي لكنها لم تحدد ايا منهم بالاسم.

وصرح مصدر عسكري ليبي لوكالة الانباء الرسمية (لانا) "الضربة التي نفذتها القوات الأمريكية كانت على مزرعة في الحي الصناعي بينما كان بلمختار يعقد اجتماعا مع قادة متشددين اخرين."

لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) كانت اكثر تحفظا. وقال متحدث باسم الوزارة "التقييمات الأولية هي أنها كانت ناجحة. ولكن لم نستكمل تأكيداتنا بعد."

مضيفا أن الولايات المتحدة تشاورت مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا قبل الضربة الجوية. وحتى قبل أن تبدأ ليبيا في الانهيار كدولة كانت صحراؤها الجنوبية الطويلة التي يصعب السيطرة عليها بمثابة قاعدة لمقاتلي بلمختار عندما خططوا لهجوم عبر الحدود إلى الجزائر والذي استهدف حقل غاز إن اميناس عام 2013. وقتل في الهجوم 40 من العاملين في مجال النفط معظمهم اجانب.

وتتناسب التساؤلات المتعلقة بمصير بلمختار مع رجل ولد في صحراء الجزائر وشب وسط صفوف الجهاديين خلال الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر في التسعينات وتمكن من البقاء على قيد الحياة وهو ملاحق ليصبح واحدا من أشهر الرجال في دوائر المتشددين في الصحراء الكبرى.

وكان بلمختار عضوا بتنظيم القاعدة في شمال افريقيا لكنه انشق ليكون جماعة متشددة خاصة به تسمى "الموقعون بالدماء".

وشارك بلمختار في خطف عدة اجانب وفي صراع الانفصاليين في مالي كما أدار عمليات تهريب عبر الصحراء.

وقال كريس شيفيز وهو مدير مساعد في المركز الدولي للسياسات الامنية والدفاعية ومؤلف كتاب "الحرب الفرنسية على القاعدة في افريقيا" إن "بلمختار هو واحد من أقدم الجهاديين بالمنطقة واكثرهم نفوذا حيث يمارس نشاطه منذ اكثر من عشر سنوات."

وقال شيفيز عن الرجل الذي وصفته أجهزة المخابرات الفرنسية بانه "لا يمكن الامساك به" ان "روابطه الشخصية بقبائل المنطقة وخبرته ونفوذه عوامل مهمة للغاية لتماسك ونجاح جماعته الحالية."

وسلك بلمختار طريقا صعبا إلى الجهاد حيث هجر بلده ليقاتل في أفغانستان عندما كان في التاسعة عشر من عمره حسبما افادت مقابلات على مواقع للمتشددين وعاد إلى الجزائر في أوج تمرد للمتشددين الاسلاميين.

وكانت هذه البداية لعقدين من التشدد أولا كعضو بالجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر خلال الحرب الأهلية في التسعينات ثم كشريك في تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال.

وانضوت جماعته في وقت لاحق تحت لواء جناح القاعدة في شمال افريقيا المعروف باسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي. وقاد بلمختار احدى كتيبتين في تنظيم القاعدة على الحدود مع مالي. لكنه انشق في نهاية المطاف مع الزعيم الجزائري لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي واسس جماعته الخاصة به.

 لكن الخبراء يقولون إنه كان أشبه برجال العصابات منه إلى أصحاب العقيدة اذ شارك في تهريب الأسلحة وعمليات تهريب اخرى.

ويقول خبراء أمنيون أنه إذا تأكدت وفاته فسوف تؤثر على فعالية جماعته على المدى القصير بسبب روابطه الشخصية في المنطقة رغم ان جماعته سيكون لديها عناصر اخرى مؤهلة جيدا لإعادة بناء نفوذها.

وقال جيوف بورتر الخبير في شؤون شمال افريقيا في مركز مكافحة الارهاب في ويست بوينت "في كثير من الاحيان عندما تقطع رأس الافعى تحل محلها واحدة اخرى أشد فتكا."

وأضاف "بالتأكيد هذا الاحتمال قائم هنا ولا يوجد نقص في الجهاديين الطامحين الذين يتوقون على الارجح لارتداء عباءة بلمختار."

لكن خسارة شخصية محورية مثل بلمختار قد تثير ايضا المزيد من التنافس بين العصابات الاجرامية خاصة على الثروة المستمدة من تهريب الأسلحة والمهاجرين.

وقد يؤدي هذا إلى تشاحن وربما يدفع البعض إلى اللجوء لجماعات منافسة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وقال شيفيز من المركز الدولي للسياسات الأمنية والدفاعية "اذا كان بلمختار قد مات بالفعل فإن جماعتيه التي تمارس نشاطها من مالي عبر ليبيا ستكون أقل فعالية واقل خطرا."

وتابع "لكن هذا لا يعني زوالها. بل على النقيض فإن منها ما قد يبدي الان رغبته في الانضمام إلى صوف داعش (تنظيم الدولة الاسلامية."