بعد انتكاسة تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان من المقرر اجراؤها في ديسمبر كانون الأول الماضي،بسبب الخلافات بين الأطراف الليبية بشأن كيفية إجرائها ما أدى إلى انهيار العملية قبل أيام من موعد التصويت،يطرح المشهد الليبي مزيدا من التعقيدات والأزمات آخرها مسألة تشكيل حكومة جديدة لقيادة المرحلة القادمة حتى الوصول للانتخابات.
إلى ذلك،أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة ولن يسمح بمرحلة انتقالية جديدة في البلاد.وفي كلمة متلفزة ليل الثلاثاء، قال الدبيبة "أُعلنها اليوم، لن أسمح بمراحل انتقالية جديدة ولن نتراجع عن دورنا في الحكومة التي تعهدنا بها أمام هذا الشعب حتى تحقيق الانتخابات، وإن حكومة الوحدة الوطنية مستمرة في عملها إلى حين التسليم إلى سلطة منتخبة".
ووجه الدبيبة انتقادات حادة لمجلس النواب قائلاً إنه يقوم بإصدار القوانين "دون نصاب وبالتزوير ودون رقيب في ظل غياب المحكمة الدستورية"،واشار الى أن قلة من أعضائه قاموا بسحب الثقة من الحكومة بالتزوير.وأضاف أن "البرلمان يسعى اليوم بعد إفشاله الانتخابات رغم تفصيل القوانين الانتخابية على المقاس، إلى خلق سلطة موازية عبر تحالفات بين أطراف كانت إلى وقت قريب تربطها علاقات عداوة، من أجل الحكم والمال، وبهدف تعطيل الانتخابات والتمديد لنفسه دون سقف زمني محدد".وفق تعبيره.
وجاءت تصريحات الدبيبة تعليقا على إقرار مجلس النواب الليبي،الإثنين الماضي، خريطة الطريق التي اقترحتها اللجنة البرلمانية للمرحلة المقبلة في البلاد.وقال المتحدث باسم البرلمان الليبي عبد الله بليحق، إن "النواب صوتوا بالإجماع على خريطة الطريق للمرحلة المقبلة، وإن بقية أشغال الجلسة خصصت للاستماع للمترشحين لمنصب رئيس الحكومة الجديدة".
وأقر مجلس النواب الليبي مقترح لجنة خارطة الطريق، والذي تضمن 4 مواد؛ بحيث يجرى الاستحقاق الدستوري خلال 14 شهرًا من تاريخ الإعلان الدستوري، واستمرار التشاور مع مجلس الدولة لتقديم الصيغة النهائية بشأن التعديل الدستوري، وإحالة أسماء المرشحين لمجلس الدولة لتقديم التزكيات المطلوبة بشأنهم، على أن يكون اختيار أحدهم في جلسة الخميس الموافق 10 فبراير/شباط الجاري".
وتطالب أطراف ليبية بضرورة انهاء فترة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة لقيادة الفترة القادمة،وكان رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح قال، في افتتاح الجلسة التي عقدت يوم 17 كانون الثاني/يناير الماضي، إن حكومة عبد الحميد الدبيبة أصبحت "منتهية الولاية، ولا بد من تغييرها".وأوضح صالح آنذاك أن "الحكومة الليبية الحالية انتهى تفويضها بحلول يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي كان من المفترض أن تُجرى فيه الانتخابات الرئاسية".
وعقد نواب، يوم الأحد الماضي،اجتماعا غير رسمي بأحد فنادق العاصمة طرابلس، بدعوة من فوزي النويري، النائب الأول لرئيس مجلس النواب،بهدف تنسيق الجهود بشأن الاستحقاقات القادمة ولخلق حالة من التوافق حول خريطة طريق وكذلك توحيد الآراء بشأن اختيار رئيس جديد للحكومة خلال جلسة البرلمان.
وفي المقابل،يتمسك عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية بشرعية حكومته وعدم تغييرها، في خطوة تزيد من احتمالية دخول ليبيا في صراع بين حكومتين.وقال الدبيبة مرارا إن حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التي يقودها ما زالت شرعية برغم انهيار انتخابات كانت مقررة في ديسمبر/ كانون الأول، ورفض تحركات البرلمان لتغييرها.
