نشرت صحيفة أحوال التركية تقريرا حول الصراع السياسي الدائر بين روسيا وتركيا، وقالت الصحيفة إن ليبيا تمثل أبرز حالة يتجلى فيها أبعاد هذا الصراع الجيوسياسي.


وستهلت الصحيفة تقريرها بقول استغلت روسيا وتركيا - حلفاء وأعداء في الوقت نفسه - غياب الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لزيادة نفوذهم في المنطقة. وأضافت أن عودة أمريكا المتوقعة إلى الساحة العالمية في عهد الرئيس جو بايدن تعني أن واشنطن ستواجه واقعا جديدا على الأرض حيث تعزز موسكو وأنقرة مواقفهما.


ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر بوضوح أكثر من ليبيا حيث تم تعيين حكومة مؤقتة جديدة في نهاية اجتماع رعته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي. ولا توجد قضية شهدت تحرك محور موسكو -أنقرة في تحدي لواشنطن مثل قضية الطاقة -ولدى ليبيا أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا-.


وتعد الطاقة أحد أهم القطاعات في العلاقات بين روسيا وتركيا حيث بلغت التجارة بينهما 26.3 مليار دولار أمريكي في عام 2019. وتقوم شركة روساتوم الروسية العملاقة للطاقة النووية المملوكة للدولة ببناء محطة نووية في محافظة مرسين التركية. وستوفر محطة أكويو عند اكتمالها في عام 2024 حوالي 10 في المائة من كهرباء تركيا.


وبالطبع ستظل تركيا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوقود الأحفوري ولهذا ستظل تعتمد اعتمادًا كبيرًا على روسيا وبشكل أساسي للغاز الطبيعي عبر خط أنابيب سيل الشمال.


لكن هذا لا يعني أن أنقرة وضعت كل بيضها في سلة واحدة. وتحاول تركيا بالفعل تنويع إمدادات الغاز.


وهنا يأتي دور ليبيا إذ قد تسمح أنشطة تركيا في ليبيا بما في ذلك صفقة ترسيم الحدود البحرية في نهاية المطاف لأنقرة باستخراج الغاز الطبيعي مباشرة من البحر الأبيض المتوسط بدلاً من شرائه من روسيا، ومن المسلم به أن هذا الاحتمال محفوف بالعديد من الصعوبات.


لكن في ليبيا أيضًا تواجه أنقرة وموسكو بعضهما البعض في منافسة جيواستراتيجية، ولن يغير منتدى الحوار السياسي الليبي التابع للأمم المتحدة الذي انتهى الأسبوع الماضي أي شيء.


وعلى مدى السنوات القليلة الماضية ضمنت تركيا وجودًا عسكريًا وسياسيًا طويل الأمد في ليبيا التي يُعتقد أن احتياطياتها النفطية هي الأكبر في إفريقيا وتاسع أكبر احتياطيات في العالم. ولكن لتأمين النفط وربما إمدادات الغاز الطبيعي يجب على تركيا فرض سيطرتها على محافظة سرت الغنية بالطاقة في ليبيا.


وتبدو هذه الخطط مضطربة على الأقل في الوقت الحالي. ومحاولات أنقرة لاستخدام وكلاء للتقدم عبر مدينة سرت إلى حقول نفط برقة العام الماضي باءت بالفشل. والآن مع بداية تشكيل حكومة مؤقتة جديدة من غير المرجح في الوقت الحالي القيام بعمل عسكري إضافي.


وهذا يترك الجيش الوطني الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر مسيطرا على أجزاء كبيرة من صناعة النفط ومنشآت الموانئ على الساحل. اتهمت تركيا مؤخرًا حفتر الذي فرض حصارًا للنفط وأغلق آبار النفط في الدولة التي مزقتها الحرب لعدة أشهر ببيع النفط من خلال شركات غير قانونية. وأتاح ذلك لحفتر جمع المزيد من الأموال والحفاظ على دعم اللاعبين الأجانب.


وبينما لا تزال تركيا تسيطر جزئيًا على حقول النفط في غرب طرابلس إلا أنها تعتبر ذلك مجرد جائزة ترضية ومحافظة سرت هي مفتاح حساباتها. لهذا السبب ستواصل أنقرة تعزيز موقعها في المنطقة الشرقية والبحث عن طرق لفرض سيطرة جزئية على الأقل على الأصول هناك.


ولهذه الغاية تحظى بدعم عبد الحميد دبيبة رئيس الوزراء المعين من غرب البلاد الخاضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني التي ترعاها تركيا والتي وصفت تركيا بأنها "صديقة وحليفة".


وعلى الجانب الآخر من البلاد جرى طمأنة محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الجديد المؤلف من ثلاثة رجال بأن موسكو  الداعمة  للجيش الوطني الليبي ستضغط على التعاون الروسي الليبي وتعززه.


والنتيجة هي أنه على الرغم من وجود حكومة مؤقتة بين الشرق والغرب فإن الثنائية الجيوسياسية الروسية التركية مستمرة في ليبيا. سيشارك كلاهما بشكل كبير في عمليات السلام والعمليات السياسية الجارية  فضلاً عن الاستعدادات لانتخابات ديسمبر والتي ينظر إليها البعض بالفعل بقدر كبير من الشك.


لكن بصرف النظر عن البيان الصادر في نهاية اجتماع الأمم المتحدة -بيان مشترك بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا - تظل الولايات المتحدة غائبة إلى حد كبير.


يقال إن موسكو تمكنت من الحصول على موطئ قدم في المنطقة لأن باراك أوباما سمح بذلك.وبالنسبة لتركيا فتح الافتقار إلى التوجيه السياسي المتسق من إدارة دونالد ترامب فرصًا استغلتها أنقرة بكل سرور.


في الواقع فكر المحللون في الكيفية التي يمكن بها لتركيا إيقاف حاملة الطائرات التي سيتم تكليفها قريبًا قبالة سواحل ليبيا كمغير لقواعد اللعبة مثل مستوى الجرأة الاستراتيجية الذي يتم التفكير فيه في غياب التزام أمريكي قوي.


ومن المتوقع أن تواصل روسيا وتركيا -أيضًا إيران والصين- اللذان ترسختا بالفعل في المنطقة لسنوات نشر نفوذهما على الرغم من عودة الولايات المتحدة.


ويجب على فريق بايدن ملاحظة أن إصدار بيان سابق من الأمم المتحدة يدعو روسيا وتركيا و... لترك ليبيا وشأنها لا يحمل نفس القوة تمامًا كما لو كان صادرًا من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية.


وفي الوقت الحالي فأن سيء الحظ جراء كل هذا الاهتمام الأجنبي الكبير هو ليبيا، راقبها عن كثب لمعرفة كيفية تتقدم اللعبة.