أعاد مقتل المصور الصحفي الليبي محمد بن خليفة تسليط الأضواء على وضعية الصحفيين في ليبيا وخاصة وضعية الصحافيين العاملين لفائدة المؤسسات الإعلامية الأجنبية، حيث كشف التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" للعام 2018 أن ليبيا تحتل المرتبة 162 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2018. 

وفي تقرير لها حول مقتل المصور الصحفي محمد بن خليفة قالت وكالة أسوشيد براس  إن "صحافيا عمل لحساب وكالة أسوشيتد برس الأمريكية للأنباء ومنظمات إخبارية أخرى قد قتل يوم السبت الماضي في العاصمة الليبية طرابلس"، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول حقوق الصحافيين المادية والمعنوية للصحافيين العاملين للمؤسسات الأجنبية خاصة وأنّ بن خليفة وبحسب الوكالة هو "مصور وصحفي فيديو لديه زوجة وابنه تبلغ من العمر سبعة أشهر". 

ويعاني الصحفيون الليبيون العاملون للمؤسسات الأجنبية أو المؤسسات الإعلامية الليبية في الخارج من عديد العراقيل القانونية والمهنية وحتى الماديّة والمعنوية وغياب العقود، فمع المعاناة التي يعيشها معظم الصحافيين في ليبيا من غياب للحرية والأمن وصعوبة التنقل والتهديدات وغياب مؤسسات وقوانين حامية للصحافيين، يعاني العاملون للمؤسسات الأجنبية إضافة إلى ذلك، معاناة مزدوجة، من عدم احترام حقوقهم المادية والمعنوية وضعف الأطر القانونية التي تؤطر العلاقة بين الطرفين وتحمي الحد الأدنى من حقوق الصحافي الليبي، إضافة إلى العراقيل القانونية والتشريعية القائمة في البلاد.

ففي إستبيان أجرته "بوابة إفريقيا الإخبارية" وشمل 37 صحافيا ليبيا يعملون لمؤسسات إعلامية أجنبية أو ليبية في الخارج فإنّ قرابة نصف الصحفيين العاملين للمؤسسات الأجنبية في ليبيا يعانون من غياب العقود، حيث كشف الإستبيان أن قرابة 49 % يعملون بدون عقود، وفي حين يرى 37 % فقط من هؤلاء الصحفيين أن التعامل يعتبر جيدا من قبل هذه المؤسسات، في حين الأغلبية ترى أن هذا التعامل يتراوح بين المتوسط وما دون المتوسط.

وكشف الإستبيان أن نسبة 84 % من الصحفيين العاملين للمؤسسات الأجنبية في ليبيا يعتبرون أنه ليس هناك احترام لحقوق الصحافيين الليبيين المادية والمعنوية وخاصة من جهة العقود والاستخدام.

وفي هذا السياق تقول الصحفية الليبية إيناس بن حميدة في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أنّ "الأمر لا يتعلق  بالاحترام بل بالحقوق الأساسية في الرأي والتي يحرم منها أغلبنا بسبب عقود الإذعان التي نرغم على توقيعها. وفِي الكثير من الأحيان العمل بدون عقود تضمن حتى صرف مقابل الجهد وضمان الاستمرار في العمل".

وهو ما يؤكده الأستاذ جلال عثمان وهو أكاديمي  وإعلامي ليبي  في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" بالقول أنّ: "المؤسسات الإعلامية الأجنبية ومنذ العام 2011 تستغل الظروف التي تمر بها البلاد، والمتمثلة في هشاشة الوضع النقابي، والقانوني، خصوصًا بعد العام 2014 حيث تتعامل مع عدد من الصحفيين دون تقديم أي ضمانات تأمينية لهم".

مضيفًا أن "أغلب المراسلين يعملون بلا عقود تضمن حقوقهم، رغم أنهم يعملون في بيئات خطرة، كما هناك مؤسسات أجنبية تستغل الفارق الكبير في سعر صرف العملة المحلية والدولار، وتقوم بالدفع للمراسل بالعملة المحلية، من خلال بيع العملات الأجنبية في السوق السوداء، والاستفادة من فارق السعر، وأي قناة تقول غير ذلك عليها أن تقدم صورة من الحوالات المالية عن طريق المصارف الليبية".

وفي ذات السياق قال الأستاذ إسماعيل الفلاح أستاذ الصحافة جامعة بنغازي أنّه "فيما يتعلق بالحلول المقترحة من وجهة نظري -  المتواضعة -  لضمان حقوق الصحافي الليبي في تعامله مع المؤسسات الأجنبية تتلخص أولاً في احترام إدارة الإعلام الخارجي للمراسلين الليبيين أو الأجانب على حد سواء ، كما هو معلوم يعاني معظم هؤلاء من صعوبات كثيرة بسبب قيود وعراقيل. 