وعُين الدبيبة رئيسا للوزراء من خلال عملية سلام تدعمها الأمم المتحدة، بناء على تفاهم بأن تشرف الحكومة على الفترة التي تسبق انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر/ كانون الأول كان من المستهدف أن تؤدي إلى تشكيل حكومة دائمة.ومثل ترشحه لخوض انتخابات ديسمبر /كانون الأول،جدلا كبيرا ونقطة خلاف رئيسية قبيل انهيار العملية الانتخابية.
وتثير هذه التطورات مخاوف من عودة البلاد الى مربع الانقسامات،وأعربت الأمم المتحدة، الثلاثاء، عن قلقها إزاء المسار الذي تتجه إليه ليبيا حاليا.وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة "ستيفان دوجاريك"، في مؤتمر صحفي بنيويورك،"نحن قلقون للغاية من المسار الذي تسير اليه الأمور في ليبيا حيث تأخذ اتجاها لا نود أن نرى البلاد تسير إليه".وشدد دوجاريك على أنه يتعين في هذه اللحظة على القادة الليبيين التركيز على مصالح شعبهم أولا وتحقيق وحدة السلطة ووحدة ليبيا.
وعلى وقع هذه الخلافات يزداد الوضع الامني تعقيدا،حيث أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن دفعة جديدة تضم 150 مرتزقًا سوريا، من الموالين لتركيا وصلت ليبيا، قادمة من الأراضي السورية.وأوضح المرصد أن تلك الدفعة ضمت عناصر جلهم من لواء "محمد الفاتح" المنضوي ضمن "الجيش الوطني" الموالي لتركيا.
وأشار المرصد الى أن هؤلاء العناصر دفعوا مبالغ مالية لقياداتهم مقابل السماح لهم بمغادرة الأراضي السورية إلى ليبيا انطلاقا من منطقة عفرين شمالي غرب حلب.وكانت مجموعة أخرى تضم 250 من المقاتلين السوريين وصلت ليبيا يوم الرابع من فبراير، بحسب ما أكد المرصد السوري لحقوق الانسان حينها.
وياتي ذلك في وقت تواصل فيه الاطراف الليبية جهودها لتطهير البلاد من المرتزقة حيث كشف رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي،الثلاثاء،عن استمرار المجلس الرئاسي في وضع إطار عام وعملي؛ من أجل إخراج المرتزقة من كل ليبيا، مشيراً إلى تعامل المجلس في ملف إخراج المرتزقة مع بعض الدول كشركاء، ويرفض أي تدخل أجنبي أيا كان نوعه.
وفي السياق ذاته،عقدت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5" اجتماعها التاسع، الثلاثاء، بمقرها الدائم بمدينة سرت وأكدت وكالة الانباء الليبية أن اللجنة ستتابع الاتفاق الدائم لوقف إطلاق النار، كما ستناقش ملفات خروج المقاتلين الاجانب والمرتزقة من الاراضي الليبية ونزع الالغام وتبادل المحتجزين.
ودفع نظام أردوغان خلال الثلاث سنوات الأخيرة بالآلاف من المرتزقة السوريين الى الأراضي الليبية لتحقيق أهدافه والسيطرة على موارد وخيرات ليبيا،مستغلا الدعم الذي قدمه لجماعات إرهابية مسلحة في حربها ضد الحكومة السورية في الضغط عليها لتجنيد المزيد من عناصرها وغيرهم من الشباب والأطفال السوريين في مناطق سيطرتهم، وإرسالهم إلى تركيا للتدريب ومن ثم نقلهم إلى الأراضي الليبية.
وبالرغم من الدعوات الاقليمية والدولية لانهاء التدخلات الخارجية في ليبيا،فان النظام التركي مازال مصرا على نكث تعهداته ومواصلة محاولات تأجيج الصراع في هذا البلد الممزق عبر اغراقه بالمرتزقة والارهابيين الذين يشكلون خطرا يتهدد الأراضي الليبية ويتجاوزها ليشكل خطرا اقليميا ودوليا.
مشاهد ضبابية تعتري المشهد السياسي الليبي في ظل تساؤلات حول مصير الحكومة ومدى احتدام صراع الشرعية ومآلاته،وبالرغم من ذلك فان التحدي الحقيقي وفق الكثيرين ليس في تشكيل حكومة جديدة من عدمه، إنما هو في ضمان بيئة صالحة لإجراء الانتخابات الرئاسية تحترم فيها النتائج،خاصة في ظل استمرار مسلسل الخلافات والتصعيد بين الفرقاء واستمرار العراقيل الامنية والتدخلات الخارجية وكلها أسباب تهدد باستمرار الأزمة في البلاد.