اتخذت تشاد قرار إغلاق السفارة القطرية على أراضيها وطرد دبلوماسيها بعد أيام قليلة من استقبالها الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومن ثم فالربط بين الحدثين يبدو منطقيًا وبديهيًا للغاية.

بل أن شواهد عدة بعضها وقائع مثبتة لا تحتمل لبسًا أو تأويلًا، تجزم بأن القاهرة كانت المحفز الرئيسى لقرار تأخرت إنجامينا كثيرًا فى اتخاذه، وبأن تواجد رأس الدولة المصرية فى الأخيرة نهاية الأسبوع قبل الماضى فى ختام جولة إفريقية قام بها آنذاك وشملت أيضًا كلا من الجابون وتنزانيا ورواندا، إنما كان ساعة الصفر لحسم أى تردد فى هذا الشأن من جانب نظام إدريس ديبى.

ليست مصادفة أن يقول السيسى فى تشاد إن «قضية الإرهاب تستدعى منا مواجهة شاملة».

وفى موضوع آخر وصف تحديات الدولة الإفريقية المحلية والإقليمية بدقة: «أود أن أعرب لفخامة الرئيس ديبى عن تقدير مصر الكبير للجهود التى يقوم بها فى تجمع الساحل والصحراء، الذى يعد ثانى أكبر تجمع فى إفريقيا بعد الاتحاد الإفريقى، وذلك رغم الصعوبات والتحديات التى تواجه تشاد والتضحيات الكبيرة التى تقدمها فى حفظ السلم والأمن والتصدى للإرهاب والتطرف فى منطقة الساحل الإفريقى».

بيان وزارة الخارجية فى تشاد، الذى أعلنت فيه لطمتها للدوحة، أكد المعنى السابق تمامًا: «تدعو تشاد قطر لوقف جميع الأعمال التى من شأنها أن تقوّض أمنها (لتشاد)، فضلًا عن أمن دول حوض بحيرة تشاد والساحل، وذلك بغية حفظ الأمن والاستقرار فى المنطقة».

تطابق لا يبدو أنه كان عفويًا على الإطلاق

الأقرب للواقع أن التصعيد التشادى تجاه الإمارة الخليجية الصغيرة قانم بالأساس على مخاطر تشعر بها إنجامينا جراء النشاط القطرى غير النزيه فى تلك المنطقة الحساسة المتاخمة للجنوب الليبى، حيث تعبث أصابع نظام تميم بن حمد ورجاله علنًا.

مخاطر تشاركت القاهرة فى أجزاء منها مع إنجامينا، وبالأخص فيما يتعلق بمارد الإرهاب المتأسلم، والذى يخلط بين أهدافه العقائدية كتأسيس إمارات وخلافة ودولة نبوة جديدة وما شابه، وبين العبث بالأمن القومى للدول، عبر التحالف مع قوى المعارضة المسلحة والسياسية على حد سواء، ناهيك بالتنسيق مع القوى القبلية التى يؤثر ولاؤها فى غالبية الأحيان وتضن به على الدول الوطنية لصالح الأهل والعشيرة.

الإرهاب والمعضلة الليبية كانا حجر الزاوية فى التنسيق المصرى التشادى لإزاحة النفوذ القطرى بعيدًا عن الساحل الإفريقى وبحيرة تشاد حيث تقبع إلى جانب الأخيرة دول النيجير والكاميرون ونيجيريا. إضافة إلى ذلك أن القضيتين متلزمتان.

وعانت تشاد الأمرين من ارتباط فصائل من المعارضة المسلحة على أراضيها بفصائل ليبية مسلحة، كسرايا الدفاع عن بنى غازى، وهى المصنفة من جانب الدول المقاطعة للدوحة، كجماعة إرهابية، نظرًا لكونها من الأكبر الكيانات المدعومة من جانب تميم ونظامه.

تشاد كمصر تدعم حفتر صراحة، وذلك كفيل وحده بإغضاب الدوحة وإثارة سمومها.

علاوة على نشاط المعارضة التشادية بمنطقة القبائل شمال البلاد ذات الصلة العائلية بقبائل شرق وجنوب ليبيا، حيث التواجد الكبير لوكلاء الدوحة لمحاربة الجيش الوطنى فى جماهيرية القذافى السابقة، بقيادة المشير خليفة حفتر، وكذا التنغيص على الحدود الغربية لمصر بتسهيل حركة تهريب السلاح والمقاتلين صوب بلاد النيل.

بعض أعضاء المعارضة التشادية لا يخفون الولاء القطرى، إما بطلب تواجد الدوحة كوسيط بينهم وبين الحكومة، أو عبر اتخاذ الإمارة مقرًا يُعلن فى بعض الأحيان من خلاله تدشين المواجهات المسلحة ضد نظام إدريس ديبى.

كون الدعم القطرى لجهاديين فى مالى، وبالأخص فى حواضن قبائل الطوارق، قد تعرقل جراء ضربات عسكرية مشتركة لإنجامينا وباريس قبل سنوات قليلة، فإن الدوحة لا تمل ردًا على ذلك من محاولات الثأر من البلد الإفريقى المعزول مائيًا، عبر دعم عبور مقاتلى بوكو حرام الدواعش القادمين من الحليفين الاقتصاديين الكبيرين لتشاد: نيجيريا والكاميرون، لأجل زعزعة استقرار سلطة ديبى المثقلة بالأزمات المالية الكبرى.

وبالقطع طمحت تشاد إلى جذب استثمارات خليجية سخية تدعم اقتصادها المنهار، فكان اللجوء إلى مصر لتحفيز حليفيها الكبيرين السعودية والإمارات فى هذا الشأن، طالما أن العدو صار واحدًا: قطر.

مصر بدورها تريد ضبط تلك المنطقة مثلثية الشكل المتاخمة لحدودها الغربية والجنوبية: جنوب شرق ليبيا/ شمال شرق تشاد/ شمال غرب السودان، حيث حركة تهريب ونقل الأسلحة على أشدها، ناهيك باستقدام المقاتلين الأفارقة للعبث بالداخل الليبى والتحرش ببلد الأهرامات.

وقبل هذا وذاك تظل سرايا الدفاع عن بنى غازى، المعتمدة فى أجنحة منها على جهد مسلحين مرتزقة تشاديين، من أشد الجماعات الليبية المسلحة المعادية لمصر جراء احتضان الأخيرة لحفتر.

القاهرة لا تريد أيضًا فتح جبهة لبوكو حرام أو نوافذ للطوارق بالقرب منها، وعليها تبدو مساعدة تشاد فى التصدى لتلك الأخطار فرض عين عليها.

السيسى قالها واضحة فى إنجامينا أيضًا قبل أيام: «مصر حريصة على تقديم كل العون والمساعدة اللازمة لتشاد فى ضوء كونها دولة حبيسة». أى دولة معزولة عن أى بحار.

القاهرة ستغدق على تشاد اقتصاديًا بشكل مباشر أو عبر وسطاء (الرياض وأبو ظبى)، لتكسب أمنيًا، وضربة قطر أول الغيث.

 

 

المصدر