تشهد ليبيا فوضى أمنية طاحنة، حيث تنتشر ميلشيات مسلحة تستهدف السيطرة على مناطق نفوذ فى البلاد، مستغلة في ذلك تواصل حالة الإنقسام السياسي بين الفرقاء وعجزهم عن إرساء سلطة موحدة قادرة على بسط نفوذها وإنهاء الفلتان الذي يمتد من مدينة إلى أخرى.

ومجددا تعود مدينة صبراتة التي كانت تعتبر أبرز نقطة انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، إلى واجهة الأحداث مع محاولات عصابات التهريب فرض النفوذ في المدينة والاستفادة من الموارد المالية الضخمة المتأتية من التهريب. حيث شهدت المدينة هجوما جديدا لميليشيا مسلحة كان قد تم طردها من المدينة الساحلية قبل عام، قبل أن تسيطر القوات الحكومية على الوضع بالكامل، حسب مصادر أمنية ورسمية.


** إشتباكات

وأعلنت الغرفة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليًا، حظر التجوال بمدينة صبراتة بداية من اليوم الأحد 04 نوفمبر 2018 لحين استتباب الأمن.وأضافت الغرفة في بيان عبر صفحتها على موقع فايسبوك، بأن حظر التجوال سيبدأ اعتبارًا من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة السادسة صباحًا.

واندلعت الإشتباكات المسلحة في المدينة الساحلية،بين قوات الأمن التابعة لحكومة الوفاق، وميليشيات مسلحة طُردت قبل عام من المدينة، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. وقالت الغرفة الأمنية صبراتة، إنه تمت استعادة السيطرة على الأوضاع فيها، بعد التصدي لمحاولة من وصفتها بـ"مجموعة من الخلايا النائمة التابعة لمجموعات هاربة تعمل على زعزعة الأمن داخل المدينة". وأوضحت الغرفة، في بيان مقتضب، أن "قوات الجيش وكتيبة السلف والقوات المساندة تصدت للمهاجمين"، مشيرة إلى أنه "تم القبض على هذه المجموعة وإيداع عناصرها بالسجن.

وأعلنت كتيبة الوادي في صبراتة مصرع 3 من الميليشيات المسلحة وإصابة 5 آخرين في الهجوم الذي تعرضت له المدينة أمس، مشيرة إلى أن اتصالات تجري للتهدئة وإخراج الجثث. كما تحدثت الكتيبة عن غُنمها أسلحة من المهاجمين، ونشرت عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صورا تظهر استعادة السيطرة على المدينة.

وكان اللواء عمر عبد الجليل آمر غرفة عمليات "داعش" في صبراتة نفى وقوع ضحايا جراء هذه الاشتباكات التي شهدها جنوبي المدينة، وأكد أنه تمت السيطرة على الأوضاع داخل المدينة بعد محاولة مسلحين التقدم. واضطرت المدارس لإخلاء الطلاب، بينما أعلن مستشفى المدينة التعليمي رفع حالة التأهب على خلفية الأوضاع الأمنية التي تمر بها المدينة.

بدورها، قالت مديرية أمن صبراتة إن الحياة بدأت في العودة لطبيعتها في المدينة، ونشرت صورا لانتشار أمني مكثف في ضواحيها خاصة من البوابة الشرقية.فيما طالب مكتب الإعلام والتوثيق بإدارة الخدمات الصحية في صبراتة، جميع الكوادر الطبية والطبية المساعدة بالالتحاق بالمراكز الصحية، نظرًا للأوضاع المتردية في المدينة وتحسبًا لأي طارئ.


** ردود فعل

وأدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الهجوم على المدينة، محذرة من أي تصعيد محتمل.وقالت البعثة في بيان نشرته بصفحتها في "تويتر"، إن "الهجوم على المنشآت المدنية وتعريض المدنيين للخطر وفي هذه الحالة الأطفال جميعها أعمال يجرمها القانون الإنساني الدولي. كما أن العناصر في قائمة العقوبات تخضع للرقابة الشديدة.

