رغم ضخامة عدد الأحزاب السياسية في مصر، إلا أن أغلبها وأكثرها ظهر بعد ثورة 25 يناير 2011، بلا أثر ملحوظ لها على أرض الواقع، وإنما بمجرد مقارّ فارغة وصحف ورقية ومواقع إلكترونية، تثير ضجيجا إعلاميا بلا طحين سياسي حقيقي.

ما يلفت الانتباه، حسب صحيفة العرب، أن الأحزاب القليلة التي تشغل الجماهير لا تفعل ذلك بفضل تحركاتها المؤثرة في الشارع السياسي أو تواجدها القوي بين جماهير الناخبين، لكن تستقطب الرأي العام بصراعاتها الداخلية، مثل حزب الوفد، حيث شهد معارك مضنية بين قياداته، استدعت تدخل السيسي، لرأب الصدع والمصالحة بين القيادات المتصارعة.

وتقتضي المرحلة الراهنة إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف وتكاتف الجهود، في مواجهة مختلف التحديات. وكان حزب الوفد قد شهد صراعا حادا بين جبهة رئيسه الحالي السيد البدوي، من جانب، وجبهة مضادة قادها فؤاد بدراوي من الجانب الآخر. وبلغ الصراع ذروته حين أقدم رئيس الحزب على تجميد عضوية 8 قيادات وإحالتها إلى التحقيق تمهيدا لفصلها، بينما قامت قيادات الجبهة المضادة بحملة توقيعات لسحب الثقة من البدوي ورفع دعاوى قضائية ضده، الأمر الذي هدد بتجميد الحزب المصري العريق.

ويرى بعض المراقبين أن الصراعات الداخلية التي امتدت من حزب الوفد لتطال أحزابا أخرى، بينها حزب المصريين الأحرار والدستور، ستؤثر سلبا على القدرات التنافسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي يفترض أن تكون عاكفة على وضع اللمسات الأخيرة استعدادا لخوضها قبل نهاية العام الجاري.

مصدر الخطورة، كما أوضح خبراء سياسيون أن هذا الخواء يفسح المجال أمام الأحزاب ذات المرجعية الدينية، في مقدمتها حزب النور السلفي الأكثر تنظيما، وحزب مصر القوية الذي يرأسه عبدالمنعم أبوالفتوح القيادي الإخواني السابق، لتصدر المشهد وحصد نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان الجديد.

وهذه المسألة قد تحوّل الأمر إلى بوابة خلفية لعودة عناصر الجيل الثالث غير المعروفين من جماعة الإخوان إلى مقاعد البرلمان، ومن ثمة تهديد مستقبل النظام السياسي في مصر، في ضوء ما منحه دستور 2013 للبرلمان من صلاحيات، بينها حق تشكيل الحكومة، وسحب الثقة منها، ومحاسبة رئيس الجمهورية.

وكان الرئيس المصري قد طالب الأحزاب المدنية في اجتماع موسع عقده مع قياداتها قبل حوالي خمسة أشهر، بتشكيل تحالف انتخابي مدني يثري العملية الديمقراطية، إلا أن خلافات الأحزاب على نسب وعدد مرشّحيها، أفشلت مشاريع التحالفات التي قادها السياسي المخضرم عمرو موسى، المرشح الرئاسي الأسبق، ورئيس لجنة إعداد دستور 2013، وفشلت محاولة كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر الأسبق ومستشار رئيس الجمهورية، حاليا في الوصول إلى صيغة تحالف سياسي قوي.

ويرى حسين عبدالرازق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع اليساري، أن ضعف الأحزاب يرجع بالأساس إلى الحصار الذي فرض عليها في فترات سابقة، حيث جرى اغتيال الحياة الحزبية بقرار حلّ الأحزاب عام 1953، لتبقى مصر بلا أحزاب لمدة 23 سنة حتى عام 1976، عندما قرر الرئيس الراحل أنور السادات الخروج من حكم التنظيم السياسي الواحد، إلى تعددية مقيّدة في اليمين والوسط واليسار. وعندما شعر النظام الحاكم بعمل حزبي حقيقي لليسار، جرت محاصرته أمنيا واعتقال عدد كبير من قياداته، ما جعل المواطن يخشى الانخراط في العمل السياسي.

وأضاف عبدالرازق، أن الرئيس الأسبق حسني مبارك رفع الحصار الأمني عن الأحزاب، واستبدله بحصار قانوني وتمويلي، فالحزب الحاكم في عهد مبارك، كان هو من يمنح رخصة إنشاء الأحزاب المنافسة له. وعقب ثورة 25 يناير أطلقت حرية تأسيس الأحزاب، لكن بقي الحصار التمويلي والقانوني، ما جعل هناك ما يقرب من مئة حزب، ومع ذلك توجد معاناة وضعف قدرة في التواصل مع الجماهير.

بدوره، قال جمال أسعد عبدالملاك، الكاتب والمفكر القبطي ونائب مجلس الشعب السابق، إن الصراعات الداخلية بالأحزاب المدنية تصب في صالح الإسلام السياسي، الذي يسعى دائما إلى العزف على الأوتار الدينية، فالناخبون ينساقون خلف أصحاب الشعارات الدينية، وهذا يلقي بالمسؤولية على الأحزاب المدنية، بضرورة بناء تحالفات تضمن تشكيل برلمان يعلّي من قيم وأسس بناء الدولة الحديثة.