وثانيا يجب أن تكون تكون لدى الجهات الليبية المختصة  وزارة الخارجية أو إدارة الإعلام الخارجي مدونة سلوك واضحة توضح حقوق وواجبات الصحافي الليبي أو غير الليبي الذي يعمل لصالح وسائل إعلام دولية، أي توضح له قبل منحه تصريح العمل و اعتماده كمراسل دائم ماله من حقوق وما عليه من واجبات وفقا للتشريعات الليبية النافذة، لأن كما هو معلوم التنظيم المهني في ليببا إجمالا ما يزال في مراحلها الأولى وتنظيم الإعلام الليبي لا يستند إلى أرضية قانونية وكل القرارات تتخبط ولا يوجد تنظيم حقيقي للمهنة".

وقالت "مراسلون بلا حدود" في تقرير لها بعنوان "الاجراءات الجديدة التي فرضتها طرابلس تضع حياة الصحافيين في خطر" في يولي من العام الماضي أن " منذ 30 مارس/آذار 2016، وبعد وصول حكومة فائز السراج إلى الحكم، عرفت ظروف عمل الصحافيين الأجانب في ليبيا تراجعا كبيرا".

وأضاف التقرير أنّ " السلطات الليبية تعمل بشكل لا يمكن تخيّله لمنع عمل الصحافيين: آجال غير معقولة للحصول على تجديد التأشيرة وصعوبات إدارية لا تُحصى وجوسسة وضغوطات... كل الشهادات التي جمعتها مراسلون بلا حدود تتفق أنّ ظروف العمل ساءت بشكل خطير منذ وصول فائز السراج إلى الحُكم".

وفي هذا السياق قال الأكاديمي والإعلامي الليبي الأستاذ جلال عثمان أكاديمي في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أنّه "لا يجب أن يطول السكوت عن هذا العبث، يجب أن يسعى الصحفيون لتأسيس جسم نقابي لهم، كما يجب أن يتم تطوير قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 لكي يواكب المرحلة. وأن يعاد النظر في إدارة الإعلام الخارجي، لأنها بحكم القانون جسم يجب أن يتبع وزارة الإعلام وليس الخارجية، بالإصافة إلى تسمية رئيس لهيئة الإعلام ليتولى المساهمة في معالجة الكثير من هذه التشوهات" بحسب تعبيره.

وفي المقابل، يقول الدكتور خالد غلام استاذ الصحافة جامعة طرابلس أنّ "تعامل المؤسسات الأجنبية مع الصحفي الليبي جيد بل أفضل حالاً من تعامل المؤسسات الليبية، خاصة في وقت الحاجة والدفاع والوقوف مع الصحفي، مثلاً عندما خطف الصحفي محمد النائلي مراسل الوكالة الصينية لم يجد من يقف معه الا زملاؤه الصحفيين والوكالة سالفة الذكر"

وفي جانب آخر كشف الاستبيان أن قرابة الـ49 بالمائة يعملون لمؤسسات أجنبية في حين يعمل قرابة 51 بالمائة في مؤسسات ليبية في الخارج، ويتوزع هؤلاء الصحافيين وفق النسب التالية: 37% لوكالات أنباء، و21.6% يعملون لمواقع إلكترونية، و37.8% مع قنوات تلفزية، في حين أن 2.7% فقط يعملون لفائدة صحف.

وكشف الإستبيان، كذلك أن نسبة 89 % من هؤلاء الصحافيين هم من الذكور، في مقابل 11 % من الصحافيات الإناث، وهو رقم يستحق قراءة لفهم مدلولاته في علاقة بالوضع الاجتماعي والأمني في البلاد وفي علاقة بالجانب المهني نفسه.

وفي حين أنّ نسبة قرابة الأربعين بالمائة هم من الصحفيين، و32 % من المراسلين، فإن نسبة المصورين الصحفيين تقدّر ب27 %

وبين الإستبيان الذي أجرته "بوابة إفريقيا الإخبارية، أن الأغلبية من الصحافيين الليبيين يتعاملون بشكل مباشر مع المؤسسة الأم في حين يتعامل فقط قرابة الـ30بالمائة من الصحافيين عبر وسيط.

هذا ويشار إلى أنّ "بوابة إفريقيا الإخبارية" قد أعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيّام حداد على المصور الصحفي الليبي محمد بن خليفة الذي قتل أثناء تأدية عمله وهو يغطي المواجهات الأخيرة التي شهدها جنوب العاصمة طرابلس بين قوات اللواء السابع وقوّة حماية طرابلس.