من جانبها، أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن إدانتها واستنكارها الشديدين حيال العمل العدائي والتصعيد المسلح بمدينة صبراتة الذي أقدم عليه مسلحين تابعين لأحمد الدباشي الملقب   "العمو" المدرج على قوائم العقوبات الدولية بمجلس الأمن الدولي.

وأدانت اللجنة في بيان لها، التصعيد المسلح، وحمّلت كامل المسؤولية القانونية للجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، في زعزعة الأمن والاستقرار وترويع المدنيين وتعريض حياتهم للخطر..

وأشارت اللجنة إلى أن استهداف المرافق والأحياء السكنية المدنية والمدنيين والهجمات العشوائية ضد المدنيين محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي ويمكن أن تشكل جرائم حرب.وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، مكتب النائب العام بضرورة الإسراع عبر وسائل الضبط واحضار المطلوب أحمد الدباشي لتقديمه للعدالة.


** العمو 

وتعد مدينة صبراتة الساحلية من أكبر بؤر تهريب المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا وأفريقيا، بحسب تقارير منظمات دولية.ويتم نقل المهاجرين بمساعدة عصابات التهريب من خلال قوارب تعبر البحر الأبيض المتوسط وصولا لشواطئ إيطاليا.

ويعد أحمد الدباشي الشهير ب"العمو" أحد أهم مهربي البشر في ليبيا،وإثر معارك مسلحة استمرت لأكثر من أسبوعين وأوقعت 39 قتيلا و300 جريح أعلنت غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش في 6 أكتوبر عام 2017 سيطرتها على صبراتة وطرد كتائب المجلس العسكري، من بينها كتيبة أنس الدباشي التي يقودها أحمد الدباشي (العمو) حيث كانت هي الأخرى تتبع لحكومة الوفاق آنذاك.

ووقعت تلك الاشتباكات عندما قتل عضو من كتيبة الدباشي عند حاجز أمني لغرفة عمليات محاربة داعش في 17 سبتمبر عام 2017

وتداولت تقارير إعلامية العام الماضي أخبارا عن صفقة بين الحكومة الإيطالية وميليشيا العمو لوقف نزيف الهجرة غير الشرعية.وذكرت تلك التقارير أن السلطات الإيطالية منحت عصابات التهريب مبالغ مالية ضخمة.

وفي 7 يونيو الماضي فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على ستة أشخاص يترأسون شبكات تنشط في ليبيا في مجال الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين كان بينهم أحمد الدباشي. ومنذ ذلك الوقت اختفى عن الأنظار.وقبل شهرين عاد "العمو" من جديد ليعلن في بيان عزمه العودة إلي المدينة بقوة السلاح.

ومثلت صبراتة هدفا رئيسيا لتنظيم داعش الذى سعى منذ تواجده في ليبيا الى السيطرة على المدينة في اطار خطط انتشاره وتمدده في البلاد.ورغم إعلان تحريرها منذ 27 فبراير 2016،والحديث عن نهاية داعش واندحاره منها، فإن التحذيرات تواصلت حول إستمرار تواجد خلايا التنظيم وسعيه للعودة.حيث تمثل المدينة موقعا استرتيجيا فهي لا تبعد كثيرا عن تونس، كما أنها تُعتبر عصب المنطقة الغربية في الأراضي الليبية. وتتضمن صبراتة منطقة مليتة الغنية بالغاز ومركز إنتاج الغاز الذي يُصدّر لأوروبا.

وتلقى المواجهات العنيفة فى مدينة صبراتة بظلالها على البلاد التي تكافح جاهدة للخروج من أزمة إمتدت منذ العام 2011.وتزيد هذه الأحداث من تأزيم الأوضاع فى ليبيا.ويرى مراقبون أن تواصل غياب التوافق بين الفرقاء الليبيين من شأنه أن يعيد البلاد إلى مربع الفوضى والإقتتال.