مازالت العاصمة الليبية طرابلس حبلى بالتطورات والأحداث التي تتسارع في ظل الواقع المرير الذي تعيشه المدينة منذ سنوات، خاصة مع سيطرة المليشيات المسلحة عليها وتحولها الى بؤرة صراعات على النفوذ لا تكاد تخمد حتى تشتعل من جديد، وهو ما جعل الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي فيها تزداد صعوبة وألما.

وفي مشهد جديد يكشف مأساوية الأوضاع في طرابلس،انطلقت مظاهرات، الأحد 23 أغسطس 2020، في مناطق مختلفة من العاصمة الليبية؛ احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع الأسعار، وللمطالبة بمحاربة الفساد.وحمّل المتظاهرون في طرابلس، حكومة الوفاق مسؤولية عدم توفير الاحتياجات الأساسية، مثل المياه والكهرباء.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الناشط محمود النحاسي من حراك "ثورة الجياع في الغرب الليبي"،قوله إن "رقعة الاحتجاجات اتسعت لتشمل عدة مدن في الغرب الليبي، ووصلت منذ ليلة البارحة لعدة أحياء في وسط العاصمة الليبية طرابلس".وأشار النحاسي،الى أن "أحياء في طرابلس شهدت إغلاقا للشوارع وإشعالا الإطارات، فيما حمل متظاهرون لافتات وأخرى عُلقت في الشوارع، تنادي برحيل حكومة الوفاق وحل الميليشيات وطرد المرتزقة".

وتحدث نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي،عن محاولات قمع المظاهرات مؤكدين تعرض المتظاهرين لإطلاق نار، وذلك بهدف تفريق المظاهرات خاصة بعد هجوم المتظاهرين على سيارة مسلحة تابعة لأحدى الكتائب المسلحة في طرابلس.وتداول النشطاء مقطع فيديو لاعتداء المتظاهرين على سيارة تابعة لمسلحين في طرابلس، كما تم تداول صور أولية لأحد المصابين جراء إطلاق النار.

وتواجه المظاهرات السلميّة في العاصمة الليبية طرابلس،بالرصاص الحيّ، لاسيّما إذا ما تجرّأت جموع المتظاهرين على المطالبة بإخراج جميع التشكيلات المسلحة غير الشرعية من العاصمة طرابلس.ويتعرض كل من يخالف المليشيات للإختطاف أو الإعتقال التعسفي أو القتل دون رادع في ظل ضعف الحكومة وعجزها عن فرض سيطرتها.

وتأتي هذه المظاهرات استكمالا لحالة الغليان التي تشهدها المنطقة الغربية منذ أسابيع حيث اندلعت مظاهرات، خلال اليومين الماضيين، في عدة مدن بغرب ليبيا، منها صبراته والزاوية وصرمان؛ احتجاجا على تردي الوضع المعيشي وغلاء الأسعار وانعدام السيولة النقدية ونقص فرص العمل، إضافة إلى رفض إجراءات وزارة مالية حكومة الوفاق بخصم ربع رواتب العاملين في الدولة.

ويعيش المواطنون أوضاعا صعبة فيما تتهم حكومة الوفاق بالفساد،حيث أكد ديوان المحاسبة الليبي،في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الأموال الموجهة لمكافحة تفشي وباء كورونا في ليبيا ذهبت إلى جيوب مسؤولين تابعين لحكومة الوفاق، وطالب باعتقال كل المتورطين في عمليات السرقة والاختلاس.

وكشف الديوان، في قرار جديد، عن تفاصيل واقعة فساد مالي تدين جهاز الطب العسكري التابع لوزارة دفاع حكومة الوفاق.وأوضح أن الأموال التي تم تخصيصها لمواجهة أزمة كورونا تمّ التلاعب بها من طرف مسؤولين بالجهاز قاموا بتمرير معاملات مالية مخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها، فضلاً عن اعتماد وصرف أموال دون وجود ما يقابلها من أعمال على أرض الواقع بمشروعات مراكز العزل الصحي داخل بلديات نالوت والزنتان وزوارة.

ووفق ما أورد موقع "العربية نت" فقد رصد المجلس الرئاسي الليبي ميزانية كبيرة لمواجهة أزمة كورونا تجاوزت النصف مليار دولار، منح جزءً منها إلى جهاز الطب العسكري وكلّفه بصيانة وتحوير وتجهيز مراكز للعزل الصحي في عدد من المناطق الواقعة غرب ليبيا. غير أن هذه المبالغ التي كان من المفترض أن تخصّص لمواجهة كورونا، تمّ تحويل وجهتها وتربّح منها المسؤولون والموظفون.

من جهة أخرى، تواصل حكومة الوفاق صرف ملايين الدولارات على المرتزقة الموالين لتركيا فيما يعاني المواطن الليبي من شظف العيش.وكان نواب من مدينة الزاوية وجوارها،وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشا،بتشكيل قوة خاصة من المرتزقة للانقلاب على السلطة.

وقال البيان إن وزير الداخلية "قد عقد عزمه على تدشين قواته الخاصة بآلاف المرتزقة السوريين الذين يمتصون قوت الشعب الليبي بالدولار كل شهر أسوة بالمعتدي، بينما يعاني شعبنا ضنك العيش، كما أننا نؤكد أننا غير غائبين ولا مغيبين عن نوايا باشاغا وهدفه القادم باستخدامه هذه العصابات الوافدة التي يسعى بها للانقلاب على الجميع".

وأرسلت أنقرة، ولا تزال ترسل، آلاف المسلحين المرتزقة للقتال إلى جانب القوات التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس، في محاولة للسيطرة على البلاد ونهب ثرواتها.نشرت صحيفة أحوال التركية تقريرا عن المكاسب الاقتصادية التي تحققها تركيا من وراء الانخراط في الصراع في ليبيا، وبعيدا عن استخدام ليبيا كساحة تجارب للتكنولوجيا العسكرية التركية، فقد استحوذت الشركات التركية على قسم كبير من الاقتصاد الليبي ووقعت عقود بعشرات المليارات. 

وفي وقت سابق، كشفت وثائق مسربة عن تحويل مليارات اليوروهات من المصرف الليبي المركزي إلى تركيا.كما كشف مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي "مينا"، أن السراج دفع 12 مليار دولار للحكومة التركية، توزعت بين 8 مليارات دولار كوديعة في المصرف المركزي التركي، و4 مليارات نقدا لحكومة أنقرة.

وبالرغم من التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في ليبيا بين الفرقاء مؤخرا،فان العديد من المتابعين للشأن الليبي يتوجسون خيفة من الموقف التركي الذي يسعى لمنع الاستقرار في البلاد خدمة لأجنداته التي باتت واضحة للجميع.ويبدو أن الأوضاع في غرب ليبيا ستحمل في طياتها تطورات عديدة خاصة في ظل حالة الاحتقان الكبير في صفوف المواطنين جراء تردي الأوضاع المعيشية ناهيك عن الصراعات والتصدعات في معسكر حكومة الوفاق.