وكأن هدف تحقيقات السلطات الحاكمة في تركيا بعد محاولة انقلاب عسكري فاشل عام 2016، هو اعتقال وعزل كل من يشتبه في صلته برجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقره بالتخطيط لهذه المحاولة، رغم عدم وجود أي أدلة مادية على ذلك، بحسب إفادة ضابط جيش تركي كان شاهد عيان على ليلة انقلاب وما أعقبها.
فقد خلصت جلسة استماع حديثة لمحكمة في قضية الانقلاب الفاشل إلى أن المحققين الأتراك لم يجروا عمليات تشريح على جثث ضحايا الانقلاب، ولم يفحصوا بقايا الرصاص الذي استخدمه مشتبه بهم في مقتل 10 مدنيين خلال الأحداث التي وقعت أمام مقر قيادة قوات الدرك.
وقوات الدرك التركية هي فرع من القوات المسلحة، مسؤولة عن الحفاظ على النظام العام في المناطق التي تقع خارج نطاق اختصاص قوات الشرطة.
وجاء هذا "الكشف الفاضح"، بحسب موقع نورديك مونيتور، عندما بدأت محكمة تركية إجراء جلسات استماع بشأن الأحداث التي وقعت في وحول مبنى قيادة قوات الدرك في حي "بستبي" في العاصمة أنقرة.
ووفقا لمحاضر المحكمة التي حصل عليها موقع "نورديك مونيتور" ونشرها مؤخرا، فقد أدلى المقدم موشيرام دمركال، وهو ضابط مخابرات تم تعيينه كمدرب في قيادة مدارس الدرك في حي بستبي، بشهادته خلال جلسة عقدت في 13 مارس 2018، وقال إن الحكومة لم تأمر بأي عمليات تشريح لضحايا الانقلاب.
وبينما يعد تشريح الجثث إجراء ضروريا في التحقيقات الجنائية، تعجب ضابط المخابرات من فشل الحكومة في مثل هذا الإجراء لتحديد كيفية وفاة الضحايا، قائلا: "لا يوجد أي دليل بشأن أي سلاح وأي رصاص اُستخدم في إطلاق النار (على هؤلاء الضحايا) أليس هذا صادما؟".
ولاحظ دمركال أيضا أنه لم تكن هناك "أغلفة قذائف في ملف الأدلة، على الرغم من حقيقة أنه كان هناك تبادل مكثف لإطلاق النار بين الانقلابيين المزعومين والأشخاص الذين ردوا عليهم، وهو أمر غريب أيضا".
وقال دمركال إن المحققين فشلوا في فحص بقايا رصاص المشتبه بهم، مشيرا إلى أنه في التحقيقات الجنائية، دائما ما يلجأ الدرك إلى رفع بصمات اليد.
كما تحدث ضابط المخابرات عما شاهده في الساعات الاثنتي عشرة لأطول ليلة عرفتها تركيا، عندما ردت وحدات الشرطة الخاصة على الحوادث في مركز القيادة.
وقال إن الشرطة، استجابت، في إحدى المرات، باستخدام سيارة دورية مدرعة تسمى شورلاند (مع مدفع آلي مثبت على سقفها) من داخل القاعدة. وقال: "ما زلنا لا نعرف ما فعلوه بالمدفع".
وأشار إلى شهادة في ملف القضية، قدمها رجل انضم إلى المدنيين المحتجين على محاولة الانقلاب، أمام مبنى قيادة قوات الدرك، وقال إن شقيقه لم يطلق النار عليه من داخل القاعدة العسكرية، بل قتل على يد مدني في الحشد.
وزعم دمركال أن مسلحين مجهولين يشبهون تنظيم داعش اندسوا بين الحشود ليس فقط في "بستبي" لكن أيضا في أماكن أخرى مثل مقر الأركان العامة. "لم تحقق حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في هذه الادعاءات رغم لقطات فيديو وشهادات الشهود والمشتبه بهم".
أوضح دمركال أنه تم استدعاء العديد من الضباط إلى قواعدهم بسبب تهديد من داعش، واعتقدوا أنهم سيقومون بتحييد هذه التهديدات وحماية القواعد العسكرية.
وأشار دمركال إلى أن ضباطا في القاعدة امتنعوا عن إطلاق النار أو استخدام المدفعية الثقيلة، مما حد من عدد الإصابات.
وأضاف "من خطط لهذا، خطط لقتل عشرات الآلاف في تلك الليلة"، مشيرا إلى أن الخسائر في الأرواح كانت محدودة بسبب نهج ضباط الجيش.
وشهد أيضا بأنه وعدد من الضباط المعتقلين تعرضوا للتعذيب الشديد، في حين كان من السهل في حقيقة الأمر تحديد من كان متورطا في المحاولة إذا استخدمت الحكومة أساليب البصمات، وغيرها من تقنيات التحقيق في مسرح الجريمة.