في بلد يتعاطى نحو 40% من سكانه القات، يقود الناشط البريطاني – الصومالي، أبو بكر عوالي، حملة لحظر هذه النبتة المُخدرة، التي تكاد تشكل أحد ضرورات الحياة بالنسبة للمستوردين والمتاجرين والمتعاطين لها، على أمل الوصول يوما ما إلى “صومال بلاقات”.

هذه الحملة أطلقها عوالي بداية مارس/ آذار الماضي، ويتفاعل معها نشطاء وشباب وطلاب جامعات ونواب في البرلمان، لتوعية الصوماليين بمخاطر القات الصحية والاقتصادية من خلال ورش عمل وندوات ينظمها الشاب المستقر في الصومال منذ عام.

عن حملته يقول عوالي (40 عاما) لمراسل الأناضول: “رغم علمي بانتشار تعاطي القات في طول الصومال وعرضه، إلا أن نجاحي في حظر القات ضمن حملة مماثلة قدتها في بريطانيا، أغراني بإطلاق حملة صومال بلا قات مستعينا بنشطاء وطلاب وعلماء دين ومخزنين سابقين (متعاطين للقات)”.

وبفضل جهود متنوعة، بينها حملة قادها عوالي لنحو 9 سنوات، حظرت بريطانيا العام الماضي تعاطي القات على أراضيها.

حملة “صومال بلا قات”، التي يتعاون مسؤولون حكوميون مع القائمين عليها، عقدت ندوات في الجامعات والمدارس كما تعمل على التوعية بمخاطر القات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

وفي ندوة حضرها مئات الطلاب الشهر الماضي بجامعة “جمهورية”، وهي جامعة حكومية وسط العاصمة مقديشو، قال عوالي: “أواجه أنا ورفاقي عقبات كثيرة، لكن علينا التسلح بالصبر من أجل إنقاذ أبنائنا من مخاطر القات”.

وركز الشاب الصومالي في هذه الندوة على التداعيات الاجتماعية لتعاطي القات قائلا إن “أسرا صومالية كثيرة تفككت بسب غياب دور الأب المتعاطي للقات؛ ما يجعل الأطفال يدفعون الثمن الأكبر، حيث لا يجدون رعاية وبات الكثير منهم مشردون في الشوارع، بينما الوالد يفترش الطرقات مخزنا القات”. ويضع المتعاطون القات في أفواههم لساعات.

وبجانب التوعية بالمخاطر، يسعى عوالي إلى محاربة القات عبر القانون، إذ يقول للأناضول: “أقنعت عددا من أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان) بالعمل على صياغة مشروع قانون يحظر استيراد القات، على أن يتم تقديمه إلى رئاسة المجلس.. وأتوقع النجاح لهذا المسعى”.

وبينما يركز الشاب الصومالي حاليا على العاصمة يأمل أن تمتد حملته إلى بقية أقاليم البلد العربي الفقير في منطقة القرن الأفريقي، والذي يعاني اقتتالا دمويا منذ الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري عام 1991.

ولإطلاق هذه الحملة واقعة يرويها عوالي بقوله: “كنت ضمن مئات من شباب الجالية الصومالية في بريطانيا يتعاطون القات.. وبعد تخزين القات لسبع سنوات أدرت أنه أضاع مستقبلي دون أن أتعلم.. كان همي الوحيد هو الحصول على حزمة من القات حتى قررت عام 2004 الإقلاع عنه”.

ولم يكتف بهجره شخصيا للقات، بل فكر في تدشين حملة ضد القات في بريطانيا، وهي فكرة تعززت عندما التقى صدفة بصبي صومالي دون الـ 14 من عمره يشق طريقه بحثا عن أماكن بيع القات.

آنذاك، كما يقول عوالي للأناضول: “أمسكت يد هذا الصبي وتحدثت إليه حتى أقنعته بالتخلي عن هذه النبتة المخدرة.. وقد أتت هذه الحملة ثمارها في بريطانيا، حيث جرى حظر القات في يونيو (حزيران) الماضي.. ومن حينها بدأت نسبة الشباب الصوماليين الراغبين في الزواج تزداد يوما بعد آخر”، على حد تقديره.

استيراد القات كان محظورا في الصومال إبان الحكم العسكري في البلاد (1969 – 1991)، لكن مع انهيار هذا النظام أصبح الصومال أحد أكثر الدول الأفريقية استهلاكا لهذه النبتة، التي يتم استيرادها من كينيا وإثيوبيا.

وعن آثار القات على المجتمع، يقول عثمان محمد، وهو باحث متخصص في الشؤون الاجتماعية، إن “القات صار ظاهرة واضحة في كافة فئات المجتمع الصومالي ويخلف مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية”.

عثمان يتابع، في حديث مع الأناضول، أنه “رغم أنها (نبتة القات) تشكل مصدر رزق لفئة من المجتمع، إلا أن أضرارها أكبر من فائدتها، حيث أجبرت الكثير من الشباب على السعي وراء هذه النبتة المخدرة؛ ما أدى إلى انهيار أسر، خاصة الأسر الفقيرة، حيث يشترى الأب القات بما يحصل عليه من مال قبل شراء طعام أسرته”.

ومن بين أبرز النشطاء في حملة “صومال بلا قات” متعاطون سابقون، بل وتجار سابقون.

أحد هؤلاء يدعى عبد القادر أحمد (55 عاما)، ويقول عن نفسه: “كنت أخزن القات لمدة أربعين سنة وكذلك أتاجر فيه حتى اعتقلني نظام الحكم العسكري مرتين بتهمة تهريب القات”.

ويمضي أحمد قائلا لمراسل الأناضول: “في النهاية أقلعت عن القات فلم أجن منه شيئا يذكر.. الكثير من الأسر تضررت، فالأسرة في أدنى قائمة اهتمامات المخزن (المتعاطي)”.

لكن كثيرا من الصوماليين يشككون في إمكانية نجاح حملة عوالي في بلد يتعاطى نحو 40% من أبنائه (من أصل حوالي 10.4 مليون نسمة) القات في ظل غياب تشريع يمنع استيراد وتعاطي النبتة التي ينفق صوماليون على استيرادها حوالي مليار دولار سنويا، بحسب تقديرات غير رسمية تتداولها وسائل إعلام محلية.

غير أن عوالي يقول إن “الحملة أثرت إيجابا على متعاطين، حيث التقى شبابا أقلعوا عن تعاطي القات بعد أن علموا من الحملة بمخاطره.. لكن معظم التجار مصممين على ممارسة هذه التجارة.. بينما البعض مستعد لتركها إن وجدوا بديلا”.